عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Dec-2019

العنف الأسري - د. أحمد ياسين القرالة
 
الغد- العنف ظاهرة إنسانية لازمت الإنسان منذ وجوده على الأرض، ولم تمنع بساطة الحياة وكثرة الموارد وقلة الساكنين وصلة القرابة من قتل ابن آدم الأول لأخيه الشقيق وإنهاء حياته دون شفقة أو رحمة.
فالعنف لا هوية له ولا ديانة، أسبابُه كثيرة ومتنوعة، ولكل مجتمع نمط معين في ممارسته والتعبير عنه، لا فرق بين غني وفقير متعلم وجاهل، كبير وصغير، فهو واحد بأشكال متعددة متنوعة.
ووجود العنف الأسري في المجتمعات الأخرى ليس مبرراً للقبول به أو السكوت عليه أو الرضا بنتائجه؛ لسبب بسيط هو أنّ تلك المجتمعات ليست قدوةً لنا ولا معياراً لأحكامنا؛ فالواجب علينا إدانته وتجريمه والتوقف عن تبريره أو التستر عليه؛ لأنَّ تبريره والقبول به يعبر عن نفسيات تنزع نحو العنف وتقبل به وسيلةً لفضِّ النزاعات وتسوية الخلافات، أو نفسيات تقبل بالخضوع والاستسلام، وهذه كلها حالات مرَضية تحتاج إلى العلاج والدواء.
فالإسلام يرفض وبشدّة أنْ تبنى الحياة الأسرية على القهر والظلم وأن يساق أفرادها بالخوف والخنوع، ويدعو إلى أن تبنى الحياة الزوجية على قاعدة المودة والرحمة قال تعالى:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”، ودعا الزوجَ إلى إحسان معاشرة زوجته فقال تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” ولم يقل “وتعاشروا بالمعروف”؛ لأنَّ الغالب من حال المرأة هو الرِّقة واللطافة التي تتنافى مع القسوة والخشونة، وجعل القرآنُ الزوجَ أمامَ خيارين لا ثالث لهما ” إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ” والعنف بكافة أشكاله وصوره ليس واحداً منهما قطعاً.
وقد اعتبر الإسلام لكل من الزوجين ذمته المالية المستقلة عن الآخر، وهذا يعني أن مالَ كل من الزوجين له وديونه عليه؛ لذلك نهى عن أخذ أي شيء من مال المرأة دون رضاها وطيب نفس منها، وطيب النفس تعبير عن الرضا الكامل الذي لا تشوبه شائبة من خجل أو وجل أو إكراه أو غيره، لا فرق في ذلك بين زوج أو أب أو أخ، قال تعالى” فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا” وحرم على الزوج إيذاء زوجته والضغط عليها لتتنازل عن حقوقها المالية قال تعالى:” وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ “،وهذا نهي كامل عن العنف الاقتصادي ضد المرأة.
ولا يقتصر النهي عن العنفُ الأسري على تعنيف الزوجة وحدها، بل يشمل العنف الواقع على الأبناء ذكوراً وإناثاً، فقد جعل الله تعالى الأولاد أمانة عند الوالدين وأوجب عليهم رعايتهم الرعاية الفضلى، ونهى عن إيذائهم والتقصير في حقوقهم، ومن الإيذاء لهم إساءةُ أحد الوالدين للآخر أمامهم أو على مسمع منهم، وحرم التمييز بين ذكورهم وإناثهم في المحبة والاهتمام، ومنع حرمان الإناث من الميراث كلِه أو بعضِه.
ويدخل في هذا العنفِ العنفُ الموجه ضد الوالدين خاصة كبار السنِّ منهم،فقال تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً ” فإيذاء الوالدين والإساءة لهما بأيِّ صورة من الصور ومهما كان الشكل الذي تشكل به وبقطع النظر عن ضخامته وجسامته أسوأ أنواع العنف وأكثره قبحاً.
كما نهى عن العنف بين الإخوة والأخوات بالضرب أو الاستغلال أو الحرمان من الميراث أو الاستيلاء على المرتبات والحقوق المالية.
العنف قبيح الوجه ذميم الخَلق دنيء الخُلق، يزداد قبحاً ودناءة عندما يتجه نحو مَن ينتظرون الحبَّ ويتوقعون الودً ويأملون السَّكينةَ.