عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Jan-2020

المخرج حرب المهرجانات وحدها لا تكفي لخلق حراك وجمهور مسرحي على مدار العام

 

عمان -الدستور-  حسام عطية - احتفل الأردن مع دول العالم في العاشر من كانون الثاني الحالي بفكرة تخصيص يوم للمسرح العربي والتي جاءت من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي آلى على نفسه تطوير المسرح العربي، وفتح أبواب لهذا التطوير، فيما اختيار «مسرحي عربي» في كل عام لإلقاء كلمة يوم المسرح العربي، حالة جميلة جعلت للمسرح العربي مكانة كبيرة وسط المسرح العالمي.
وحدها لا تكفي
بدوره نوه فرقة رئيس مسرح الرحالة الفنان والمخرج حكيم حرب في تصريح لـ «الدستور» ، بانه وبهذه المناسبة قدمت الفرقة بالمؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي، تجربة مسرح الرحالة منذ انطلاقتها الأولى عام 1991 وحتى نهاية عام 2019 ، وستدير الجلسة الحوارية الفنانة الدكتورة ريم سعادة، وسيقدم الناقد المسرحي العراقي الدكتور رياض موسى السكران قراءته النقدية للتجربة ومساءلاته العلمية، وتقديم البيان الفكري والمسرحي لمسرح الرحالة والإجابة عن أسئلة الناقد والحضور، كما وسيتم عرض مادة فلمية تلخص أهم أعمال وإنجازات مسرح الرحالة على مدى 28 عاما من الانغماس في الحالة المسرحية داخل الأردن وخارجه.
ولفت حرب النظر الى أن تجاهل المؤسسات الرسمية العربية للمسرح والمسرحيين، وعدم منحهم الدعم والرعاية وعدم تهيئة مناخ صحي لهم وعدم مدهم بسقف مرتفع للتعبير بحرية وعدم خلق فضاء حر ورحب لهم لتقديم رؤاهم الجمالية والتنويرية جعل الظلاميين يسيطرون على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافية العربي، وزاد من نسبة الجهل ورفع وتيرة العنف وكرس أفكار الكراهية والعدائية وعدم احترام الآخر ووجهة نظر الآخر، ان يوم المسرح العربي مناسبة عزيزة على قلب كل مسرحي عربي، وأعتقد يجب استثمارها جيداً لعمل مراجعة شاملة لظروف المسرح العربي، الذي عليه أن يجد حلاً لمشكلة علاقة الجمهور بالمسرح، فالمهرجانات وحدها لا تكفي لخلق حراك وجمهور مسرحي على مدار العام، المهرجانات يشاهدها المسرحيون أنفسهم فقط ولا يشاهدها الجمهور، فعدد مقاعد صالة الجمهور في المركز الثقافي الملكي لا يتجاوز 280  مقعدا، يتسع فقط لأعضاء الفرق المسرحية المحلية والعربية والضيوف وأعضاء اللجان العليا والتحكيم والعلاقات العامة والإعلاميين، اذن هنالك خلل جوهري في كافة المهرجانات المسرحية المحلية والعربية، أنها لا تحقق الهدف الأساس الذي لأجله وجد المسرح، ألا وهو الجمهور.
المختبر المسرحي
ونوه حرب بانه حتى نخلق مسرحا لا نكتفي بالاحتفاء بالمسرح فقط، وهو ما نفعله في مشروع المختبر المسرحي الجوّال الذي تراه وتدعمه وزارة الثقافة الأردنية منذ عام 2014  وحتى اليوم كأحد مشاريعها الهامة، فقد استشعرنا الخطر قبل ست سنوات بأن مسرحنا الأردني بشكل خاص والعربي بشكل عام قد أصبح نخبوياً ومهرجانياَ وكرنفالياً وأنه للمسرحيين وحدهم وبلا جمهور يتابعه حتى غدا كالرقص في العتمة، وأنه يتمركز داخل العواصم العربية فقط ولا يتواصل مع الناس في المناطق النائية والأقل حظاً، عندها لمعت فكرة المختبر المسرحي الجوّال ليكون بمثابة معمل تدريبي يقوم بعمل جولة على كافة المدن والمحافظات ويدخل السجون، بهدف نشر الوعي والمعرفة المسرحية والارتقاء بالذائقة الفنية والجمالية واكتشاف المواهب وصقلها وتدريبها، فنحن بهذا قد وضعنا يدنا على مكمن الخلل، فنحن اذا لم ننجح من خلال مشروع المختبر المسرحي الجوّال في خلق جيل جديد من المبدعين المسرحيين القادرين على الارتقاء بمسرحنا العربي، فإننا على الأقل سنكون قد خلقنا جمهوراً مسرحياً مدرباً وواعياً بأبجديات المسرح وتقاليده وطرق متابعته وتذوقه وتحليله، حتى نجد جمهوراً مسرحياً مثقفاً وذواقاً يتابعنا عندما نذهب لتقديم عروضنا المسرحية في المدن والمحافظات والمناطق النائية والأقل حظاً التي نزورها، بدلاً من أن نبقى متمترسين وراء نفس العواصم ونفس المسارح ونفس الجمهور ونقدم نفس النصوص ونفس الموضوعات ونستقبل نفس الضيوف ونختلف ونتجادل على نفس المصطلحات ونتناحر على نفس الجوائز، بينما مسرحنا بلا جمهور، ومسرح بلا جمهور يعني مصحة عقلية ونفسية نمارس فيها عقدنا وأمراضنا النفسية.
لا تمس الجمهور
ونوه حرب بالإضافة إلى أن الموضوعات التي تتناولها غالبية العروض المسرحية العربية لا تمس الجمهور العربي الذي لم يتم تثقيفه وتعليمه أبجديات المسرح بعد، وأسس وتقاليد مشاهدة العرض المسرحي والقدرة على تذوقه وفهمه وتحليله، فمدارس وزارات التربية والتعليم في معظم الدول العربية تتجاهل المسرح، ولا تدرجه ضمن المناهج الأساسية التي يتعلمها الطلبة، لهذا يكبر الأطفال وهم لا يعرفون شيئا عن هذا الفن الخالد والعظيم والذي مضى عليه آلاف السنين مثبتاً أنه عنوان المدنية والحضارة لأي أمة، وأنه أنجع وسيلة للتربية والتعليم ولتهذيب النفس البشرية والارتقاء بالوعي والذائقة لدى بني البشر، وأنه علاج نفسي لحالات مستعصية مثقلة بالتراكمات الذهنية والنفسية، وانه حماية من الطاقة السلبية والميل الى العنف والجريمة والتطرف والمخدرات .. الخ،  ونحن اليوم ندفع ثمن تجاهل المؤسسات الرسمية العربية لدور المسرح وسائر الفنون، من خلال ما نشاهده من جريمة وتطرف وارهاب، فلا خلاص أمامنا كمجتمعات عربية الا من خلال إعادة الهيبة والاعتبار للمسرح وكافة أشكال الثقافة والفنون، وأهمها المسرح لأنه «أبو الفنون»، ففيه تتجمع كافة أشكال الأدب والفنون من قصة وشعر ونثر وموسيقى ورقص وتشكيل وتمثيل، وهو الأكثر قدرة على الارتقاء بالوعي وتهذيب النفس وتسليح العقول بالمعرفة والقدرة على تذوق الجمال، فالواقع العربي في جهة والمسرح العربي في جهة مغايرة تماماً، هنا لم يعد أمامنا سوى التهكم مسرحياً على هذا الواقع المرير والمبكي والمضحك في آن واحد، لهذا قدمت أنا وفريقي المسرحي «الرحالة» منذ اكثر من عام عملنا الكوميدي الساخر «جنونستان» والذي لا زال يعرض بنجاح كبير ويدعى للمشاركة في معظم المهرجانات المحلية والعربية، وعمل جولة على العديد من المحافظات الأردنية وتفاعل معه الجمهور وأحبه، لأنه لامس هموم الناس وواقعهم اليومي المعاش وسخر من كل الحالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الزائفة، وتناول مشاكل الوطن العربي منذ ثورات الربيع العربي حتى الان، مؤكداً على فكرة أن التخلص من الدكتاتور لا يكفي إذا لم يعقب ذلك تخلص من الفكر والثقافة الدكتاتورية المتأصلة فينا منذ الطفولة، فالدكتاتور قادر على التناسل عبر أجيال جديدة من الدكتاتوريين، وكل منا مشروع دكتاتور ينتظر الفرصة لإطلاق العنان للدكتاتورية القابعة في داخله، حتى لو تظاهرنا بالثورجية وتشدقنا بالحرية، فدع رجالك الأحرار يرتدون ملابس السلطة وانظر حينها كيف سيتبدلون وماذا سيفعلون.