عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Dec-2019

ميدان التحرير.. مصر يا أم البلاد.. أنت غايتي والمراد

 

القاهرة-الدستور-  محمود كريشان - «صباح الخير على الورد اللى فتُح .. فى جناين مصر.. صباح العندليب يشدى.. بألحان السبوع يا مصر.. صباح الدايه واللفة.. ورش الملح فى الزفة»..
نعم.. صباح الخير يا مصر.. وكأن الشيخ امام يخرج من سباته ويردد في الجموع الغفيرة: يا مصر قومي وشدي الحيل.. كل اللي تتمنيه عندي.. لا القهر يطويني ولا الليل.. نعم هي «مصر» التي ندخلها بسلام آمنين، فقد نهضت وارتدت اجمل الحلل، وهي تتزين لاستقبال عشاقها في هذا الزمان الجميل.. تمضي متشوقا على متن طائرات «الملكية الأردنية»، وما ان تحط رحالها في ارض ميناء القاهرة الجوي، حتى تشعر بعطر «مصر» وأريجها.. تقف لانهاء اجراءات الدخول، وترى الابتسامة الطيبة مرسومة على الوجوه النقية لضباط الجوازات في المطار القاهري، وهم يرحبون بك وينهون اجراءات الدخول بأقل من (5) دقائق.. ونورت مصر يا أفندم.. صباح الخير على المصريين.. «أهل الخير».. وصباح الورد على «القاهرة».. و»البيت.. بيتك».. يا باشا..
«الدستور» في الميدان
انت الآن في ميدان التحرير الشهير، وقد أدلى «دم المصريين» الشرفاء بصوته على مسرح ساحته.. على صدى الجماهير الثائرة الذي تصاعد قبل سنوات قليلة بالهتاف للحرية: بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي.. مصر يا أم البلاد.. أنت غايتي والمراد..
في هذا الميدان الشهير، كانت صحيفة «الدستور» الاردنية تعيش ايام الثورة المصرية في اروقته، تنقل الحدث بأمانة المسؤولية، وبأقلام نابعة من الحرص على مصر والسعي دوما نحو تقديم كل ما يخدم هذا البلد العربي العزيز، في حين تربصت الفضائيات الصفراء الخارجية، وانغمست في التحريض والاثارة، لتأجيج الموقف والسعي لاثارة الفتن بعيدا عن المهنية، الا ان مصر بشعبها الطيب وجيشها العظيم كانت الأقوى، لذلك نهضت مجددا بارادة وعزيمة وتصميم.. فكان كيد الحاقدين في نحورهم..
في هذا الميدان الثائر كانت الجموع الغفيرة تهتف «الشعب يريد عودة الجيش».. «يسقط حكم المرشد».. و»عبدالناصر قالها زمان.. الإخوان مالهمش أمان».. كانت الحوائط والجدران، تحكي ربيع الثورات المصرية.. من قلب هذا الميدان.. إيقونة الميادين المصرية، وهو يعبر عن رمزيته وقوميته لدى المصريين والعرب.
هذا الميدان الذي اكتسب شهرة عالمية، وقد اصبح وجهة رئيسية لمعظم السائحين الاجانب والضيوف العرب، ليشاهدوا مركز تلك الثورة المصرية العظيم، رغم ان الوقفة عند ميدان التحرير «سياحية» لكنها سياسية بامتياز، لأن الاسم الذي حمله الميدان كان بحد ذاته ثورة، فهو الميدان الذي سطعت فيه شمس الظهيرة القومية لمصر عام 1952 وحوله تقف صروح ذات دلالات تاريخية وسياحية بارزة.
 فكرة انشاء الميدان
بداية يجب ان نعلم ان «ميدان الاسماعيلية» أو «ميدان السادات» أو أيضاً «ميدان الشهداء»، جميعها أسماء أطلقت على «ميدان التحرير» منذ إنشائه عام 1865 حيث يعتبر جغرافيا انه أحد أكبر ميادين مصر شهرةً، ومن أهمها من حيث موقعه الاستراتيجي، ودوره المهم منذ إنشائه وحتى يومنا هذا.
المعلومات المتعلقة عن فكرة انشاء الميدان، فانها تشير الى ان الخديوي اسماعيل كان منبهراً بالحضارة الفرنسية، ويراها انها الأجمل على مستوى العالم، ولذلك حرص منذ توليه الحكم على اعادة تنظيم وتخطيط وبناء القاهره الجديده وتحويلها إلى النمط السائد فى باريس، لذلك اوكل الأمر إلى معمارى الفرنسي إسمه «باريل دى شامب» الذى قام بدوره بإنشاء الأبنية والميادين الجديدة على الطراز الأوروبي، وكان من بينها «ميدان الاسماعيلي» نسبة إلى الخديوى اسماعيل، ثم تغير اسمه إلى «ميدان التحرير»، نسبة إلى التحرر من نير الاستعمار في ثورة 1919، ثم ترسخ الاسم رسميًا في ثورة 23 يوليو عام 1952.
ميدان الثورات
وعلى صلة.. فإن المعلومات المتنوعة تشير الى ان ميدان التحرير كان قد شهد ثورات عدة في حقب تاريخية سابقة، كانت أولها «ثورة 23 يوليو»، وفي يوم 25 يناير 1952 وقبل قيام الثورة بسته أشهر شهد هذا الميدان «حريق القاهرة» الذي أدى إلى إحراق عدد هائل من الأبنية التاريخية مثل «فندق شيبرد القديم»، وعقب قيام ثورة 23 يوليو، تم تغيير اسم الميدان من «ميدان الاسماعيلي» الى «ميدان التحرير» كناية على التحرر من أسرة محمد على والى التحرير من الاستعمار البريطاني. ايضا وعقب العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956، تحول الميدان إلى تجمع شعبي للمصريين للحشد والتطوع ضد الاحتلال فى بورسعيد.
في غضون ذلك.. وعندما قرر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يوم 9 يونيو 1967 التنحي عن منصبه بعد الهزيمة فى 5 يونيو من نفس العام انطلقت حشود من الناس للميدان لرفض القرار، وقد توجهوا من الميدان إلى مقر إقامة «عبد الناصر» فى منشية البكري لإثنائه عن التنحي والبقاء في منصبه الرئاسي.
ايضا وفي سبتمبر 1968 شهد الميدان مظاهرات ضخمة، خاصة من شريحة الشباب ضد الأحكام التي صدرت ضد المسؤولين عن هزيمة عام 1967، مطالبين بمزيد من الحرية والديمقراطية مما دعا «عبد الناصر» انذاك إلى اصدار ما سمي ببيان 30 مارس 1968.  كذلك فانه وقبيل وفاة «عبد الناصر» في 28 سبتمبر 1970، شهد «ميدان التحرير» انعقاد واحد من اشهر مؤتمرات القمة العربية في فندق هيلتون الموجود في الميدان، لإنهاء تداعيات احداث ايلول في الاردن وازالة سحابة الصيف التي غيمت على العلاقات الاخوية حينها.
امام ذلك.. وفى يناير 1972 شهد الميدان واحدةً من أكبر المظاهرات الطلابية ضد الرئيس أنور السادات ليعبروا عن غضبهم واستيائهم بسبب تأخر السادات فى الرد على النكسة، وأعلان الموعد النهائى للحرب .
في حين انه وفى أكتوبر 1973 تغيرت الأمور واحتشد الناس هذه المرة فى نفس الميدان لتحية «السادات» عندما كان قادماً لالقاء خطاب النصر فى مجلس الشعب، ثم شهد الميدان احتجاجات ضده في يناير 1977 بسبب رفع اسعار عدد من السلع الأساسية. كذلك وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تم في عام 1990 إزالة القاعدة الرخامية الشهيرة في الميدان لانشاء «مترو انفاق القاهرة» مما أدى إلى اختفاء معالم رئيسية للميدان.
ولأن مصر دوما متشبثة بقوميتها، فإنه وعندما اندلعت الحرب ضد العراق وتم على اثرها «غزو بغداد» فى ابريل 2003 اشتعلت المظاهرات الغاضبة، وكان ميدان التحرير كالعادة هو اكبر تجمع لأكبر مظاهرة للتنديد بالعدوان الأجنبي.
وفي يوم 25 يناير 2011 جاء الانفجار الشعبي التاريخي الأكبر، عندما احتشدت الملايين الثائرة في ميدان التحرير مطالبين بتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك من رئاسة الجمهورية واتخذوا الميدان مقرا لثورتهم الجارفة إلى ان اعلن نائب الرئيس المصري في بيان رسمي تخلي الرئيس مبارك عن منصبه في مساء الجمعة 11 فبراير 2011.
في حين شهد الميدان جزءا كبيرا من ثورة «30 يونيو» عام 2013 بمظاهرات واحتجاجات عمت الديار المصرية بمشاركة الملايين من أنصار الأحزاب والحركات المعارضة للرئيس محمد مرسي «آنذاك» وعلى اثر ذلك تم يوم 3 يوليو/ تموز إنهاء حكم محمد مرسي وعزله، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور الذي أشرف خلال توليه الرئاسة المؤقتة لمصر على تنفيذ استحقاقين كبيرين أولهما إقرار الدستور الجديد، وثانيهما تنظيم انتخابات رئاسية نزيهة، أسفرت عن دخول المشير عبدالفتاح السيسي قصر الاتحادية رئيسا جديدا لمصر.
معالم واماكن بارزة
ولا شك ان هذا الميدان يكتظ بالمعالم البارزة، حيث يطل على الميدان عدد من الأبنية المهمة، لعل من أبرزها وأقدمها «المتحف المصري» وافتتحه الخديوي عباس حلمي عام 1902 ويعتبر أول متحف مصري يحتوي على أكبر مجموعة من الآثار القديمة.
كذلك مبنى «مجمع التحرير»، الذى بنته الحكومة عام 1951، ويعتبر أضخم مبني إداري، ويضم 1350 غرفة موزعة على 14 طابقاً، ولعلنا نتذكر الفلم الشهير «الإرهاب والكباب» بطولة عادل امام ويسرا والذي دارت احداثه في المجمع.  أيضاً وفي محيط الميدان يقع جامع عمر مكرم، وأمامه تمثال عمر مكرم نقيب الأشراف وحامل لواء الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي والإنجليزي، نهاية القرن الثامن عشر وقد شهد هذا الجامع اشهر الجنازات لكبار النجوم والشخصيات التي فتحت لها سراديق العزاء في صالته.
فيما يقع على اطراف حي جاردن ستي الفخم والعريق يطل على النيل والميدان قصر الأميرة نعمة الله كمال الدين ابنة الخديوي توفيق ابن إسماعيل باشا، وهو أحد المبانى القديمة القليلة الباقية فى هذا المكان التاريخي من القاهرة.
كذلك يقع في ارجاء الميدان مبنى الجامعة الأمريكية الذي شيده الخديوي إسماعيل فى عام1870 ليكون سكناً لزوج احدى بناته، وفى عام  1919 تم تحويل القصر إلى مقر للجامعة الأمريكية.
وبجانب هذا الميدان يقع ميدان «عبدالمنعم رياض»، الذى يتوسطه تمثال للقائد العسكري الفذ عبدالمنعم رياض والملقب بــ»الجنرال الذهبي»، بالاضافة الى وجود الفنادق التاريخية الفخمة مثل هيلتون وسمير اميس وشيبرد «المغلق حاليا»، ومكاتب السياحة والسفر، ومن احد تفرعات الميدان يوجد مكتب خطوط الملكية الاردنية.