عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Dec-2025

إسرائيل تمزق وقف إطلاق النار في غزة بينما تنشغل أميركا بأوكرانيا

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بول ر. بيلار* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 5/12/2025
تشير "حماس" إلى جوانب تميل فيها خطة ترامب لغزة بقوة ضد المصالح الفلسطينية، بما في ذلك ما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية المتصوّرة. وتقول "حماس" إن "تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، بما فيها نزع سلاح المقاومة"، ينزع عنها حياديتها ويحوّلها إلى طرف في الصراع يعمل لصالح الاحتلال".
 
 
ليس هناك في الحقيقة وقف لإطلاق النار في قطاع غزة -حتى مع أن هناك اتفاقاً تم التوصل إليه في 9 تشرين الأول (أكتوبر)، والذي كان من المفترض أن يرسّخ هذا الوقف.
ما يزال العدوان الإسرائيلي على القطاع مستمرًا، ولو بوتيرة أخفّ مما كان عليه خلال معظم العامين الماضيين. ووفق أحد الإحصاءات، انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة 591 مرة في الفترة ما بين 10 تشرين الأول (أكتوبر) و2 كانون الأول (ديسمبر)، بمزيج من الهجمات الجوية وقصف المدفعية وإطلاق النار المباشر. ويشير بيان لوزارة الصحة في غزة إلى أنه خلال هذه الفترة، قُتل 347 فلسطينياً وجُرح 889 آخرون. وما يزال نمط الضحايا -بمن فيهم النساء والأطفال والصحفيون- مستمراً.
في الوقت نفسه، يكاد يكون من المتعذّر العثور على أي ضحايا إسرائيليين أو خسائر إسرائيلية موثّقة في قطاع غزة خلال الفترة نفسها، ربما باستثناء حادث إطلاق نار مبكر في رفح قالت إسرائيل إنه أدى إلى مصرع جندي، بينما أكدت "حماس" أنها لم تكن لها أي علاقة به.
تجلت قواعد الاشتباك التي منحتها إسرائيل لنفسها أثناء هذا الـ"وقف لإطلاق النار" في حادثة مقتل اثنين من الفلسطينيين نهاية الأسبوع الماضي عند خط وقف إطلاق النار المسمّى "الخط الأصفر" بالقرب من خان يونس. وفي تصريحها عن الحادثة، قالت القوات الإسرائيلية إنها "رصدت اثنين من المشتبه بهما" كانا "يقومان بأنشطة مشبوهة"، وبعد ذلك "قامت القوات الجوية، بتوجيه من القوات البرية، بالقضاء على المشتبه بهما لإزالة التهديد". ولم يكن ذلك "التهديد" في الحقيقة سوى طفلين يبلغان من العمر 9 و10 أعوام كانا قد خرجا من منزلهما لجمع الحطب.
بالإضافة إلى غزة، يسود النمط نفسه من السلوك الإسرائيلي العدواني اليوم في لبنان، حيث تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024. وقد سجّلت قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) أكثر من 7.500 انتهاك للمجال الجوي ونحو 2.500 انتهاك بري ارتكبتها إسرائيل، في ما وصفه المقرر الخاص للأمم المتحدة بأنه "عدم احترام تام لاتفاق وقف إطلاق النار".
كما ظهر الموقف الإسرائيلي تجاه الالتزام بالاتفاق الجديد بعد اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل جزئي للأسرى تم التوصل إليه في غزة في كانون الثاني (يناير) من هذا العام. في ذلك الحين استقبلت إسرائيل بعض الأسرى المفرج عنهم واستفادت من الهدنة لتمكين قواتها العسكرية من التقاط أنفاسها قبل أن تنهي وقف إطلاق النار وتستأنف هجومها واسع النطاق على القطاع في آذار (مارس). ومن الواضح تمامًا أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن تنوي إطلاقًا تنفيذ المراحل اللاحقة من ذلك الاتفاق.
بعيدًا عن الموافقة على وقف إطلاق النار، لم يكن لـ"حماس" أو لأي فلسطينيين آخرين أي دور في "خطة السلام" الحالية المؤلفة من 20 نقطة. كان الذي صاغها هو إدارة ترامب -مع مقدار غير مُعلن من المدخلات الإسرائيلية- ولكن بنتيجة تميل بشدة لصالح إسرائيل. ولذلك ترفض "حماس" هذه الخطة، مستشهدة -من بين أسباب أخرى- بكيف أنها تضع الفلسطينيين تحت حكم أجنبي.
سوف يتمثل ذلك الحكم الأجنبي في غزة في هيئة دولية يرأسها داعم متشدّد لإسرائيل: دونالد ترامب. كما أن الاسم الآخر المذكور كعضو محتمل في هذه الهيئة هو رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وهو شخصية مثيرة للجدل في العالم العربي لأسباب تتعلق بدوره في دعم الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وأدائه اللاحق كمبعوث دولي لمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
كما تشير "حماس" أيضاً إلى جوانب أخرى تميل فيها الخطة بقوة ضد المصالح الفلسطينية، بما في ذلك ما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية المتصوّرة. وتقول "حماس" إن "تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة"، ينزع عنها حياديتها ويحوّلها إلى طرف في الصراع يعمل لصالح الاحتلال".
بما أن الخطة تميل بقوة لصالح إسرائيل، فإن المرء ربما يفكر بأن حكومة بنيامين نتنياهو ستكون أكثر ميلاً إلى إتمام تنفيذها مقارنة باتفاق كانون الثاني (يناير). لكن أحد أهم الأوجه التي تفضل بها الخطة إسرائيل هو أنها تسمح لها بالاستمرار في احتلال أجزاء من قطاع غزة إلى أجل غير مسمّى إذا لم تتحقق شروط معينة، وأنها تترك لها وحدها تقرير ما إذا كانت تلك الشروط قد تحققت. وتمهّد الخطة الطريق أمام إسرائيل لتعلن أنها مضطرة -ليس لمواصلة احتلالها فحسب، وإنما لاستئناف عملياتها العسكرية القاتلة أيضًا.
الشرط الرئيسي المُعلن في الخطة هو نزع سلاح "حماس"، وهو ما يشدّد عليه نتنياهو في خطابه. وبالنظر إلى أن "حماس" أبدت استعدادها للتخلي عن دور مباشر في حكم غزة، فإن نزع سلاحها بالكامل سوف يقترب عملياً من تحقيق هدف نتنياهو المعلن سابقاً: "تدمير" حماس.
ليس مفاجئًا أن ترفض جهة مستهدفة بالتدمير تسليم كل أسلحتها. ومن غير المفاجئ بشكل خاص في حالة "حماس"، بالنظر إلى أنه لم يخصص لها أي دور في كتابة الخطة الحالية، وأن الوثيقة تتحدث عن "ضمان" امتثال "حماس" لالتزاماتها بينما لا تقول أي شيء عن الرد على الانتهاكات الإسرائيلية المتراكمة، وأن إسرائيل ألحقت بالفلسطينيين من الموت والدمار ما يفوق بكثير، وبمرات عديدة، أي شيء يمكن أن تكون قد فعلته "حماس".
وفي الوقت نفسه، تواجه إدارة ترامب صعوبة كبيرة في تجنيد دول للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية المقترحة. والسبب الرئيسي وراء تردّد الدول المحتملة هو أن هناك عمليات عسكرية ما تزال تجرى في غزة، بدلا من أن يكون هناك وقف حقيقي لإطلاق النار لمراقبته أو فرضه.
ولا ترغب الحكومات، بشكل خاص، في التورط والمشاركة في محاولة نزع سلاح "حماس". إذا كان عامان من الحرب الإسرائيلية الوحشية لم يستطيعا تحقيق هذا الهدف، فعندئذٍ لن تتمكن قوة دولية أصغر وأضعف من تحقيقه أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك، لا تريد الدول العربية على وجه الخصوص، وكذلك الدول ذات الأغلبية المسلمة، أن تظهر وكأنها تقوم بالعمل القذر نيابة عن إسرائيل.
ما تزال دوافع نتنياهو لمواصلة الحرب، في معظمها، على حالها. وقد يؤدي طلبه الحصول على عفو لإنهاء قضية الفساد المقامة ضده إلى إضعاف أحد دوافعه، لكن فكرة مثل هذا العفو -على الرغم من تأييد الرئيس ترامب له- تبقى مثيرة للجدل داخل إسرائيل، ولا يوجد ما يضمن أن الرئيس إسحاق هرتسوغ سيوافق عليه.
مهما يكن الأمر، فإن بقاء نتنياهو في السلطة يعني الحفاظ على تماسك ائتلاف يميني يضم متطرفين لن يقبلوا بأقل من التطهير العرقي الكامل للفلسطينيين. وكان أحد انعكاسات ذلك هو إعلان إسرائيل مؤخرًا عن استعدادها لإعادة فتح معبر رفح بين قطاع غزة ومصر -ولكن فقط لخروج الفلسطينيين من غزة، وليس لمعاودة دخولها.
ربما يكون في التركيز الأميركي الدقيق والمتابعة الحثيثة ما قد ينقذ بعض بنود الخطة ذات النقاط العشرين، لكن من غير المرجح أن توفر إدارة ترامب هذا المستوى من الاهتمام. ثمة حصة كبيرة من جهد التفاوض رفيع المستوى منشغلة حالياً بالحرب الروسية-الأوكرانية، حيث اجتمع كلٌّ من المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر -الذي كان تركيزه منصبّاً في السابق بشكل شبه كامل على الشرق الأوسط- مؤخراً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.
وإذا عاد اهتمام ترامب بالاتفاقات الدولية إلى الشرق الأوسط، فإن هذا الاهتمام ربما لا يتجه إلى إسرائيل-فلسطين، وإنما على الأغلب إلى إيران، التي -على الرغم من استمرار حالة انعدام الثقة المتفاقمة بسبب العدوان الإسرائيلي والأميركي عليها في حزيران (يونيو)- أبدت التزامها بالدبلوماسية واهتمامها بالتفاوض على اتفاق نووي جديد.
ليس ترامب ممن يشتهرون بمتابعة ما يبدأون. وهو يهتم أكثر بتوقيع أو الترويج لأي شيء يمكنه وصفه بأنه اتفاق سلام، بغض النظر عن فعاليته. ومن المرجّح أن يُعلي من شأن أي جديد يتعلق بأوكرانيا أو إيران على العمل المطلوب لجلب سلام حقيقي إلى غزة.
وبذلك، فإن الأفق المتوقع هو اللاسلام في تلك المنطقة البائسة، مع غياب وقف فعلي يترسخ لإطلاق النار وضعف احتمال تنفيذ معظم بنود الخطة ذات النقاط العشرين. وعلى النطاق الأوسع، لن يتحقق أي سلام بين إسرائيل والفلسطينيين ما دامت الأولى تُخضع الثانية بالقوة.
سيكون المنعطف الجديد الوحيد في هذه القصة الحزينة المألوفة هو احتمال انقسام طويل الأمد لقطاع غزة على طول "الخط الأصفر"، حيث تحتل إسرائيل مباشرةً ما يزيد قليلًا على نصف القطاع، بما في ذلك معظم الأراضي التي تمكن الزراعة فيها. وقد شرعت إسرائيل في تشييد بنى تحتية على طول هذا الخط الأصفر والتي تبدو أنها دائمة.
يبدو أن ما يدور في ذهن كل من الحكومة الإسرائيلية وإدارة ترامب هو دعم الحجة القائلة بأن حياة الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي ستكون أفضل منها في أي منطقة يحكمها أمثال "حماس". وتماشياً مع هذا الطرح، أعلنت إدارة ترامب نيتها إنشاء مجمّعات سكنية على الجانب الإسرائيلي من القطاع، والتي ستكون -كما هو مُفترض- أفضل حالاً من مزيج الخيام والركام والوحل الذي أصبح منازل لكثير من الغزيين.
أما الوجه الآخر لهذه الاستراتيجية القائمة على التباين بين المنطقتين على جانبي القسمة، فهو إبقاء الجانب غير الإسرائيلي غارقاً في البؤس. وفي إطار خدمة هذا الهدف، ما تزال إسرائيل تقيّد دخول المساعدات الإنسانية. ووفق مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، لم يُسمح بدخول سوى نحو 20 بالمائة من شاحنات المساعدات التي كان من المفترض السماح بدخولها إلى غزة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
 
*بول آر. بيلار Paul R. Pillar: باحث أميركي بارز في شؤون الأمن القومي والاستخبارات. وهو زميل أول غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورجتاون، وزميل غير مقيم في معهد كوينسي لفن الحوكمة المسؤول، وهو زميل مشارك في مركز جنيف للسياسات الأمنية. أمضى أكثر من 28 عامًا من العمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) حيث تولّى مناصب قيادية في تحليل شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا ومكافحة الإرهاب، قبل أن ينتقل إلى العمل الأكاديمي والبحثي، مُكرِّسًا جهوده لانتقاد السياسات الأميركية التدخلية، والتأكيد على أهمية الدبلوماسية، وإبراز فشل المقاربات العسكرية في تحقيق الأمن والاستقرار.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel shredding Gaza ceasefire while US distracted by Ukraine