الحوار والتفكير لمواجهة المعلومات المغلوطة.. كيف ننمي مهارات الطلبة؟
الغد-آلاء مظهر
في عالم يمتلئ بالمعلومات المضللة، وتختلط فيه الحقائق بالمغالطات، تبرز أهمية الحوار في الغرف الصفية كأداة فعالة لبناء أجيال واعية ومتمكنة.
وبينما يشكل الحوار وسيلة لتعزير التفاهم وتطوير التفكير النقدي عند الطلبة، ما يتيح لهم التعبير عن آرائهم وتبادل الافكار بطرق منهجية وبناءه، تساعدهم على التمييز بين الصواب والخطأ، وتكسبهم مهارات نقاش فعالة، أكد خبراء في التربية ان الحوار في الغرفة الصفية، نهج تربوي يُرسخ فهم الطلبة للمحتوى التعليمي، ويمنحهم فرصا للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ويُسهم بتنمية مهارات في التفكير، ويبني شخصياتهم ويكسبهم الثقة بأنفسهم، وبهذا، يصبح الطالب أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والعالم، بما يناله من أدوات تحليل وفهم وحوار.
إرساء مفهوم الحوار عند الطلبة
وتلعب وزارة التربية والتعليم، دورا محوريا في إرساء مفهوم الحوار في الغرفة الصفية، ضمن مساعيها لتوفير بيئة تعليمية، تشجع على التفكير النقدي والتفاعل الايجابي بين الطلبة والمعلمين، عبر تطويرها للمناهج، وتضمينها انشطة تعلمية، تركتز على الحوار، بالاضافة لتدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم بادارة الحوارالصفي، وتشجيع الطلبة على المشاركة على التفاعل بالأنشطة، لترسيخ روح العمل الجماعي.
وأشار الى أن السؤال الذي يلح علينا في هذا النطاق، هو: كيف ننمي ونكسب الطلبة مهارات الحوار والتفكير الناقد في الغرف الصفية؟ وما هي ادوار المدرسة والمعلم والطالب؟
بيئة تعليمية تفاعلية
الخبيرة التربوية د. نجوى القبيلات، أكدت ان الحوار من أهم وسائل التربية، وهي أساس في بناء بيئة تعليمية تفاعلية، تتجاوز التلقين التقليدي إلى التعلم النشط القائم على تبادل الأفكار والخبرات. مبينة ان الحوار في الغرفة الصفية، ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو نهج تربوي يُعزز فهم الطلبة للمحتوى التعليمي، ويمنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ما يُسهم بتنمية مهارات في التفكير، ويبني شخصياتهم وثقتهم بأنفسهم، وبهذا، يصبح الطالب أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والعالم، ويمكنه من امتلاك أدوات التحليل والفهم والحوار.
واشارت القبيلات، الى ان أهمية الحوار تبرز في إرساء ثقافة تقبّل الرأي والرأي الآخر، فعندما نتيح للطلبة المساحة للتعبير عن آرائهم، ونشجّعهم على الاستماع لوجهات نظر زملائهم، فإننا نُعلّمهم كيف يطرحون أفكارهم باحترام، ويتعاملون مع الاختلافات بمرونة وتسامح، لافتة الى ان هذه المهارات لا تُبنى تلقائيًا، بل تحتاج لبيئة صفية مشجعة، ومعلم واعٍ، يُدرك بأن قبول التعددية واحترام التنوع هما من ركائز التربية المعاصرة.
مهارات التفكير الناقد
وبينت ان الحوار يشكل مدخلًا أساسيًا لبناء مهارات التفكير الناقد في الطلبة، وهي من أهم المهارات بهذا العصر الرقمي المتغير عبر النقاش والمقارنة، وتحليل الآراء، إذ يتعلّم الطالب تقييم المعلومات، ويُميّز بين الحقائق والانطباعات، ويكوّن موقفًا قائمًا على الدليل والمنطق، ويساعد في إثارة الأسئلة العميقة المرتبطة بالقضايا المطروحة، ما يُوسّع أفق الطلبة، ويعزز فهمهم لما يدور حولهم من تحولات اجتماعية وثقافية وتقنية.
ولتحقيق ذلك، فإن دور المعلم بتفعيل الحوار في الغرفة الصفية محوري، فالمعلم في ظل المناهج الحديثة لم يعد مجرد ناقلا للمعرفة، بل هو ميسر للتعلم، يخلق بيئة آمنة تشجع على النقاش الحر والمفتوح، ويضمن مشاركة الطلبة دون تمييز أو خوف عبر طرح الأسئلة المفتوحة، وإدارة الحوار بإنصاف ووعي، يتمكن المعلم من تحويل الصف إلى مساحة تعليمية حيوية، تنبض بالتفاعل والفكر، بحسب القبيلات.
تعزيز ثقافة الحوار
واوضحت القبيلات، أن ربط المحتوى الدراسي بالحوار، يُحول عملية التعلم إلى تجربة حقيقية تُشرك الطالب في بناء معرفته، لا مجرد استقبالها. معتبرة أن دور المدرسة لا يتوقف عند حدود الحصص الصفية، بل يمتد ليشمل أنشطة متنوعة تعزز ثقافة الحوار، كالطابور الصباحي، والبرلمانات المدرسية، والمناظرات، والمجالس الصفية.
وأوضحت أن هذه المساحات تُتيح للطلبة ممارسة الحوار البناء، وتُعزز فيهم حب المعرفة والنقاش، وتدفعهم للتفكير والتحقق وتمحيص الآراء وهنا يظهر دور المعلم والمدير كنماذج وقدوات حقيقية في ممارسة الحوار، وترسيخ ثقافة الانفتاح والاحترام داخل المجتمع المدرسي.
وأشارت الى اننا بحاجة ماسة إلى غرس ثقافة الحوار في نفوس أبنائنا، ليس فقط لتقوية مهاراتهم الأكاديمية، بل لتنشئتهم كمواطنين فاعلين، واعين، قادرين على مواجهة التحديات بثقة، وحماية أنفسهم من كل أشكال الاستغلال الفكري أو السلوكي، وهذا يبدأ من الغرفة الصفية، ومن المعلم الذي يُؤمن بأن الكلمة المحترمة، والرأي الحر، والفكر النقدي، هي أساس بناء المستقبل.
التمييز بين الحقائق والمفاهيم الخاطئة
بدوره، قال الخبير التربوي فيصل تايه، ان حوار في الغرفة الصفية، يعد من أهم الوسائل التعليمية التي تمكن الطلبة من تطوير قدراتهم الفكرية والاجتماعية، وتساعدهم على التمييز بين الحقائق والمفاهيم الخاطئة عبر مناقشة منظمة وعقلانية، والاسهام بتنمية مهارات النقاش البنّاء والتفكير النقدي، ما يتيح لهم التعبير عن وجهات نظرهم بثقة واحترام للآراء المختلفة.
واضاف تايه، إن تعزيز ثقافة الحوار في الصف الدراسي لا يقتصر على تحسين الأداء الأكاديمي حسب، بل يفتح آفاقًا واسعة لبناء شخصيات مستقلة وقادرة على التعامل مع مختلف تحديات الحياة بشكل مبتكر وفعال. مبينا اهمية ان يكون الطالب طرفاً أساسياً وفاعلاً بتقييم ما يحيط به باستمرار، وأن تكون لغة الحوار أبرز سمة في شخصيته، وهذا يتجلى بوضوح تكوين مجالس الطلابية.
إعداد جيل قيادي
وأوضح ان المجالس الطلابية، تعد سياسة تربوية ديمقراطية ترقى لإعداد جيل قيادي قادر على تحمل المسؤولية، ليمتلك القدرة على الاتصال الفعال والتخطيط، وإدارة المواقف المختلفة، بالإضافة لتعزيز روح الانتماء للوطن، وتنمية الممارسات الديمقراطية، وروح الحوار البناء والمناقشة والتفكير النقدي، وتعزيز الثقافة السياسية، وقيم التسامح والتعايش.
واعتبر تايه، بأن زيادة ثقافة الطالب الحوارية وممارسته للحوار، لا تنعكس على زيادة رغبة الطالب بمدرسته وانتمائه لها حسب، بل تسهم بشكل كبير في بناء الشخصية وصناعة مستقبل جيل واع ومشارك وإيجابي، وتقضي على السلبية وتزيد من الوطنية الصالحة، كما وان ممارسة الحوار في المدرسة بعد امتلاك أدواتها ومهارتها، تعني بأن نجعل الطالب يشارك برأيه في التفكير النقدي والنقد البناء لبيئته المدرسية، وفي اتخاذ قراراته.
ولفت الى أن أهمية الحوار الطلابي، تكمن في كونه وسيلة إفهام ومتنفس للطالب للتعبير عما بنفسه، لذا أصبح من المهم التوسع بنشر ثقافة الحوار في وسط العمل التربوي والتعليمي؛ اذ يجب ألا يجري ذلك على مستوى الجانب المعرفي فقط، بل ينبغي أن يجري الإسقاط على الجانب السلوكي والوعاء الحركي لدى المعلمين والطلبة على حد سواء في الوسط المدرسي.
وبين تايه، ان اهمية الحوار بالنسبة للطلبة أنه يستأصل من نفوسهم مظاهر الخوف وفقدان الثقة والخجل والتلعثم، وتمكنهم من امتلاك القدرات على الحديث والحوار الجماعي، وتؤهلهم للمواقف القيادية وإتقان الإلقاء وتمثيل الأدوار ومراعاة المعاني، وعلى هذا الأساس، فإنه يمكن القول إنه أصبح من الأهمية بمكان أن يعزز الحوار ومهارات الطلبة عبر المدرسة، حتى يتجلى ما يمتلكونه من نضج عقلي ووجداني يسهم بتفاعلهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، بحيث تتحقق بذلك الأهداف المنشودة.
توظيف المعرفة في الحياة
من جهته، قال الخبير التربوي عايش النوايسة، أن استراتيجيات التعلم والتعليم تغيرت، واصبح هناك تركيز على المهارات المتعلقة بتوظيف المعرفة في الحياة كالحوار وقبول الآخر والنقاش، مبينا أن واحد من اهم هذه المهارات الاساسية التي يجب ان يعلم بها الطلبة ويكتسبها هي مهارة الحوار أكان الحوار بين الطلبة انفسهم والحوار بين معلمين، ومن ثم الانطلاق للحياه.
واضاف، ان الابتعاد عن التلقين في التعليم، جوهر عمليات التعلم والتعليم في النظم التعليمية كافة في العالم، لافتا الى ان التعليم لم يعد يعتمد على التلقين بقدر ما يعتمد على التعلم النشط الذي يشرك الطلبة بعمليات تعلم وتعليم، جزء منها مهارات حوار وتفكير نقدي لدى الطلبة.
وأكد النوايسة، ان تنمية مهارات الحوار في الغرف الصفية، يساعد الطلبة على تطور مهارات التفكير الناقد، عبر تحليل المعلومات وتقييمها وطرح الاسئلة وتقديم الححج والبراهين، والتمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة والحقائق والمغالطات. وتعزيز مهارات التواصل بين الطلبة باتاحة التعبير عن افكارهم بوضوح وتبادل الافكار بطرق منهجية وبناءة، وتعزيز مهارات الاستماع النشط والاصغاء واحترام وجهات النظر الآخرين.
تنمية مهارات التعاون
وأوضح أن الحوار يسهم ببناء متكامل للشخصية، تساعد الطلبة على التعبير عن ذواتهم وتوفر له مساح’ للتعبير عن رأيه وافكاره، بخاصة عندما يشعر الطلبة بأن أصواتهم مسموعة وقادرة على ان تجعلهم مشاركين في عمليات تعلم وتعليم، لتغدو اكثر فاعلية وايجابية، بالإضافة الى انها تنمي مهارات التعاون الايجابي والعمل الجماعي بين الطلبة عبر اشراكهم بتبادل الافكار وتقبلها في القضايا التي تتعلق مثلا بالتفاوض، وحل النزاعات بطريقة ايجابية، تعتمد على التفكير واحترام الرأي والرأي الآخر، وتقبله.
واشار الى انها تعزز من فهم الاحترام المتبادل بين الطلبة عبر فتح آفاق لفهم وجهات نظر مختلفة وخلفيات متنوعة، تساعد على تجاوز التحيزات والاحكام المستقبلة، بتعزيز التعاطف والقدرة على رؤية الامور من منظور آخر، تسهم في النهاية ببناء مجتمع مدرسي متماسك، وبالتالي هذا الامر ينعكس على المجتمع.
وبين إكساب الطلبة مهارات الحوار والنقاش والتفكير النقدي يعد الطلبة للمستقبل، بخاصة في ظل انتشار معلومات مضللة تختلط بالحقائق، مع المغالطات في الفضاء الكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التي تفتقر لمهارات الحوار وتحليل المعلومات والتميز بين الصواب والخطأ.
واوضح النوايسة، ان الحوار من اهم الاستراتيجيات في نظم التعليم، وعلى التربويين والمؤسسات التربوية، تعزيزها عند الطلبة، والتوسع بها حيث تلعب وزارة التربية والتعليم دورا محوريا في إرساء الحوار في الغرفة الصفية، وذلك بتطوير المناهج الدراسية، لتضمن انشطة تعلمية تعتمد على الحوار والمناقشة بالاضافة لتدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم بإدارة الحوار الصفي والتشجيع على المشاركة الجماعية ودعم الانشطة وغيرها.