الحياة-أخذت تجربة الاستقلال وتقرير مصير كثير من شعوب العالم الثالث أنماطاً عدة من حيث الشكل والأسباب التي أُجبرت فيها الدول المحتلة على ترك البلدان التي تقع تحت سيطرتها. أولها نمط الاستقلال الذي ارتبط بسوء سياسات الدولة المحتلة، كعمليات الفصل العنصري التى قامت بها الأقلية البيضاء تجاه الأغلبية السوداء أصحاب الأرض الأصليين في جنوب أفريقيا في نهاية القرن الماضي، والتي انتهت بالقضاء على هذه السياسات التمييزية ضد السود لتعطي شكلاً غير مألوف في استخدام سلبيات سياسات المحتل كسلاح ضده. وتوازى نجاح هذا الشكل للاستقلال مع تطور ثقافة القانون الدولي الإنساني ونمو وعي المجتمعات تجاه هذه الانتهاكات التى تمارس ضد الإنسانية. وهناك شكل آخر يقترب من ذلك، بما عرف بالمقاومة السلمية للاحتلال، مثلما حدث في النصف الأول من القرن العشرين من انتفاضة المجتمع الهندي السلمية تجاه المحتل البريطاني على يد نخبة آمنت به باعتباره أقوى تأثيراً، ما أجبر المحتل على مغادرة شبه القارة الهندية برغم كثير من المغريات الاقتصادية. وثالث هذه الأنماط يتمثل في المقاومة العنيفة في الداخل لدولة المحتل، وهو الشكل الأشهر في حالات الاحتلال المختلفة التي شهدتها الكثير من الدول المستعمرة والتي قدمت تضحيات كبيرة مادية وبشرية، كان من نتيجتها خروج المحتل من هذه البلدان. حدث ذلك في فيتنام وكوريا والجزائر، على سبيل المثال. أما النمط الرابع فيتمثل في أن التغيرات الدولية والإقليمية قد تدفع دولة الاحتلال إلى الرضوخ للضغوط. وتمثلت هذه الحالة في عدوان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في 1956 حتى كادت مصر تخضع مجدداً للاحتلال لولا تغير ميزان القوى وغروب شمس الإمبراطوريتين الكبيرتين (فرنسا وبريطانيا) عقب الحرب العالمية الثانية وبزوغ شمس الدولة الأميركية بثقلها السياسي والعسكري الذي انعكس على التفاعلات الدولية، ومن بينها قضية العدوان الثلاثي التي انتهت في صالح مصر. يبقى النمط الخامس والمتمثل في النزاع القائم بين دولتين، ولا ينتهى الصراع بينهما إلا بحدوث حروب تعزز فرص طرف على حساب آخر أو تقوي الطرف المحتل جزء من أرضه في حال كسبه هذه الحرب، مثلما حدث في حرب 1973، التي قوّت موقف مصر؛ في وقت كان حديث التفاوض على الانسحاب من الأرض قبل الحرب بمثابة شكل من العبث، في نظر إسرائيل. وهو الأمر الذي أدركته النخبة المصرية في ذلك الوقت ومن ثم أعطت للحرب الأولوية لاستعادة الأرض. والعوامل السابقة قد تجتمع بنسب مختلفة لتكون سبباً في إجبار المحتل على ترك ما يحتله من أراض. حدث ذلك مع مختلف أشكال الاستعمار التي شهدها الكثير من دول العالم الثالث في القرن العشرين، بما فيها إسرائيل التي انسحبت مرتين من الأرض المصرية، أولاً بفضل ضغوط الولايات المتحدة الأميركية، في 1956 وثانياً بفضل حرب 1973 التي أجبرت إسرائيل وأميركا على البحث عن مخرج للأزمة من طريق رعايتها المفاوضات بين القاهرة وتل أبيب.