عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Feb-2021

بعد ترمب... «فوكس نيوز» بانتظار تحديد مستقبل الجمهوريين

 الشرق الاوسط- إيلي يوسف

عاد النشاط الإعلامي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الإعلامي إلى الانتعاش منذ تبرئته لـ«أسباب دستورية» من قبل غالبية جمهوريي مجلس الشيوخ. وجاءت هذه العودة بعد فترة من الركود، فرضته ظروف محاكمته الثانية في أعقاب الهجوم على مبنى الكابيتول.
 
هذا «الركود» لم يقتصر على ترمب وحده، بل شمل في الواقع معظم المؤسسات الإعلامية المصنفة محافظة، وخصوصاً، تلك التي كانت، ولا تزال، تعبر عن ولاء لم يسبق له مثيل في تاريخ التعامل مع «رئيس سابق».
 
خسارة الانتخابات شكلت زلزالاً غير متوقع للعديد من تلك المؤسسات، بعدما كانت تشعر مع غالبية الجمهوريين بفائض من الثقة، بأن ترمب كان في طريقه حتما لتحقيق فوز جديد. ولقد اعتبرت محطة «فوكس نيوز»، التي تبوأت على امتداد عقدين من الزمن قمة المحطات التي تبث عبر الكيبل، أكبر الخاسرين جراء تراجع عدد مشاهديها، إثر «انشقاقها» الجزئي عن ترمب، بعدما التزمت لأسباب مهنية بقبول نتائج الانتخابات الرسمية، ورفضها الانسياق وراء ادعاءات سرقتها، على ما درج ترمب ولا يزال على ترداده.
 
حتى مواقع التواصل الاجتماعي اليمينية، كموقع «بارلر»، التي شهدت انتعاشاً بعد إقصاء ترمب وكثير من مؤيديه عن المواقع الرئيسية للتواصل مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب»، شهدت انحسارا يعتبره البعض مؤقتاً. إذ عانى «بارلر» من مصاعب مضاعفة بعد إزالته من متاجر التطبيقات لكل من «أبل» و«غوغل» و«أمازون»، قبل أن يعود بشكل مفاجئ الاثنين الماضي إلى الشبكة العنكبوتية، عبر شركة «سكاي سلك» المغمورة ومقرها في ولاية كاليفورنيا.
 
إلا أن ترمب في أول إطلالة تلفزيونية له، بمناسبة وفاة المذيع الإذاعي اليميني المحافظ راش ليمبو، وفي رد وصف بـ«الكيدي» والمقصود على المقابلة التلفزيونية المفتوحة للرئيس جو بايدن على محطة «سي إن إن»، استدعى 3 محطات هي «فوكس نيوز» و«نيوز ماكس» و«أو إيه إن»، لتوجيه رسائل عدة، هي: مهاجمة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المعادية لدعم وسائل الإعلام الموالية له، ومهاجمة بايدن، وتهديد الحزب الجمهوري والترويج لحملاته الانتخابية في 2022 و2024.
 
ADVERTISING
 
 
استعادة الثقة و«تعريف» الجمهور
 
لكن ما تواجهه وسائل الإعلام اليمينية الرئيسية، وبالأخص، محطة «فوكس نيوز» من ضغوط تطرح عليها تحديات مضاعفة. فهي من ناحية تريد استعادة جمهورها وثقته بها عبر الموازنة بين المادة الإخبارية والانحياز السياسي، ومن ناحية أخرى العثور على موطئ قدم لمعرفة هوية القاعدة التي ستخاطبها في بحر الانقسامات التي يواجهها الجمهوريون راهناً. ولعل النقطة الأخيرة هي أبرز ما يقلق مالك المحطة الملياردير اليميني روبرت مردوخ.
 
ذلك أن المحطة التي بنت سمعتها على امتداد عقدين أمام المشاهدين والمعلنين، بأنها الصوت المعبر عن وجهة نظر ما يقرب من 50 في المائة من الأميركيين، الذين «ما عادوا يجدون أخبارهم» في الإعلام «الليبرالي عموماً»، هي الآن أمام أكثر من جمهور أو أكثر من شارع سياسي.
 
ولقد نقلت وسائل إعلام أميركية عن مردوخ (89 سنة)، عودته إلى المشاركة في عملية صنع القرار داخل المحطة، عبر مهاجمته ما سماه «العقيدة الفظيعة» التي «تقمع حرية التعبير في وسائل الإعلام»، في محاولة منه لاستعادة ثقة الجمهور.
 
وترجم مردوخ هذه العودة، بالموافقة على استبعاد عدد من مقدمي البرامج ورؤساء التحرير وبعض المشرفين على برامج المحطة، الذين اتهمهم بالتسبب في الأزمة مع ترمب وفي تراجع نسبة مشاهديها. بيد أن الملياردير اليميني عبر أيضاً عن مخاوفه من تأثير خطاب ترمب على الحزب الجمهوري، وعن أنه يرصد ما يمكن أن تتركه هذه التحركات «المؤقتة» من أثر.
 
 
بين التبعية والاستقلالية
 
مردوخ وافق على إقالة كبير المحررين السياسيين كريس ستيروالت بسبب «دوره في الإعلان عن نتيجة الانتخابات في ولاية أريزونا»، رغم قوله إن إقالته سببها سوء إدارته للهواء. كذلك تخلت المحطة عن بيل سامون، نائب الرئيس الأول والمحرر الإداري في واشنطن، الذي شارك مع ستيروالت في واقعة «أريزونا».
 
وفي المقابل، جرى تعزيز حضور دان بونجينو، المؤيد القوي لترمب، الذي شارك تغريداته على «تويتر» عن تزوير الانتخابات، وما لبث أن حجبه الموقع لعدة أيام بسبب تلك التغريدات.
 
وتفكر المحطة راهناً في تعزيز وضع كريغ غوتفيلد، أحد مضيفي برنامج «ذي فايف»، لتقديم برنامج كوميدي سياسي ليلي، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». كذلك تسعى المحطة للاستعانة بمقدم برنامج «فوكس أند فريندز» برايان كيلميدي ومذيعة «فوكس بيزنس» ماريا بارتيرومو وعضو الكونغرس الجمهوري السابق تري جودي لتقديم برنامج «فوكس سفن» الإخباري.
 
من ناحية ثانية، رغم احتلال شون هانيتي مركز المستضيف الأول والأكثر مشاهدة، بعد مغادرة بيل أورايلي للمحطة عام 2017 إثر فضيحة جنسية، فإن تاكر كارلسون، مقدم برنامج «الساعة الثامنة»، الذي ينظر إليه بأنه أكثر استقلالية، هزمه في نسبة عدد المشاهدين خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، ما قد يجعله في أن يكون المستضيف الأول لمحطة «فوكس نيوز».
 
وفي حين يتباهى هانيتي بالقول إنه يتحادث يوميا مع ترمب، يقال أن كارلسون قريب من عائلة مردوخ، وبالأخص، ابنه لاكلان مردوخ المدير العام الفعلي للشركة الأم التي تملك المحطة.
 
 
تراجع عدد مشاهدي «فوكس نيوز»
 
في سياق متصل، ورغم أن حملة ترمب ضد «فوكس نيوز» قد تراجعت، بدليل دعوته لها لتغطية مؤتمره الصحافي، فإن الرئيس الأميركي السابق وضعها تحت اختبار سياسي، تجاوبت معه المحطة مسبقاً، ولا تزال عبر الإجراءات الإدارية والتغييرات في برامجها، وسط أزمة هوية.
 
هذا، وعبر عن تراجعها عن موقعها الريادي في ظل إحصاءات أظهرت تراجعها أمام منافسيها الإخباريين، «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي»، للمرة الأولى منذ عقدين.
 
وبالفعل، شهدت المحطة أسوأ شهر في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين سجلت انخفاضاً في عدد مشاهديها بنسبة 13 في المائة، مقابل ارتفاعه بنسبة 128 في المائة لـ«سي إن إن» و53 في المائة لـ«إم إس إن بي سي».
 
ثم بدا أن تلك النتائج في طريقها للتحسن، حين سجلت المحطة خلال الأسبوع الأول الكامل من إدارة بايدن، ارتفاعاً في عدد مشاهديها في وقت الذروة، لكنها بقيت متأخرة في الفئة العمرية من 25 إلى 54 سنة... بحسب إحصاءات من وكالات الإعلانات المتخصصة في متابعة المشاهدين.
 
هذا، وغالباً ما تذكر المحطات الإخبارية ومن بينها محطة «فوكس نيوز» بأن نهاية الحملات الرئاسية تكون وقتاً مناسباً للمؤسسات الإخبارية لتقييم استراتيجياتها وإعادة ضبطها. وهو ما جرى بعدما ابتعد الجمهور عنها بشكل مؤقت إثر فوز الرئيس باراك أوباما عام 2008، حين احتلت أخباره التي «لا تعني المحافظين» العناوين.
 
إلا أنه وبمجرد عودتها إلى شن الحروب الإعلامية والسياسية ضده، عاد اهتمام الجمهور بها. لكن التحدي الذي تواجهه «فوكس نيوز» اليوم، قد يكون مميتاً بالنسبة لصناعة الأخبار في المحطة، مثلما أن إعادة جذب المشاهدين قد يكون أمراً عسيراً، بعدما سجل لها نجاحها في وضع «خط فاصل» نسبياً بين الخبر ووجهة النظر.
 
وهنا يقول فرانك لونتر، خبير الاستطلاعات في الحزب الجمهوري، إن «ترمب لن يدع ذلك يحدث مرة أخرى، بعدما تمسك قسم الأخبار في المحطة بموقفه المهني من الادعاءات الزائفة عن الانتخابات».
 
ويضيف أن ترمب وأنصاره يريدون «أخبارهم هم» لا إبلاغهم بالأخبار. وفي هذا دلالات عن طبيعة التوازن الدقيق الذي سيحكم سياسات «فوكس نيوز» وغيرها من المحطات الإعلامية، اليمينية منها أو الليبرالية.
 
وبالتالي، في ظل الإجماع على أن الولايات المتحدة نفسها تمر بتحولات وانقسامات غير مسبوقة، تطرح التساؤلات عن تداعيات هذه التغييرات ونتائجها على مصير الاستقرار السياسي... وعلى الثنائية الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين التي لا تزال تحتكر التمثيل السياسي.