عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Oct-2021

عبد الرؤوف الروابدة.. الفلاح الذي عاش ديمقراطية القرية والعشيرة والبادية

 الراي- ملك يوسف التل

 
يدهشك الرئيس الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في أنه يعرف تماماً حدوده والمساحة الواسعة التي يمتلك أهلية الخوض فيها، بقدر ما يعرف حدوده وأحجام الآخرين والمساحة التي يمكنهم خوضها دون حرج.
 
ولذلك يعترف أبو عصام بأنه تجاوز المرحلة العمرية التي تمنحه قابلية أن ينشئ حزباً جديداً، فهو في ثمانينيات الرضا والعافية.
 
لكنه لا يقبل من الآخرين أن يتهموه، مثلاً، بأنه من قوى الشدّ العكسي التي تريد تفصيل إصلاح منظومة الإصلاح على مقاس إدامة الراهن.
 
ويفاجئك بأن مهاراته في الذود عن إدارته المعنوية كرجل دولة ذي بصمة ناطقة بصوت مسموع، ما زالت كما هي قبل خمسين سنة، إن لم تكن أضحت أكثر قسوة وأقل إثارة للنكتة،فهو يستخدم في توصيف المسيئين له كل ملكاته الأدبية وهي فائضة ومدبّبة.
 
يتميّز الرئيس الروابدة أنه، ربما، الوحيد من رجالات الدولة الذين يمتلكون رصيداً متراكماً على مدى خمسين عاماً في البيروقراطية الأردنية، لكونه بدأ صيدلانياً وانتهى الآن ببيت خبرة في وصف العلاجات التي يمكن أن تداوي الإدارة العامة للدولة، ما صغر منها وما كبر.
 
هو «الصيدلاني» الذي يكون في معظم الأحيان أكثر قدرة على تشخيص العلة وتوصيف الدواء من أطباء الاختصاص المقطوع.
 
صار الرئيس الروابدة أكثر قدرة على المجاملة حتى وهو يقف على الجانب الآخر من الطريق.
 
اكتفى بوصف رزمة الإصلاح بأنها جهد مشكور يمتلك قوة الإجماع، بانتظار أن توضع النتائج على طبلية التجربة.
 
كمرجعية وثقت معجم العشائر الأردنية عام 2010، وكصاحب رؤية وازنة، كيف تقرأون ما يصفه البعض بأنه خلط بين العشائر والعشائرية في اجتهادات اصلاح المنظومة السياسية؟
 
أعتقد أن العشائرية جزء من تاريخنا الديني وتاريخنا العروبي (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)،
 
الكرامة عند ربنا التقوى، لكننا في الحياة سنتشكل على أساس أسر وعشائر وقبائل، ذات تجربة غنية في الخلق والأمن والأمان. العشائر مؤسسة اجتماعية، لا تقبل فقيراً في داخلها، ولا تقبل ضعيفاً، وتناصر المظلوم، وفي نفس الوقت مؤسسة أمنية، تحمي أمن الأسرة، تأخذ الحق لابنها كما تأخذه إذا تمت ممارسات خاطئة في بعض هذه المجالات فلا يجوز أن ندينها.
 
في غياب التنظيمات الحزبية الحقيقية التي تمثل قاعدة على الأرض ذات وزن وقيمة، ليقل لي هؤلاء العلماء في الليبرالية الذين استجدوا الخير من قوى الاستعمار، ليقولوا لي ما هي وسيلة تجميع الناس الأخرى، الإنسان في غياب التنظيمات السياسية والفكرية يلجأون إلى تنظيماته الطبيعية، وظيفتنا أن لا نهاجمها ولكن أن ننقي ما دخل إليها وهو ليس منها، هذه هي الإساءات التي تتم.
 
ما اريد قوله ان العشائرية هي جزء من تراثنا، بقيمها الشريفة، بقيمها الإيجابية، وبقيمها النبيلة، نرفض ما أدخل عليها وهو ليس منها، من ممارسات وتصرفات نشكو منها كثيراً وآخرها ما يسمى بالجلوة. بغير ذلك ليقل لي هؤلاء العلماء ما هو السبيل لتنظيم الناس في غياب الحزبية. إن كانوا أذكياء، وإن كانوا ذوي قدرة ليصنعوا أحزاباً حقيقية تمثل الناس، عندها أقول لهم لن يكون للعشائرية ذلك الثقل والدور الذي يخشون منه.
 
هل تفكر بترشيح نفسك للنيابة أم ان المواقع التي حُزتها تشكل عائقا؟
 
لا لن أرشح نفسي للنيابة مرة أخرى، والمناصب بالنسبة لي لا تمنعني من الترشح للنيابة، فأنا رئيس الحكومة الثاني الذي عاد وترشح للنيابة وقد سبق و ترشحت للنيابة وأنا وزير سابق، وأيضا وأنا رئيس وزراء سابق. وترشحت للنيابة وأنا أمين عاصمة،فلم تمنعني المناصب. بالعكس أعتقد أن الوصول إلى الناس ومعرفة قضاياهم هي الواجب الأول على السياسي والقائد الإداري، وهذا مارسته، لكنني أعتقد أنه عمر وتجربة ليس من حقي أن أعيد التجربة الانتخابية لأننا يجب أن نتركها للأجيال التي تريد أن تبني.
 
هل تقيس العطاء بالعمر؟
 
لا، العطاء ليس مربوطاً بالعمر، ولكن المواقع مقاسة بالعمر، القيادات الإدارية مقاسة بالعمر، وحتى القيادات السياسية في مرحلة من المراحل تتحول فيها إلى خبير بدل من أن تتحول فيها إلى موظف.
 
في مقالة كتبتموها أيام ولايتكم أمانة عمان بعنوان ماذا أحب في عمان وصفتموها كأنثى... «يداها تحتضنان ماء رأس العين وساقاها ترتاحان في عين غزال» ماذا بقي من عمان تلك؟
 
عمان بقيت وازدادت جمالاً، عمان تلك الصبية، لم تعد صبية، تحولت إلى شابة في مرحلة من مراحل العمر، وهي الآن أم، لديها أبناء ترعاهم، أبناؤها تلك الأحياء التي بدأت تنشأ جديداً، وتعيش على حليب الأم، وعلى رضا الأم، و حب الأم.
 
هذه هي الحياة والتاريخ، لا يجوز أن تطلبوا من الصبية أن تبقى طوال عمرها صبية، هذا لا ينطبق على عمان وحدها، وإنما ينطبق على كل مدينة تكبر.
 
لكم في قطاع الصحة تاريخ من التجارب الادارية بينها وزير الصحة وقبلها خبرة وأهلية في قطاع الصيدلية. هل تؤيدون ما بدأ البعض يهمس به لخصخصة القطاع العام الصحي كحلّ للفواجع الكثيرة التي باتت تتكشف في هذا القطاع على خلفية جائحة كورونا والنقص الكبير في الكوادر والأخطاء في الممارسة؟
 
لا أعتقد أن كل ما يقال صادق وصحيح. هناك أخطاء، تحدث في كل مجال من مجالات الحياة، ولو تحدثنا على أخطاء الساسة الذين جثموا على أوطان، دمروا بلاداً، ولو تحدثنا عن أخطاء الهندسة ودمروا عمارات، ولو تحدثنا عن أخطاء الأطباء والصيادلة وماذا أساءوا، هذه إمكانية صعبة (كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون)،
 
نحن نعترف ونرفض الخطيئة، ولكننا نقبل الخطأ ونقبل الاعتذار عنه إذا لم يكن ناجما عن تقصد، أو عن إهمال. لكن الحياة مستمرة وفيها أخطاء طبيعية، باعتقادي أن أي إساءة لجهاز الصحة الرسمي، هو إساءة للفقراء ودفع للأغنياء،ليذهبوا إلى القطاع الخاص، فهو موجود وصاحب حق في أن يعيش، مع أصحاب القدرات، أما أولئك الفقراء، أولئك العاطلون عن العمل، أولئك الضعاف، لن يجدوا لهم مجالاً للصحة ولا مجالاً للتربية إلا في ميدان الدولة، ووظيفتنا أن نصحح، وأن لا نكتفي بمهاجمة هذه المؤسسات حتى نجعلها سبيلاً للكسب من أطراف أخرى.
 
في تجربتكم كأول رئيس حكومة في عهد الملك عبد الله الثاني مساحة من الفراغ في المعلومات تمثلت بأن الاختيار كان مفاجئا لكم حد عدم التصديق. هل عرفتم لاحقا كيف ولماذا ومن نصح باسمكم لتلك المهمة؟
 
لم أعرف من نصح باسمي، ولا يهمني أن أعرفه، أنا أعرف شيئاً واحداً أن الملك عبد الله الثاني هو الذي اختارني لرئاسة الحكومة، وأقدر له ذلك، وأحترم هذا التقدير، ومارست ما استطعت إليه سبيلا، وعندما وجد أن هناك وسيلة للتغيير غير حكومته، هذه هي الأمور الطبيعية، لا يهمني كثيراً أن أعرف من همس ومن يهمس، لأن الهمس دائماً يتم في الغرف المغلقة، ونحن نحب أن نعيش في الضوء والنور.
 
توليتم رئاسة مجلس ادارة شركة الفوسفات الأردنية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي. هذه الخبرة تجيز سؤالكم عن مدى صواب قرار خصخصة الفوسفات وعن أسباب عدم نهوض الشركات المعدنية الأردنية بوظيفتها المفترضة كنفط الأردن؟
 
الخصخصة فلسفة، ليس في معانيها بيع ثروات الدولة.
 
الخصخصة أن تكون خصخصة الأمور التجارية التي لا تستطيع الدولة أن تمارسها، قد تكون بتولي العمليات الإدارية، و قد تكون بمشاريع تقيمها مؤسسات تستثمرها لمدة ثم تعيدها للدولة، بالنسبة لي لم يكن مريحاً خصخصة ثروات الوطن، ولكن خصخصة الخدمات كنت أؤمن بها، إذا تم ذلك وفقاً لتقييم صحيح لكلفتها، واستفادة من تجارب الآخرين في تطويرها كما تم في أجهزة الاتصالات.
 
و نحن نتكلم الآن عن الاتصالات فانها لو بقيت بيد الحكومة لما استطعنا أن نرى هذا الإنجاز الذي أصبح في هذا البلد بأن تصبح التكنولوجيا في هذا البلد من المصادر الرئيسية لثروات الوطن وخاصة لعملاته الصعبة.
 
ما حدود علمكم عن ما يقال انه هناك نفط موجود في الأردن وان عدم اكتشافه واستثماره هو مؤامرة من الشركات الاجنبية؟
 
أولاً لست عالم بترول، أنا سياسي، كنا قد تربينا ونحن صغار على الشك، كنا نقول أن هناك بترولا موجوداً في الأردن، ومرفوضاً استخراجه لأسباب سياسية.
 
هذا كان تفكيرنا، عندما تولينا المسؤولية، كانت أول مطالبنا أن نترك الشركات الأميركية لأنها قد تكون هي المتآمرة، ولذلك توجهنا في حكومة مضر بدران الأولى، كما أذكر، إلى رومانيا، وجاءنا الخبراء الرومان وقالوا إن البترول ليس موجوداً، فشككنا أيضاً. اتصلنا بأشقائنا العراقيين لخبرتهم في البترولية، وجاءوا وقالوا أنه ليس موجوداً بالكميات التجارية التي تستحق هذا الاستثمار. هذا ما تم، هل هذا حقيقة أم ليس حقيقة؟ لا يجوز التجديف في هذه الأمور، وإنما الاعتماد على أسس علمية حقيقية صادقة تقول بأن هناك بترولا أو ليس هنالك بترول.
 
قناعاتي أنه لا يوجد بكميات تجارية، والتي يدحضها آراء خبراء صادقين حقيقيين في حوار وليس في إطلاق تصريحات.
 
لكننا قريبون من حقول البترول الممتدة على حدودنا مع السعودية.
 
نحن لسنا قريبين من مصادر البترول، أقرب بترول لنا في الشرق هو في البصرة وكركوك، وأقرب بترول قريب لنا في المنطقة الشرقية في السعودية، وأقرب بترول إلينا هو في حمص، ولا يوجد أي بترول في فلسطين.
 
الآن يتحدثون عن البحر الأبيض المتوسط، أيضاً قيل يوجد في البحر الميت، لكن البحر الميت نحن شركاء حالياً في البحر الميت مع العدو المحتل، ومع ذلك لم يكتشفوا بترولا فيه، ولذلك يشتغلون في البحر الأبيض المتوسط.
 
استراحة
 
يقول سامي قموه في مذكراته بعنوان «لم يفت الوقت» انه زامل عبد الرؤوف الروابدة في الجامعة الأميركية في بيروت، وما زال اسم الروابدة رقم «1» على لوحة الشرف في الجامعة في كلية الصيدلة، ولم يسبقه منذ تخرجنا عام 1962-1963 لغاية الآن أي طالب.
 
ويضيف قموه: حاول منافسته من الأردنيين في كلية الصيدلة غالب زريقات و د. عدنان دقوري كانا يطمحان، بكل السبل، أخذ مكان عبد الرؤوف في الأولوية بالدرجات، ولأجل ذلك تجرآ على تدبير حيلة بسرقة دفتر الملاحظات الخاص بعبد الرؤوف الذي يدون فيه أهم ما يركز عليه في المذاكرة.
 
وقتها طرق باب سكني غالب زريقات وكان يشاركنا السكن مأمون البخاري غالب وعدنان كان لديهما امتحان بعد يومين في مادة الصيدلة. قالا انهما حصلا على دفتر الملاحظات الخاص بـ عبد الرؤوف الروابدة ويريدان نقل جميع المعلومات منه لدراستها لتقديم الامتحان فهما مصممان على الحصول على معدل أعلى منه.
 
استأذنا منا لمغادرة البيت وتركهما وحدهما وناولانا بطاقتين لمشاهدة فلم سينما. خرجنا وتركناهما لنعود الساعة 12 ليلا، وكانا ما زالا يدرسان من دفتر الروابدة حتى انتهيا من قراءته كاملاً.
 
وبعد أسبوع من تقديم الامتحان جاءت النتائج: عبدالرؤوف الروابدة 95 بالمئة، غالب زريقات 86 بالمئة، وعدنان دقوري الذي شاركه بسرقة الدفتر 85 بالمئة، لم تتغير النتائج، ولم يستطيعا أن ينافسا الروابدة.
 
الأطرف من ذلك ان الروابدة عندما تبلّغ بسرقة دفتره أجاب:بهدوء: «أعلم ذلك»، وأضاف «الدفتر لا يفيد طالما جميع المعلومات المدونة فيه مطبوعة في عقلي». أبو عصام أذكى منهما.. بل ومن أذكى من قابلتهم وظل منافسا دون منازع.