عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-May-2019

سرائيل تفقد صوابها وتنقلب على التحضّر! - يغئال عيلام
 
الدولة هي، أولاً وقبل أي شيء آخر، سلطة القانون. هذا هو جوهرها. هي ليست سلطة الشعب. هي ليست حُكم الأغلبية. هي ليست حكم الجمهور. هي ليست حكم النُّخب. هي سلطة القانون. لكن الأمور اختلطت علينا وتشوشت مؤخراً. إنهم يمجّدون «مبدأ الحوكمة» ويهلّلون له، كأن مهمة الدولة الرئيسية هي الحكم. لكن بين السلطات الثلاث التي تتكون منها الدولة - السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية - يشكل القانون مهمة السلطتين الأولى والثانية، وليس الأمر صدفة أو عبثاً. 
من هنا ليس من حق أو صلاحية أي مجموعة من بني البشر، سواء أكانت نخبة مهيمنة أو أغلبية عَرَضية مؤقتة في نظام ديمقراطي، أن تسنّ قوانين كهذه. ومن أجل ترسيم حدود المسموح والممنوع في التشريع، من أجل الحفاظ على القاعدة الأساس التي يقوم عليها القانون ويتم تفسيره بموجبها، تُصاغ وثيقة تحدد وتبيّن مبادئ الأساس الملزمة للقانون وللدولة ، وهي الوثيقة التي يشكل نصها أساساً لقسم يمين الولاء. إنه الدستور. وهذه كانت مهمة «المؤتمر التأسيسي» (الكنيست الأول) الصريحة والواضحة التي تهرّب منها وتنصّل. وبدلاً من الدستور، جاءت «وثيقة الاستقلال» كوثيقة تعبّر عن مبادئ الحد الأدنى التي تلتزم بها إسرائيل كدولة متحضرة. هذه المبادئ صيغت كما يلي: «(دولة إسرائيل) تطبق المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها، بغض النظر عن الاختلاف في الدين، العرق والجنس؛ تضمن حرية الدين، حرية الضمير، اللغة، التعليم والثقافة؛ تحافظ على الأماكن المقدسة لجميع الديانات وتكون وفيّة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
لكن، ها هو «قانون أساس: إسرائيل ـ الدولة القومية للشعب اليهودي» الذي أقرّه الكنيست في تموز 2018، يشطب المبدأ المُلزم بتحقيق وضمان المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين، بغض النظر عن الانتماء الديني، العرقي أو الجنسي. وبذلك رفست إسرائيل وأزالت من تحت أقدامها القاعدة التي تقف عليها أي دولة متحضرة، لأن الدولة التي لا تعترف بأن مضمونها المدني سابق لأي مضمون آخر، كأنما تعلن نفسها دولة غير سوية. ليس متوقعاً من الحريديم والمتدينين التأثر والانفعال من هذا التعريف. العكس هو الصحيح، فقد اعتبروا الدولة، منذ البداية، كياناً غير سوي: «ليس ككل الأغيار في بيت إسرائيل». لكن، ليس في الإمكان تعلّم أصول الدولة من الوسط الحريدي ـ المتدين، وبصورة خاصة من تيار الصهيونية الدينية الذي يتغطى برداء الرسمية. هؤلاء أيضاً يمثلون إرثاً تاريخياً معادياً للرسمية ولم ينجحوا في رأب الصدع القاعدي العميق بينهم وبين الوجود الرسمي إلاّ بعد تشخيصهم دولة إسرائيل بكونها «تجلياً مسيحانياً».
إن إسرائيل في ظل «قانون القومية» الجديد ليست دولة إنما شبه دولة. والدولة التي تتنكر لجوهرها المدني لا تستحق الاعتراف بها كدولة. خلال النقاش الذي جرى في الأمم المتحدة في سنة 1947، بشأن إنشاء دولتين، يهودية وعربية، في أرض إسرائيل، طُرح تخوّف من أن تكون الدولة اليهودية المستقبلية دولة كهنوتية لا تتحمل أقليات غير يهودية بين ظهرانيها؛ لكن المتحدثين باسم الدولة اليهودية المستقبلية بذلوا جهوداً جبارة كي يثبتوا أن لا أساس لهذا التخوف وأن الدولة اليهودية ستلتزم بجميع الأحكام والمعايير المطلوبة من دولة سويّة متحضرة. وفعلاً، لولا تبنّي جميع تلك الشروط التي تضمّنها قرار الأمم المتحدة من يوم 29 تشرين الثاني 1947 بشأن إقامة الدولة اليهودية والدولة العربية في «أرض إسرائيل»، ولولا تضمينها الصريح في نص «وثيقة الاستقلال»، لكان من المؤكد أن دولة إسرائيل لن تحظى باعتراف وتأييد أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الدولتان العظميان الخصمان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
إن «حق تقرير المصير» ليس محفوظاً للشعوب أياً كانت، وإنما فقط لسكان البلاد (شعب البلاد) الذين اتفقوا على إنشاء سلطة ذاتية من أجل ضمان حقوقهم الطبيعية، إذا لم تكن هذه الحقوق محفوظة ومضمونة، بسبب انتمائهم إلى عرق، قومية، ديانة أو ثقافة «أُخرى». وضمان هذه الحقوق هو الأساس لوجود أي دولة مهما تكن. لكن ما هو حكم الدولة التي تنفصل بنفسها عن قواعد اللعبة الرسمية؟ إن هذه الدولة فقدت صوابها وخرجت عن سكّتها على صوت جعجعة احتفالية.
«هآرتس»
*مؤرخ باحث في تاريخ الصهيونية وإسرائيل