عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Nov-2022

في الدولة ورجالها* مالك العثامنة

 الغد

قبل أيام، وفي معرض حديث دسم عن تاريخ الدولة الأردنية الحديثة، نبهني صديق مرجعي في السياسة والقانون إلى شخصية عامة أردنية لا يتذكرها الأردنيون بالعموم، وهي دولة الرئيس الراحل إبراهيم هاشم، والذي كان أحد ضحايا ثورة تموز المشؤومة في بغداد عام 1958، وقد تم قتله ولم يتم التعرف على جثته ومكانها حتى اليوم.
الرئيس الذي فقدناه وفقدنا جثمانه، من مواليد نابلس، وكان قانونيا ألمعيا منذ عهد الإدارة العثمانية، فكان قاضيا وقتها للواء يافا، ثم وبعد الاستقلال السوري والحكم الفيصلي كان رئيس محكمة الاستئناف فيها.
وفي الأردن، ومنذ عهد الإمارة ثم المملكة، كان الراحل رجل دولة مؤهلا بكامل ما يلزم رجل الدولة لتولي المسؤولية، فشغل منصب الوزير عدة مرات، ثم شكل حكومته الأولى عام 1933 وتولى فيها وزيرا للعدل وقاضيا للقضاة، وبعد ثالث حكومة قام بتشكيلها عام 1955، لم يمانع رجل الدولة او يتكبر على أن يدخل وزير دولة في حكومة سمير الرفاعي عام 1956، ليشكل بعدها حكومتين وينتهي مقتولا بلا أثر في بغداد بمنصب نائب رئيس وزراء الاتحاد العربي الهاشمي “بين العراق والأردن” والذي بترته ثورة عبدالكريم قاسم الدموية.
الأهم، أن رجل الدولة الأردني إبراهيم هاشم، ترك للدولة الأردنية خلوده المعرفي والفقهي في القانون، فهو الذي أعد وألف من ضمن مصنفات حقوقية متعددة، القواعد الأساسية لأصول المحاكمات الجزائية، والتي يدرسها طلاب الحقوق في جامعات المملكة، ويعمل بأساسياتها القضاء الأردني.
تلك الومضة التاريخية بقيت عالقة في خاطري لأيام، أفكر في واقع الحال ومنتهى المآل على ما نعيشه اليوم في الدولة الأردنية التي بدأت بهذه القوة “ليس بالمرحوم إبراهيم هاشم وحده فقط” وانتهينا فيها اليوم إلى بعض مسؤولين محصنين من السؤال لكنها تسمية والسلام.
فالمسؤولون في الأردن أنواع، وأحد تلك الأنواع من تم تصنيعهم في مرحلة تم تسميتها بالتحول الديمقراطي أو العودة إلى الديمقراطية عام 1990.
هؤلاء، بغالبيتهم -ولن أعمم فمنهم استثناءات جدا قليلة لكنها مضيئة- كانوا ضحايا هذا التحول الذي حولهم إلى مسوخ جراء عدم استيعابهم الترف الذي قفزوا إليه فجأة ، إما عبر فوز انتخابي “فعلا مستحق لأن الناخبين آمنوا بهم” أو عبر تعيينات أخرجتهم من ضفاف معارضة كانوا يلامسون سقفها بأطراف أصابعهم “وأقلامهم”، فتشبثوا بأطرافهم وأسنانهم بمكتسبات الترف المستحدث عليهم والذي أشبعهم من جوع وآمنهم من خوف.
غالبية هؤلاء، وليس كلهم فالاستثناء موجود على قلته، مقتنعون حقيقة وبإيمان ذاتي راسخ أنهم “منقذون”، وأن خاصية سحر الإنقاذ لديهم ما تزال صالحة وفاعلة حتى يومنا هذا، واستبعادهم “طويلا” عن المناصب يجعلهم شرسين في الانتقاد، لكن تبقى لديهم مهارة مسك العصا من المنتصف، وقد برعوا بالخبرة “والقفز عبر المناصب” بدهاء انتقاء الهجوم، وأكثر ما يميزهم شعور الطاووس في حركاتهم وجلساتهم وحضورهم في أي محفل اجتماعي، لشعور بالتفوق يغذيه وهمهم بأهميتهم “وهم فعلا مؤمنون بذلك” ويغذيه أيضا التصفيق والتسحيج وعبارات التفخيم مثل “تزهو بكم المناصب”.
وهناك نوع أكثر رداءة، هو إنتاج ممسوخ نسخا عن النوع السابق ذكره، أنتجتهم انتخابات “الحقبة الذهبية”، وما يميزهم عن “موديل التسعينيات” أنهم بغالبيتهم تراكيب جهل مفرط في الثقافة والمعرفة اللازمة للإدارة العامة، وهم بحد ذاتهم ضربة حظ في غفلة من “الديمقراطية”، وهؤلاء كبروا على جهلهم، وكبر معهم جمهور يبحث عن خدمات وفيرة يقدر هؤلاء المسؤولون الأثرياء الجدد توفيرها بالحد الأدنى وبكثير من التفضل والتمنن.
لقد باتت الحاجة ماسة وضرورية وسريعة لإعادة تأهيل الدولة وإصلاحها، وما نراه “غالبا” اليوم هو إنتاج واقع الدولة نفسها ووقائعها.