عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jan-2021

“الترامبية”.. والحفلة الأخيرة

 الغد-يديعوت آحرونوت

 
بقلم: ناحوم برنياع – 8/1/2021
 
لم يكن للجموع التي انقضت على تلة الكابيتول حسب خطة ترامب التي دعاهم فيها “أن يستعيدوا أميركا”، ففهموا قوله ببساطته. إلى أين يذهبون؟ إلى البيت الابيض لم يكن لهم سبب يدعوهم للذهاب إليه – فما يزال هناك رجلهم. بقي الكونغرس.
بعضهم انتظر المعجزة: نار تهبط من السماء فتحرق المبنى الضخم، الذي يفرض تواجده على المدينة بأسرها، على البلاد بأسرها. وهو سيبيد بأنفه نانسي بلوسي، رئيسة مجلس النواب التي يسمونها في يافطاتهم “الشيطان”. يوم الدين جاء، وهم سيكونون هناك، ليروا المعجزة. اقتنع البعض بان الانتخابات سرقت وان من واجبهم ان يستردوا ما سرق. أناس طيبون، سذج، مشوشون. اعتقدوا أن تواجدهم في المكان سيؤثر على سلوك كبار رجالات الجمهوريين، من نائب الرئيس مايك بينيس ودونه. “هم ضعفاء”، قال ترامب في خطاب القاه على مسامعهم، وهو يقف من خلف زجاج واق للرصاص. يجب ممارسة الضغط عليهم.
بعضهم سعى لاستعراض احتقارهم تجاه أميركا الأخرى، الليبرالية، متعددة الثقافات. رفعوا أعلام الكونفدرالية، أعلام الجنوب القديم، الأبيض، العنصري. بعضهم انجرف وراء القطيع، دون التفكير إلى أين ولماذا وأين الحدود. وبعضهم بحث عن الحركة، والاتصال الجسدي، والنوافذ المحطمة. والناس المذهولين، أفلام الفيديو في الشبكة، مشاهد تثبت لكل العالم من هو الرجل، من هو الحاكم.
بعض مئات منهم وقفوا أمام الكابيتول منذ الصباح. تعانقوا مع أفراد الشرطة: الترامبيون يحبون الشرطة، ولا سيما اولئك الذين اطلقوا النار على الشبان السود. بعد خطاب ترامب، انضم اليهم عشرات الآلاف. والجموع دفعوا من الخلف، وسلسلة الشرطة تحطمت. اقتحمت الأبواب، حطمت النوافذ والعشرات، وربما المئات اقتحموا إلى الداخل، إلى الدائرة الفاخرة، المبهرة، من تحت القبة الضخمة، التي تفصل بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب، إلى المكاتب والقاعات. لم يعرف المقتحمون ماذا يفعلون بعد ذلك. ترامب أمرهم بان يأخذوا أميركا. ولم يقل لهم ماذا يفعلون بها.
أحرق البريطانيون مبنى الكابيتول في 1814. اربعة إرهابيين من بورتوريكو فتحوا النار من مدرج المتفرجين في 1954. إرهابي واحد اقتحم في 1998 وقتل شرطيين. الاقتحامات أول من أمس كانت غير مسبوقة بمعنى واحد: المقتحمون بعث بهم رئيس الدولة، القائد الأعلى. ودور الرئيس جعل الحادثة حدثا بحجوم صادمة. ليس مظاهرة فقدت السيطرة بل “انتفاضة”، “تمرد”، “محاولة انقلاب”، “انقلاب عسكري”. وليس كارهو ترامب وحدهم يتحدثون هكذا، بل كبار رجالات حزبه. لقد كان انتخاب ترامب رئيسا خطـأ تاريخيا. أحد الكتاب الصحفيين الأميركيين وصفه أمس كمحب للحرائق عُين قائدا لمحطة اضفاء الحرائق. في أربع سنوات ولايته تبين كنرجسي عديم الصلاح، كاذب منتظم، شعبوي سائب وديماغوجي. وعلى الرغم من ذلك، صوت له 75 مليون أميركي. هذا يقول شيئا ما مقلقا عن أميركا.
وجدت نواقص ترامب تعبيرا موجزا لها في الشهرين السابقين منذ خسر في الانتخابات. فقد أقنع نفسه بانه انتصر وبدأ بحملة مضادة لمؤسسات الحكم، ضد المحاكم، ضد الجمهوريين في الولايات المترددة، ضد وزراء حكومته. كلهم ارتبطوا بمؤامرة ظلامية، أكلوا له، شربوا له، سرقوا له الانتخابات. والنتيجة الفورية للحملة كانت الهزيمة التي تكبدها الجمهوريون في الانتخابات في جورجيا. هزيمة كلفتهم السيطرة على مجلس الشيوخ. والنتيجة التالية كانت المسرحية العنيفة في الكونغرس.
الدروس لإسرائيل تكاد تكون مفهومة من تلقاء ذاتها: حاكم يتآمر على مؤسسات الحكم، القوانين الأساس والجهاز القضائي، حاكم يجعل من اجندته الشخصية ايديولوجيا، حاكم يستعبد حزبه لنزواته، من شأنه أن ينتهي مثل دونالد ترامب.
عندما شاهدت الصور من داخل المبنى فكرت بمحاولة مناحم بيغن السيطرة بالقوة على الكنيست في 1952. بيغن عوقب وتعلم الدرس. فكرت بخطاب نتنياهو من على الشرفة في ميدان صهيون. من يحرض الجمهور يركب على ظهر نمر: لا يعرف الى أين يأخذه النمر.
الحدث في الكابيتول ايقظ من جديد المطالبات بانهاء ولاية ترامب بالاقصاء. نظريا هذا ممكن، من خلال الكونغرس أو الكابينت. عندما يكون تبقى أسبوعان فقط حتى اداء بايدن اليمين القانونية، مشكوك أن يكون هذا عمليا. مشكوك أن يكون يستحق العناء. من كل ناحية أخرى ترامب انتهى: البيت الابيض ينهار من حوله؛ إذا ما دعا قائد القوات المشتركة وأمره مثلا بان يهاجم إيران، سيرد عليه الجنرال نعم، سيدي الرئيس ولن يفعل شيئا. ترامب سيذهب إلى ملاعب الغولف الخالدة؛ اما الترامبية فستبقى.