عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Mar-2019

جــريمــة فــي مسجــِدَي «كرايستشيرش» - د.عامر الحافي

 

الدستور - إضافةً إلى مشهد الجريمة، التي قام بها الأسترالي برينتون تارنت في مسجدين بـ»نيوزلندا»، وقَتل فيهما بدم بارد 50 مصلِّيًا، نستحضر مشاهد لجرائم أخرى، اعتُدي فيها على المسلمين ومساجدهم في مناطق متعددة من العالم، بدايةً من جريمة ألكسندر بيسونيت، الذي قتل 6 مصلِّين في مسجد كيبك بِكندا عام 2017، وانتهاءً بجريمة حرق المسجد الاقصى، التي قام بها دينس مايكل عام 1969، وهو أسترالي الجنسية أيضًا.
لقد أكدت هذه الجريمة مرة أخرى أن الإرهاب مرض عضال، لا يقتصر على أَتْباع دين أو طائفة بعينها. وأيضًا أثبتت العلاقةَ الوثيقة بين أحداث العنف والإرهاب الممارَس تجاه المسلمين في بعض المجتمعات الغربية، وما تَبثُّه الماكينات الإعلامية الضخمة، التي تحرص على تشويه صورة الإسلام والمسلمين في عيون العالم أجمع. ولا أدَلَّ على ذلك، من التركيز الكبير على «صناعة الإسلاموفوبيا»، والسعي لـ «أسلمة الإرهاب»، الذي يقوم به بعض المنتسبين إلى الإسلام، واعتباره جزءًا ممَّا يُطلقون عليه تسمية «الإرهاب الإسلامي»؛ في حين يَغفُلون أو يتغافلون عن الجرائم اليومية، التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني، حتى إنهم إنْ ذَكَروا شيئًا من تلك الجرائم، فلا يُطلقون عليها تسمية «الإرهاب اليهودي»!
إن خطاب الكراهية والعنصرية الذي يستعمله القتلة، هو خطاب مرفوض من أساسه؛ لكونه يتنافى جوهريًّا مع القيم الإنسانية أوَّلًا، ثم لِكَون ذلك الخطاب مُسوِّغًا لقتل الأبرياء، وانتهاك حرمة أماكن العبادة.
يذكر لنا القرآن نماذج راقية وذات دلالات عميقة، من أشكال التضامن مع المظلومين. فقد تضامَن القرآن مع بني إسرائيل عندما اضطُهدوا على يد فرعون وجنوده، وتضامن كذلك مع «أصحاب الأخدود» من أتباع المسيح عليه السلام، الذين أُبيدوا في منطقة نجران في الجزيرة العربية: {قُتِلَ أصحابُ الأُخدُود، النَّار ذات الوقود، إذ هم عليها قُعُودٌ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ} [البروج: 4-7]. وفي الجهة المقابلة، لم يَسكت القرآن عن قتل رجُل مِصريّ وثَنيّ واحد، حتى وإنْ وقع خطأً، وقد كان على يد موسى عليه السلام: {فاستغاثهُ الَّذي من شيعتهِ على الَّذي من عدُوِّه فوَكَزَهُ موسى فقضى عليه قال هَذا من عمل الشَّيطانِ إنَّهُ عدوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: 15].
ولكن، مِن المؤلم أن نعترف بأن بعض المسلمين و»ذوي القربى»، كانوا هم وراء أسوأ الهجمات التي وقعت على المصلِّين في المساجد، والتي زَهَقت فيها أرواحُ المئات من الأبرياء. ونذكر على سبيل المثال: الهجوم على مسجد في صنعاء عام 2015، أثناء صلاة عيد الأضحى، الذي أدَّى إلى مقتل 25 مصلِّيًا. وفي العام نفسه، قُتل 20 شخصًا وجُرح العشرات في هجوم على مسجد في منطقة القطيف بالمملكة العربية السعودية، أثناء صلاة الجمعة. وفي ذات العام، قُتل 26 شخصًا وجرح العشرات في هجوم على مسجد الإمام الصادق في الكويت، وقام بالهجوم رجل مسلم!
في عام 2016، قُتل 15 شخصًا وجُرح 36، في تفجير مسجد الرضا أثناء صلاة الجمعة في السعودية. وفي عام 2017، قُتل 305 مصلِّين، بينهم 27 طفلًا، في هجوم على مسجد الروضة في شمال سيناء. وفي العام نفسه، قُتل 32 شخصًا وجُرح 81 أثناء صلاة الجمعة، في مسجد كوفل في مدينة مأرب اليمنيَّة. وفي عام 2018، قُتل أكثر من 24 شخصًا، في هجوم انتحاري على مسجد في نيجيريا.
من المفارقات العجيبة أن يكون الإرهاب مرفوضًا، عندما يُوَجَّه صَوب أتباع الديانة أو الطائفة التي ننتمي إليها، في حين يصبح مشروعًا، عندما يتَّجه نحو غيرنا!
إن وجوه الأبرياء يشبه بعضها بعضًا، كما يتشابه المجرمون في غلظة قلوبهم وسخافة عقولهم. فالأسوياء من البشر، يرفضون قتل الأبرياء من أيِّ دين أو عِرق أو طائفة. وهؤلاء الأسوياء، هم الذين أرادهم الله في قوله: {من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنَّمَا قتلَ النَّاس جميعًا} [المائدة: 32]. أمّا المجرمون القتلة، فهُم الذين يكرههم الله، كما يقول داود عليه السلام في مزاميره: «رجلُ الدّماءِ والغشِّ يكرهُهُ الرَّبُّ» (مزمور 5: 6).
*تعددية