أنا والبطيخ... وثالثُنا الحظ*رنا حداد
الدستور
دائمًا ما أتهوّر وأشتري البطيخ في أول موسمه. يكفيني أن ألمحه يلمع في محلات البيع، أو ممدودًا على بسطات الطريق، حتى أُسارع إلى حمله وكأنني وجدت كنزًا صيفيًا ينتظر من يكتشفه.
أعود به إلى البيت ملهوفة، أقطّعه بشغف، أرتّب الأطباق وأجهّز نفسي لوجبة منعشة، ثم، وفي الغالب، أكتشف أن الطعم باهت، والقوام لا يبشّر، والنهاية غثيان، وربما قيء مفاجئ.
كنت أؤمن بالمقولة الشعبية: «إذا حضر البطيخ... غاب الطبيخ.»
وكنت أبني عليها خطط غداءٍ صيفي خفيف، وفرحة بريئة أشاركها مع نفسي أو مع من أحب.
لكن هيهات لم يسعفنا البطيخ..ولا الحظ.
وها أنا، بعد كل هذا الأمل، أرتدي «مريول» المطبخ، وأفتح الثلاجة، وأبدأ بتحضير طبخة كاملة لأعالج خيبتي بلُقمة ساخنة.
لا تقف المسألة عند البطيخ وحده.
كم مرة اخترت خيارًا على عجل، أو اتخذت قرارًا بسبب لمعة مؤقتة، أو إحساس وحماس لحظي!
أتوهم، أنني وجدت ما كنت أبحث عنه، فأُسرع، وأدفع الثمن، ماديًا أو معنويًا، لأصحو على الحقيقة: لا شيء ناضج بعد، ولا شيء يستحق كل هذا الاندفاع.
أعتقد أنني لست وحدي.
كثيرون يتوهمون الفرح عند أول لمعة، أو بارقة أمل، خاصة حين يكونون قد دفعوا ثمنه. فيرون في البدايات ما يتمنون رؤيته، ويغضّون الطرف عن التفاصيل الصغيرة التي تقول: «انتظر قليلاً... لم يحن وقت الحكم بعد».
وهكذا، بقرارات متسرّعة، واختيارات مبنية على التوهّم، وبتوق للفرح وربما الحظ. تتأكد أن الاندفاع..ورطة.
متسرّعة أنا...
في اتخاذ القرارات،
وفي شراء البطيخ.
لكن شيئًا ما قد يتغيّر.
ولو - على مهل – فالنَضج يحتاج فرصته، قد نتعلم أن نختبر الطعم، قبل الفرح بالقشرة، وأن لا نضع كل الرهانات في أوّل انطباع.
البطيخ علّمني درسًا بسيطًا.
ليس كل ما يلمع أحمر من الداخل،
ولا كل اختيار سريع يستحق.
وأن الطبخ، أحيانًا، أريح، من ألف بطيخة!.