عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2019

لماذا اختلفَ إخوةُ الحراك في الجزائر؟ - خولة شنوف
 
الجزيرة- تعلّمنا أنّ الاختلافَ لا يُفسد للودّ قضية، ولكنّ علّمتنا الثورات أنّ الاختلاف في قضايا الوطن المصيريّة يُبعد عنها هذا الودّ ولو مؤقتا، وأنّ سطوةَ الحرف الذي يخرجُ من فم صاحبه، قد يخدشُ شِغافَ القلب، وأنّ ثمّة مرارةً في الصدر، يُسببها منْ ظنّ أنّ التجريح وسيلته للتعبير عن رأيه. بدأ الحراك عظيمًا ولا يزال، وتطورت الأحداثُ في الجزائر إلى أنْ وصلنا لمرحلةٍ اختلفنا فيها مع بعضِنا البعض، وهنا أقصدُ شبابَ الحراك المؤمنين به منذ البداية، ولا أقصدُ أصحابَ "الشّيتة"، ولا بعضًا مِن جماعة المؤثرين الذين التحقوا بالحراك من باب الاستعراض والتقاطِ الصور، ثمّ عادوا وانصرفوا لحياةٍ مِلؤُها الزّيفُ والخداع.
 
بدأ الاختلاف منذُ إعلان الانتخابات، وهنا انقسم شبابُ الحراك بين مؤيّدٍ ومُعارضٍ لها وتعالتْ الأصوات وتحوّل من يُؤيد الانتخابات إلى ترديدِ شعاراتٍ كان يردّدها مَن هم ضد الحراك منذ البداية بل غدا البعض منهم بوقًا يدعو إلى تقديسِ قائد الأركان الملّقب بالمنجل واعتباره بطلا انحازَ لصفّ الشّعب واعتزلَ ما كان أسلافُه عليه، وهذا يصعُب تصديقُه حتّى لمن لم يبلُغ سنَّ الرشد بعد.
 
أؤمنُ بأنّ لكلّ منّا وجهة نظر، وبأنّنا لسنا مُطالبين بأن نكونَ نُسَخًا عن غيرنا، أؤمنُ أنّ هذا الوطن يحتاجُ إلى الاختلافِ حاجتَه للتّوافُق، ولكنْ ليس اختلافًا يثيرُ الضّغائن أو الأحقاد
ما يدعو للألم هنا أنّ مَن أيّد الانتخابات يعتقدون أنّ في رفضِنا لها محاولةً لتعطيل البلاد وأنّنا سُذّج إلى الدرجة التي نظنُّ فيها أنّ التغيير يأتي دفعةً واحدة وأنّ بإمكاننا قلبَ كل النظام بين ليلةٍ وضحاها وأنّ علينا التكاتُف من أجل إنجاحِ تلك العملية الانتخابية، وأنْ نختار مصلحة الوطن، على حدّ قولهم، بدلا من المُعاندة وتكبير الرأس، ولكن ما يخفى على إخوتنا في الحراك أنّ الانتخابات التي نرفضُها لم تأتِ في جوٍّ يُسمَح لها بأن تكون نزيهةً بالمُطلق، وأنّ نجاحَها مُرتهنٌ بإثبات النظام لحُسن نيّته، والتي عجز للآن عن إثباتها وعن إيجاد صيغة توافقية يتعامل بها مع شعبه الذي يخرج كلّ جمعة رافضًا لوجود بقايا أزلامِه في الحكم.
 
لم تكن الانتخاباتُ كممارسةٍ وفعلٍ ديمقراطيّ حر هي ما اختلفَ عليه أبناء الحراك، فالجميع يؤمنُ بأن دفّة البلادِ تحتاجُ إلى قبطان، وأنّ رعيّة الجزائر تحتاجُ إلى راعٍ، بل كان التوقيت الذي ستُقام فيه بنفس الوجوه القديمة التي اعتاد عليها المواطن الجزائري، الذي خرج رافضًا لكلّ تلك الوجوه، ثمّ يجد فجأةً بأنّ من يتحكم بالمناصب العليا للجزائر، مِن عهد بوتفليقة، لا يزالون في أماكنهم وكأنّ النظام يلعبُ معنا لعبة "الغُمَيّضة"، فيُخرِج بوتفليقة من الباب العريض ليُدخِلَه من النافذة الضيّقة، بوجوهٍ اعتدنا على رؤيتها حتى ملَلْنا ذلك، وكأنّ الانتخابات تصبُّ في مصلحة العصابة لا ضدّها، وهذا ما يرفضُه شباب الحراك الذي يربط نجاحَ ثورتهِ بتحقيق كلّ مطالبه بما فيها الإفراج عن كلّ المعتقلين والتوقف عن مخاطبة الشّعب باستعلاءٍ وفوقيّة، مرةً بوصفهِم بالشّرذمة ومرةً أخرى باتّهامهم بتعطيلِ الحياة في البلاد.
 
لعلّ موضوع الانتخابات كان القطرةَ التي أفاضتْ كأس الخلاف بين إخوة الحراك، وأظهرت هذا الشّرخ وعرّته، فلَم تسْلَم النقاشات بينهم من عداوةٍ ولم تخلُ من تجريح وبدلا من أن تُوجّه الأقلام لنقاش قضايا البلد وتوضيحِها تحولّت إلى سكاكين ينخُر كلّ طرف بها جسد الآخر، وأصبح مؤيّد الانتخابات من أبناء الحراك، يتسابقُ مع الشّيّات في استخدام أقوى العبارات التي من شأنها توسيعُ فجوة الخلاف لا تضييقها، ولم يكتفِ بذلك بل أصبحت كلماتُه مُغلّفة بالتمجيد لقائد الأركان، وهو الذي خرجَ يوما ضد تقديس بوتفليقة، فتحوّل لتقديسِ المنجل، وهو الذي خرج أيضا ضد الظلم والاعتقالات فأصبحَ يؤيدها تحت حُجج مكررة كالخيانة والتآمر عندما مسّت مَن يختلفُ معهم ومن هُم ضد القايد صالح.
 
وكأنّهُ لم تكن تنقصُنا سوى تلك الخلافات لتُضاف هي الأخرى لقائمةِ مصائب هذا البلد الكثيرة، وكأنّ هذا البلد لا يكفيهِ من الأهوال وسوء الحال ما يكفيه حتى يتحوّل أبناؤه إلى أعداء، بدلا من أن يُلملِمُوا خراب هذا البلد، اختاروا التراشُق المغلّف بالسّخرية وسيلةً تُلهيهم عن الهدفِ الذي خرجوا واجتمعوا من أجلهِ يومًا. أؤمنُ بأنّ لكلّ منّا وجهة نظر، وبأنّنا لسنا مُطالبين بأن نكونَ نُسَخًا عن غيرنا، أؤمنُ أنّ هذا الوطن يحتاجُ إلى الاختلافِ حاجتَه للتّوافُق، ولكنْ ليس اختلافًا يثيرُ الضّغائن أو الأحقاد، بل اختلافا نرتقي به لنصلَ بالجزائر إلى حيثُ تستحق، فالواحدُ منّا أصبحَ يدخل مواقع التواصل وهو يحملُ صنّارةً يصطادُ بها كثيرًا من الصّبر من أجل أن يحافِظ على مشاعر ترفضُ أن تُسَاوَم، وعلى جروحٍ زرعها الوطن فينا وترفُض أن تُنبَش، وعلى أيامٍ أضعنا فيها أنفسُنا فوجدناها تهتفُ كلّ جمعة من أجلِ الجزائر.