عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Feb-2019

حنين في مصر إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية

 

وكالة الأنباء الفرنسية AFP - يقف أحمد عادل مرتدياً سترة وربطة عنق تقليدية، ويؤدي أغنية قديمة بحنين كبير إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية، حين كانت القاهرة قلبها النابض، فيما يسيطر على قطاع الإنتاج اليوم غناء تجاري رائج تتخلله محاولات "بديلة" لتلمّس طريق جديد للغناء المعاصر.
 
الملحن السعودي ناصر الصالح: تكريمي بـ"الإسكندرية للأغنية" مدعاة للفخر
وبعد تمهيد موسيقي على آلة العود، يشرع أحمد عادل بموال قديم منتزعاً تصفيق الجمهور وصيحات "الله"، في قاعة معهد الموسيقى العربية وسط القاهرة.
 
ويقول "عادل"، وهو مغن في الفرقة القومية للموسيقى العربية: "للأسف الشديد يمكن أن تنجح أغنية حديثة نجاحاً كبيراً بعض الوقت، يومين أو 3 أيام أو أسبوع أو حتى سنة، ثم تختفي، ولا نسمع عنها أي شيء بعد ذلك".
 
ويضيف: "لكن محمد عبد الوهاب لا يزال حياً حتى اليوم، وأم كلثوم لا تزال حية".
 
صورة لأم كلثوم على جدار قلعة بعلبك في لبنان في عشرين تموز/يوليو 2018
 
ظلّت صناعة الموسيقى المصرية في أوجها حتى سبعينيات القرن الماضي، وكانت القاهرة مركز الجذب لكافة المواهب الغنائية والموسيقية والسينمائية أيضاً، من كلّ أنحاء العالم العربي.
 
لكن الأمور أخذت بالتغيّر بعد ذلك في مصر كما في العالم العربي، وانتهى بذلك ما يسميه باحثون في الموسيقى "عصر النهضة الثاني"، الذي بدأ مع سيّد درويش مطلع القرن الـ20، وبدأ عصر طغيان الأغنية التجارية والسريعة، ما عدا بعض الاستثناءات القليلة هنا وهناك.
 
وبعدما كانت القاهرة مركزاً لشركات الإنتاج منذ مطالع القرن الـ20، ظهرت على الساحة بقوّة شركات الإنتاج الخليجية، ولا سيما "روتانا" المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، لكن الأغنية المصرية أو المؤداة باللهجة المصرية ما زالت المهيمنة في إنتاج كل الشركات العربية.
 
إلا أن هذه الإنتاجات في معظمها وليدة إنتاج سريع يعكس تشابهاً بين الكثير منها من حيث الكلمات والإيقاعات والمقامات المستخدمة، وهو ما يثير حفيظة من يحنّون إلى "الماضي الجميل"، حين كانت كلّ أغنية عملاً فنياً متقناً بكلامه ولحنه وأدائه. 
 
وفي الشوارع المصرية كما في المقاهي والأسواق والمنازل، ما زال صوت أسمهان يصدح في الأرجاء مجاوراً نجاة الصغيرة و"كوكب الشرق"، إلى جانب الأغاني الجديدة الرائجة، بين أصوات المآذن وصياح المعلّقين الرياضيين.
 
وفي بعض المسارح ودور العرض، ما زالت فرق موسيقية تجتهد لإبقاء الموسيقى الكلاسيكية حيّة في الأسماع.
 
يعتلي أحمد عادل المسرح بانتظام لإحياء تراث مطربيه المفضلين مصحوباً بفرقة من أوبرا القاهرة، تتنازعه "مشاعر مختلطة من الخوف والسعادة والمسؤولية"، بحسب قوله.
 
وتقول جيهان مرسي، رئيسة إدارة الموسيقى الشرقية في دار الأوبرا المصرية: "هذه الأمسيات أصبحت ناجحة للغاية، ويقبل عليها الناس بشكل كبير جداً". 
 
وتضيف بفخر: "شيء جميل جداً أن ننجح في الحفاظ على الهوية العربية".
 
ولكي يأتي الجمهور "لتنظيف آذانه" من ضوضاء العاصمة، لا تكتفي جيهان مرسي بالنظر إلى الماضي، لكنها تستضيف أيضاً فنانين معاصرين مثل أنغام وصابر الرباعي ووائل جسار.
 
وتقول جيهان مرسي إن هذه الأصوات لها جمهور من الشباب "يأتون للاستماع إليها، ويحضرون كذلك الأجزاء المخصصة للأغاني القديمة التي يحبونها".
 
وتسعى صناعة الموسيقى كذلك الى إحياء التراث من خلال اجتذاب الشباب إليه، وتعوّل شركة "صوت القاهرة" العريقة على نشر الأغاني القديمة على الإنترنت، على الرغم من مشكلات مالية كبيرة ومعارك قانونية حول حقوق الملكية الفكرية لأغاني أم كلثوم.
 
وتستثمر شركات عدة مثل "صوت القاهرة" التي قدمت أغاني أم كلثوم، في التكنولوجيا، مستخدمة ما تمتلكه من حقوق للأغاني القديمة وخصوصاً من خلال عقود مع "يوتيوب" ومع شركات لشبكات الهاتف المحمول.
 
وتقول دعاء محمود، رئيسة خدمات الإنترنت في شركة "صوت القاهرة": "برامج المسابقات مثل أراب آيدول أو ذا فويس تقدّم متسابقين يغنّون أغاني قديمة، وبعدها يبدأ الناس في البحث على الإنترنت عن هذه الأغاني ويتساءلون من الذي غنّى في الأصل هذه الأغنية القديمة الرائعة؟ نريد أن نستمع إليها".
 
وتضيف أن الشركة تتحوّل إلى التكنولوجيا الرقمية للوصول إلى "أكبر شريحة في المجتمع وهي الشباب، وأكثر شيء يستخدمه الشباب هو فيسبوك ثم يوتيوب وبعد ذلك تطبيقات الموبايل".
 
وتخوض هذه المقاطع القديمة المصوّرة بالأبيض والأسود منافسة محمومة مع المقاطع الجديدة المنتشرة بكثرة على الإنترنت.
 
وبين الغناء القديم الذي يحاول أنصاره الحفاظ عليه، والموسيقى الرائجة التجارية السريعة، يظهر على الساحة تيار ثالث في مصر والعالم العربي، بات يعرف بالتيار البديل، وهو يقدّم لونا تمتزج فيه عناصر الموسيقى العربية والروك والإلكترونيك، إضافة إلى ما صار يعرف باسم "الإلكترو شعبي" أو "أغاني المهرجانات" حيث يختلط النغم المستقى من الفلكلور مع الهيب هوب.
 
في استوديو خاص في فيلا صغيرة بمنطقة المعادي في القاهرة، يقوم الأعضاء الـ4 لفرقة الروك "مسار إجباري" بأداء أغنية عربية كلاسيكية، بعدما أعادوا توزيعها على طريقتهم. 
 
وعلى أنغام جيتار باص وآلة إيقاع إلكترونية وأورج، أخذ المغني ذو الصوت الخشن يشدو أغنية "أنا هويت" لسيد درويش، مؤسس النهضة الموسيقية العربية في القرن الـ20.
 
ورغم استلهام الموسيقى العربية القديمة، فإن أعضاء فرقة "مسار إجباري" الذين يحظون بشعبية كبيرة بين الشباب يرفضون الانسياق وراء الماضي، ويشيدون بوسائل الإنتاج الحديثة.
 
ويقول عازف الباص أحمد حافظ: "في الماضي، كان لا بدّ من أن تكون الشركات الضخمة موجودة، لأن كلفة التسجيل كانت كبيرة. أما الآن، فأصبح بإمكاننا أن نسجل في البيت بتكلفة قليلة".
 
وتحاول الفرق "البديلة" أن تتخذ لنفسها مساراً مختلفاً من حيث المواضيع المتناولة.
 
ويقول هاني الدقاق، وهو عازف جيتار ومغنِّ أساسي في الفرقة "نحاول دائماً في كلماتنا أن نتكلم عن مشاكل اجتماعية، وأشياء لم يتكلم فيها أحد من قبل، أو بأسلوب لم يتكلّم به أحد من قبل".