عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2022

مادبا.. مدينة الكنائس والفسيفساء*د. محمد رسول الطراونة

 الراي 

بدعوة صادقة كصدق صاحبها معزبنا معالي الدكتور منذر حدادين رئيس مجلس عشيرة الحدادين كانت زيارتنا الى مادبا، المدينة التي سحرتني بجمالها وأرغمتني طيبة أهلها أن أنحرف عن مساري من الكتابة الاسبوعية في الشأن الصحي لاتغزل بها مع سبق الاصرار وبدون خجل او حياء مني فمادبا تستحق الغزل. فبعد غياب غير قصري دام ربع قرن كانت زيارتي لها قبل ايام برفقة اخوة أعزاء من جماعة عمان لحوارات المستقبل و للوهلة الاولى شعرت أنني في شوارع ميلانو أو روما حيث نفس الزقاق ونفس القهاوي واشياء اخرى كثيرة متشابهة ولكن ناسها مختلفون عن كل نا? مدن العالم التي زرت في حياتي، فهم طيبو «الملقى والملفى» يلاقونك بابتسامات عريضة تعلو محياهم، تخجل من طريقة ترحابهم واستقبالهم لك، تشعر بانك لست بضيف على مادبا بل «معزب رباح» فزيارتنا كممثلين عن جماعة عمان لحوارات المستقبل جاءت للتعبير عن فخرنا واعتزازنا بمادبا كعاصمة للسياحة العربية فهي مدينة التراث الثقافي والديني وموطن الفسيفساء والحرف اليدوية.
 
عند مدخل مادبا وفي مركز الزوار يستقبلك مدير سياحتها وائل الجعنيني وصحبة الكرام، كتلة نشاط ويحمل حزمة افكار تطويرية تدل على عشقه لمادبا، عند المدخل تبدأ حكايات تاريخ عريق يدون حضارات عديدة مرت من مادبا، حضارات تركت الكثير من الدلالات والقصص التاريخية، عبر أزمنة مختلفة، فالمدينة تتزين بالفسيفساء الجميلة، التي تروي زمناً سابقاً، وتجارب كانت ولا تزال جزءاً من تاريخ حاضرنا، في مادبا تتعانق المساجد والكنائس القديمة لتجسد نموذجاً للتآخي والسلام عز نظيره،تتمازج أزمنة التاريخ، ولكن يبقى الإرث ماثل امام الجميع لنتمع? به ولندرك أن المدن تنسج وجودها وأهميتها من تسلسل الأحداث عليها واستمرارها في البقاء، واقفة تروي تفاصيل تمثل تاريخاً للبشرية، مادبا مدينة شكلت موطناً للقبائل ومهداً للعراقة والحضارة، ورمزاً للبداوة والحداثة، مادبا مدينة الفسيفساء البيزنطية والأموية.
 
تستحق مادبا لقب عاصمة السياحة العربية لما لها من طابع تراثي وتاريخي مميز، حيث تحتوي أهم الوثائق من العصور القديمة مثل «كنيسة الخارطة» التي تضم مصادر معلومات تاريخية نادرة جدا لا تقدر بثمن حول مكان تعميد سيدنا المسيح عليه السلام، مادبا مدينة الكنائس البيزنطية بلا منازع فيها كنيسة القديس جورجيوس،ومما يجدر القول بانه لا يوجد منطقة جغرافية في العالم تضم هذا العدد من الكنائس والخرائط الفسيفسائية التي تفسر وتوضح لنا حقبات تاريخية قديمة، بالإضافة الى ذلك يوجد على اطراف المدينة موقع المغطس، مكان تعميد السيد المسيح?عليه السلام وجبل نيبو الذي يختص برحلة سيدنا موسى عليه السلام، موقع ذو قداسة تاريخية يمتازبانه يكشف مناطق واسعة تصل إلى اراضي فلسطين و جبل الشيخ، كما تظهر في الأيام ذات الاجواء الصافية قبة الصخرة، أما قلعة مكاور في مادبا والتي تشتهر باهميتها التاريخية حيث سجن واستشهد سيدنا يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان) على يد الحاكم الروماني هيرودوس وغيرها من المواقع التاريخية والسياحية العريقة والمهمة.
 
إن هذا اللقب لمدينة مادبا فرصة لجذب المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات وفرصة لاستثمار الموارد الطبيعية والثقافية والدينية الفريدة للمدينة وزيادة فرص العمل والتقليل من البطالة من خلال تشغيل أبناء المجتمع المحلي.
 
مادبا المدينة التي لم يتغير اسمها عبر التاريخ إلا بشكل طفيف في اللفظ، ما يعطي دلالة واضحة ومهمة على تاريخ المدينة، مدينة غارقة في القدم، وتتميز بمرور حضارات مختلفة عليها، فالمدينة كانت جزءاً من الدولة المؤابية وكانت إحدى محطات طريق الملوك، الذي يربط مصر ببلاد الشام كما مر بها الخليفة عمر بن الخطاب في طريقه لفتح القدس، وفي التاريخ الحديث انتعشت المدينة (كما قيل لنا) منذ استقرار العشائر المسيحية فيها في عام 1880، وهي عشائر قدمت من الكرك، يعتز أهلها بأنهم يحملون إرث المؤابيين، وانهم حافظوا على هذا الإرث، وهم ?زء من التكوين العربي والبدوي فلم يتردد أهل مادبا المسلمون في تشييد مسجد أسموه مسجد عيسى ابن مريم، ليعانق هذا السلوك الحضاري خريطة مادبا، التي صورت ضفتي النهر المقدس صورة جغرافية، تجسدت في وحدة طوبوغرافية زينتها سيرة التآخي بين سكانها، وبالرغم من التغير الذي طرأ على شكلها الديموغرافي واتساع رقعتها إلا أن مادبا حافظت على هويتها الخاصة بها.
 
خلاصة القول، مادبا كعاصمة للسياحة العربية تحتاج وقفة من الجميع، وقفة حكومة ومواطنين واعلاميين لابراز معالم المدينة وجذب الزوار للمنطقة لانعاش ما يمكن انعاشه من السياحة التي هزتها كورونا اللعينة.