عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Sep-2018

نصف قرن على«جماعة السينما الجديدة

 الحياة-هاشم النحاس

بعد أسابيع، يحتفل مهرجان الإسكندرية الدولي للسينما في دورته الجديدة (3 - 10 تشرين الأول/أكتوبر 2018) باليوبيل الذهبي - أي مرور خمسين عاماً - على إنشاء «جماعة السينما الجديدة». كان ذلك في 1968، العام الذي انتفض فيه شباب السينما في مصر، وكان هذا في رأيي بتأثير عاملين، أحدهما تخلّف حال السينما المصرية، والثاني ما تركته هزيمة 67 من مرارة في النفوس، ما جعلهم ينظرون الى الماضي في غضب يؤصِّل لديهم الشعور بالرغبة في التغيير.
 
 
وفي هذا السياق، جاءت حركة شباب السينما الذين بدأوا في تكوين «جماعة السينما الجديدة»، تحرِّكهم الرغبة في التخلص من أسباب التخلف الكامنة في السينما القديمة، والعمل على خلق سينما جديدة.
 
لقد ظلّت السينما المصرية في منأى عن المثقفين، بخاصة أصحاب المؤهلات الأكاديمية، ذلك على رغم تحريض طه حسين المثقفين والكتَّاب المصريين، على الاهتمام بالسينما كوسيلة لانتشار الأفكار، أفضل من أي وسيلة تقليدية أخرى، كالمسرح والأدب والشعر (أنظر كتاب «ألوان» عام 1952)، لكن المثقفين نظروا الى السينما نظرة استعلاء واستخفاف، وحتى الآن ما زال منهم من ينظر هذه النظرة. وثمة من ابتعدوا عن التعامل مع السينما، سواء كعاملين فيها، أو مشاهدين لأفلامها، أو منظّرين لها.
 
ولعل ذلك ما أدى إلى بقاء السينما المصرية على مستوى العمل الحِرفي البعيد من الابتكار، إلا في ما ندر. فقد برز في فن التصوير السينمائي مثلاً عبدالحليم نصر، عبدالعزيز فهمي، ووحيد فريد. لكن، لا نجد من برَز على المستوى نفسه في السيناريو أو الإخراج أو المونتاج. ذلك أيضاً مما يكشف لنا عن السبب في عدم ظهور منظّرين للسينما في مصر، بينما هبّ العديد من العلماء والمفكرين في أوروبا لوضع النظريات الخاصة بالسينما. في محاولة للكشف عن جوهر هذا الفن الجديد.
 
الموجة الأولى
 
ولعل أول موجة من الشباب المثقفين ظهرت في السينما المصرية، جاءت مع دخول القطاع العام الى السينما في العام 1963، من خلال الشباب الحاصلين على شهادات جامعية الذين التحقوا بالعمل في السينما، إضافة إلى مجموعة أخرى من الشباب خريجي المعهد العالي للسينما الذين كان وجودهم في ساحة العمل السينمائي ابتداءً من عام 1963، حيث تخرجت أول دفعة في المعهد العالي الذي أنشئ عام 1959.
 
ومع قدوم صيف 1968، كان قد تخرّج في المعهد خمس دفعات كاملة، وأصبحت لدينا مجموعة لا بأس بها من دارسي السينما، دراسة أكاديمية منظمة. لكنهم كانوا مُحاصرين من جانب أصحاب السينما التقليدية الذين لم يرحبوا بهم، وإن تسلّل بعضهم للعمل كمساعدين في بعض الأفلام. وأدركوا أنه يجب تضامنهم معاً في حركة جماعية يفرضون بها وجودهم في ساحة السينما المصرية، ويُعبرون عن رغبتهم في التغيير الذي فرضه الإحساس بمرارة النكسة، فكانت «جماعة السينما الجديدة». تولى رئاسة الجماعة محمد راضي، أحد خريجي الدفعة الأولى من المعهد العالي للسينما. وكان من بين أهم أعضاء هذه الجماعة عبقري السينما المصرية المخرج رأفت الميهي، الذي لم يأخذ حقه من البحث والدراسة حتى الآن، وعلي عبدالخالق صاحب فيلم «أغنية على الممر» أول أفلام جماعة السينما الجديدة، ومنهم سعيد شيمي ويوسف شريف رزق الله وسامي السلاموني وعليّ أبو شادي...
 
وكان أول ما فكرت فيه الجماعة إصدار بيان يحدد فيه أعضاؤها وجهة نظرهم في السينما المصرية (انظر: «السينما والتاريخ»، المجلد الثاني، مطبوعات مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، 2018). دار البيان حول محورين:
 
أولهما، نقد السينما التقليدية. حيث جاء في البيان: «السينما عندنا مجرد صنعة وحِرفة تديرها مجموعة من الأسطوات، ونتيجة لسيطرة المفهوم الحِرفي أصبح الفيلم المصري حبيساً داخل البلاتوه ويقدم واقعاً مُصطنعاً مزيفاً... كما اتخذت السينما عندنا في الإنتاج «نظام النجوم»، حيث يتم إنتاج موضوعات «تُرسم وتفصّل» على مقاس النجم، وتكون النتيجة: وجود سيناريوات لا قيمة فنيّة لها، فهي لا تقوم على تحليل واقعنا الإنساني وإنما تُكتب فقط لخلق جو ساحر يُحيط بالنجم... السينما عندنا عملية تحويل النجم إلى بضاعة تجارية استهلاكية مثل الأحذية الموضوعة في الفيترينات... السينما عندنا مجرد ديكورات فسيحة غير واقعية غارقة في الأضواء المُبهرجة التي لا وجود لها إلا في خيالات أبطال ألف ليلة وليلة».
 
أما المحور الثاني من البيان، فيقدم رؤية أعضاء الجماعة للسينما الجديدة التي ينشدونها. وجاء في البيان: « نحن نريد سينما مصرية تتعمق في فهم حركة المجتمع المصري وتحلل نمط العلاقات وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذه العلاقات... ولكي تكون سينما مُعاصرة فلا بد من أن تمتص خبرات السينما الجديدة على مستوى العالم كله... السينمائي المصري عليه أن يظلّ مُعاصراً، وعليه أن يحتضن كل ما يطرأ على مجتمعه من علاقات ويُعطيها الصيغة الدرامية المُلائمة، ويبحث في كل ما لديه من أدوات تعبير عن لغة سينمائية جديدة تعبر عن الأوضاع الجديدة... المدارس السينمائية المعاصرة تتجه إلى خارج البلاتو - إلى الشارع - حيث تصور أحداث أفلامها».
 
مبالغات صحّية!
 
من الواضح أن ما تضمنه البيان من نقد للسينما التقليدية، كان فيه قدر من المبالغة وحدَّة الشباب، لأنه أصدر حكماً مطلقاً بتخلف هذه السينما، وكأنهم يطالبون بسينما جديدة لا جذور لها، بينما كان قد ظهر من الأفلام في تلك الفترة ما يستحق الاحترام على يد مخرجين مثل صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، هنري بركات، توفيق صالح، ويوسف شاهين، فضلاً عن أفلام متفرقة لمخرجين آخرين مثل «العزيمة» لكمال سليم، و»السوق السوداء» لكامل التلمساني، و»غزل البنات» لأنور وجدي.
 
وقد كان لهذا البيان صدى واسع، كما يبدو أنه أصبح في مثابة «المانيفستو» بين السينمائيين الشُبان سواء في مصر أو في العالم العربي كله. وكان لهذه الجماعة جناحان حلّقت بهما في سماء السينما المصرية، أحدهما يتمثل في «مجلة الغاضبين» التي صدرت إبان عام 1968، واستمرت لشهور عدة يطرحون فيها آرائهم وتصوراتهم كافة عن السينما المصرية الجديدة، والجناح الثاني تمثل في إنتاج فيلمين روائيين طويلين هما «أغنية على الممر» من إخراج علي عبدالخالق 1972، و»ظلال في الجانب الآخر» من إخراج غالب شعث 1974.
 
وإذا كانت «المجلة» في مثابة العرض النظري لأفكار الجماعة، فقد جاء الفيلمان في مثابة التطبيق العملي.