عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Dec-2025

الغباء يبتسم في وجهنا*رمزي الغزوي

 الدستور

من قال إن الغباء نقص في العقل؟ لعلّه فائض في الطمأنينة. تلك الراحة الغامضة التي تغمر من لا يسأل، ولا يشك، ولا يتعب نفسه في النظر وراء الأجوبة السهلة. الغباء ليس عيبا طارئا على البشر، بل هو رفيقهم القديم، يسير معهم منذ أول تفاحة أكلوها، وأول مرة صدقوا أن المعرفة تمنحهم الخلاص.
 
منذ فلاسفة اليونان إلى فوضى العصر الرقمي، يتبدل وجه الغباء لكنه لا يرحل. كان عند القدماء فشلا روحيا، ثم صار في زمن التنوير عجزا إدراكيا، أما اليوم فقد تمدد حتى غدا نمط حياة. هو لم يعد في الأفراد فقط، بل في الخطاب العام.
 
الغباء المعاصر أنيق المظهر، يتحدث لغات عدة، ويتقن فنون الإقناع متنوعة. يطل من شاشات السياسة والاقتصاد، ويزهو في ساحات التواصل الاجتماعي كطاووس رقمي. غباء يصفق له الناس بحماسة، لأنهم لا يرونه غباء، بل رأيا شجاعا أو وعيا مختلفا. فما أخطر الغباء وقت يتنكر بهيئة ذكاء.
 
يقول الكاتب ستيوارت جيفرز إن الغباء يتطور كما تتطور الفيروسات. كلما واجهناه بحصانة جديدة، اخترع لنفسه سلالة أشد دهاء. إنه لا يموت، بل يتحوّر ليلائم البيئة التي نصنعها بأيدينا. فحتى الذكاء الاصطناعي الذي ابتكرناه ليكون أداة عقلنا، صار مرآة لغَبائنا الجمعي، ينسخ انحيازنا، ويكرر أخطاءنا، ويعلمنا أن نثق بما لا نفهم.
 
وهذا يفرض علينا في لحظة تأمل أن نسأل، هل بلغنا ذروة الغباء حين جعلنا التكنولوجيا تفكر عنا ونحن نصفق لنتائجها كأنها وحي من السماء؟ أم حين صدقنا أن وفرة المعلومات تعني عمق الفهم؟
 
كارثتنا قد لا تكون في الغباء نفسه، بل لربما في اطمئناننا إليه، في قدرتنا على تبريره وجعله جزءا من يومنا. نحن نحسب أن الذكاء يخلصنا وإذ به يتقمصنا قناعا جديدا لغرور قديم. ما عاد الغباء سذاجة، بل براعة في تجاهل الحقيقة، وأناقة في الدفاع عن الوهم.
 
العالم يزداد معرفة، لكنه لا يزداد فهماً، يضيء مصابيحه أكثر كل يوم، ومع ذلك يتعثر في الظلام نفسه ويسقط في الفخاخ ذاتها. وربما سيأتي زمن يدرك فيه الإنسان أن أخطر ما فعله بعقله أنه صدق أنه عقل.