عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jun-2025

الموروث والتراث بالسرد الأردني.. قراءة في "سفر برلك ودروب القفر"

 الغد-عزيزة علي

 يسلط كتاب "توظيف الموروث في رواية (سفر برلك ودروب القفر) لسليمان القوابعة"، للباحثة شهناز عيسى محمد مقابلة، الضوء على الكيفية التي جرى بها استحضار الموروث الثقافي والاجتماعي والديني في الرواية الأردنية المعاصرة، من خلال دراسة تحليلية تطبيقية لرواية "سفر برلك ودروب القفر" للروائي الأردني سليمان القوابعة.
 
 
يتناول الكاتب الصادر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، مفهوم الموروث بوصفه مكونا أساسيا من مكونات الهوية، وتسعى إلى تتبع حضوره في العمل الروائي، لا بوصفه عنصرا زمنيا ماضويا فقط، بل بوصفه أداة فنية ودلالية في بناء النص.
 
 وتكمن أهمية هذا الكتاب في كشفه عن الأساليب السردية والفنية التي استعان بها القوابعة لتطويع الموروث داخل البنية الروائية، بما يخدم الرؤية الفنية والموضوعية للرواية.
واعتمدت الباحثة منهج نقد السرديات الذي يجمع بين التحليل الفني والدراسة الموضوعية، متناولة الجوانب النظرية والتطبيقية عبر فصلين رئيسيين، تناولا المضمون التراثي من جهة، والأسلوب الفني لتوظيفه من جهة أخرى. كما توضح الدراسة الأبعاد الرمزية والتاريخية والاجتماعية التي شكلها التراث في الرواية، وتسعى إلى إبراز دور الرواية الأردنية في حفظ الموروث، وإعادة إنتاجه سرديا، بما يتوافق مع قضايا المجتمع وتاريخه.
ويأتي هذا الكتاب في سياق الاهتمام المتزايد بالأدب الأردني، والرغبة في تقديم قراءة نقدية جادة لأعمال روائية تركت أثرا واضحا في تشكيل الوعي الجمعي، وفي توثيق مراحل تاريخية مفصلية، كفترة الحكم العثماني وسياسة "السفر برلك" التي شكلت جزءا من المعاناة الجماعية في الوجدان العربي.
في مقدمتها للكتاب، تبين المؤلفة أن من ينظر في تاريخ آداب الأمم إنما يتأمل في عقول أبنائها، وما أبدعته قرائحهم من أدب وعلم وثقافة. وتعد الرواية أحد الأجناس الأدبية الأكثر تأثيرا، لما تحمله في طياتها من عناصر التشويق والإثارة، ولما تحتويه من خيال خصب. فهي من أكثر الأجناس الأدبية انتشارا، وهي الناطقة باسم الشعوب وقضاياهم.
وتعد الرواية الأردنية جزءا لا يتجزأ من هذا الجنس الأدبي، فعلى الرغم من تأخر ظهورها مقارنة بالدول المجاورة كفلسطين وسورية، فقد استطاعت أن تترك بصمتها على الساحة الأدبية. وقد تناولت الرواية الأردنية العديد من القضايا المحلية والإقليمية، وكان التراث الأردني أحد الموضوعات التي تناولتها هذه الروايات.
ومن هذا المنطلق، جاءت رغبة الباحثة في دراسة توظيف الموروث في رواية "سفر برلك ودروب القفر"، للأديب سليمان القوابعة، محاولة الوقوف على حضور التراث في الرواية الأردنية المعاصرة، من خلال التعرف إلى المادة التراثية التي وظفها الكاتب، وقدرته على توظيفها، والاهتمام بالطرائق الفنية والأسلوبية التي استعان بها في إدخال الموروث ضمن البناء الروائي، إلى جانب بيان الدلالات التي اكتسبتها الرواية نتيجة هذا التوظيف.
وتحدثت مقابلة عن أهمية هذه الدراسة، قائلة إنها تكمن في إبراز دور الموروث في الرواية الحديثة، وقدرة الكاتب على توظيفه في بناء العمل الروائي، على توظيف الموروث وصولا لبناء روايته، إضافة إلى الاهتمام بالأدب الأردني الذي كتب عن تاريخ الأردن وموروثه الثقافي.
وسعت الدراسة إلى تحقيق أهداف عدة، أبرزها، "التعرف إلى الموروث ووظيفته في العمل الأدبي. دراسة رواية (سفر برلك ودروب القفر)، وإبراز الموروث الأردني المرتبط بأواخر العصر العثماني. إظهار أهمية الرواية الأردنية واهتمامها بالموروث المتصل بتاريخ المنطقة. إبراز صورة المجتمعات البدوية والريفية وثقافتها في إطار الجغرافيا العثمانية الواسعة التي انتمت إليها الرواية. تحليل الطرائق الفنية والأساليب المرتبطة بتوظيف الموروث وتطويعه ضمن الشكل الروائي الحديث. بيان قدرة الكاتب على توظيف الموروث بما ينسجم مع رؤيته الفنية ويخدم تشكيل النص الأدبي". أما عن المنهج الذي اتبعته في هذه الدراسة، فتشير المؤلفة إلى أنها اعتمدت منهج نقد السرديات، كونه الأنسب لمثل هذا النوع من الدراسات، من خلال إبراز دور الموروث في الرواية الحديثة، وكيفية الإفادة منه في بناء العمل الروائي، وكذلك للكشف عن رؤية الكاتب وعالمه النفسي وما يدور في ذهنه من أفكار. وقد ارتكزت الدراسة على جانبين، وصفي في الجانب النظري، وتحليلي في الجانب التطبيقي.
تقول مقابلة إن هذه الدراسة جاءت في تمهيد، ومقدمة، وفصلين، وخاتمة، مرفقة بقائمة المصادر والمراجع، وقد جاءت على النحو الآتي:  
المقدمة: تحدثت عن الأجناس الأدبية عموما، والرواية بشكل خاص، كما عرضت موضوع الدراسة وأهميتها وأهدافها، واستعرضت الدراسات السابقة ذات الصلة. 
التمهيد: خصص للحديث عن الأديب سليمان القوابعة، وسيرته وحياته العلمية، إضافة إلى تناول مفهوم الموروث والرواية وتعريفها لغة واصطلاحا، لدى القدماء والمحدثين.
الفصل الأول، تناول المضمون التراثي في رواية "سفر برلك ودروب القفر"، حيث جرى تصنيف هذه المضامين وتحليلها بحسب ورودها في بيئة الرواية. أما الفصل الثاني، فيتحدث عن دراسة فنية لتوظيف الموروث، من خلال تحليل الشخصيات، والأسلوب، واللغة، والحوار.
وفي خاتمة الكتاب، تؤكد المؤلفة أنها اعتمدت منهج نقد السرديات في تحليل رواية "سفر برلك ودروب القفر" للروائي الأردني سليمان القوابعة، من خلال تطبيق أدوات هذا النوع من النقد، بهدف إبراز توظيف الموروث، والتعرف إلى المادة التراثية التي استخدمها الكاتب في روايته. فالموروث الثقافي، والديني، والفكري، والأدبي، والفني، يعد مضمونا مشتركا بين الشعوب العربية، وهو تركة فكرية وروحية، تصوغ هوية الأمة وتخلد تراثها.
وتشير الباحثة إلى أن هذه الدراسة قدمت صورة واضحة للمجتمعات البدوية والريفية وثقافتها في الجغرافيا العثمانية الواسعة التي تدور فيها أحداث الرواية، وأنها توصلت من خلال تحليلها إلى نتائج يمكن أن تكون مدخلا مهما للاحتفاء بالموروث وتوثيقه، ليكون مرجعا ثقافيا نستمد منه بطولات الأجداد وإرثهم الحضاري.
ومن بين النتائج المهمة التي توصلت إليها الدراسة، أن الكاتب جعل الراوي في الرواية شابا، ليبرز أن سياسة السفر برلك كانت تستهدف فئة الشباب، وهو ما أدى إلى إضعاف الدولة العربية نتيجة فقدانها الفئة العمرية الأقدر على النهوض بها. إن عودة الراوي إلى التاريخ وربطه بالواقع الحالي، تؤكد أن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو ذاكرة وعبرة. إن ما عاشه المواطن العربي من ظلم وتهميش في الجغرافيا العثمانية، كان نتيجة لسطوة الدول الكبرى واستبدادها.
إن الصحراء الأردنية كانت حاضرة بقوة في الرواية، من خلال عمقها التاريخي، ونسيجها الاجتماعي المتماسك، ومجتمعها المتحاب المنفتح على فلسطين والشام والحجاز، عبر علاقات النسب والدم. إن الرواية كشفت عن حجم التضحية والفداء التي قدمها الأجداد في سبيل نيل الحرية، رغم شح الإمكانيات. والكشف عن أنواع الموروث في الجغرافيا العثمانية: المادي، والمعنوي، والديني، والتاريخي، وكلها تكون لوحة فنية ثمينة. إبراز الأثر الفني للغة والحوار والأسلوب والوصف في توظيف الموروث ورسم ملامح التراث في الرواية.
وتخلص مقابلة إلى أن رواية "سفر برلك ودروب القفر"، ما تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث العلمية، كونها لم تحظَ بالعناية الكافية من النقاد والباحثين، مقارنة بروايات أخرى لسليمان القوابعة.