ضعف الاستفادة من مؤشرات التقويم المدرسي.. أين الخلل؟
الغد-آلاء مظهر
فيما أظهر تقرير تحليل أداء المدارس في الزيارات التقويمية للعام الدراسي 2024/ 2025 أن 88 % من المدارس التي تمت زيارتها، حققت مستويي أداء ضعيف ومتدن في مؤشر استخدام نتائج تقويم الطلبة الفردية والتراكمية للمدرسة لدعم تعلم الطلبة، وتطوير الخطط المدرسية، أكد خبراء تربويون أن ازدياد التدني يبرز الحاجة إلى تدخل شامل ومنهجي من قبل جميع مستويات النظام التعليمي، للوقوف على أسباب هذا التراجع ومعالجته بصورة مستدامة.
وبين الخبراء في أحاديث منفصلة لـ"الغد" أن هذا المؤشر يعد من أهم المؤشرات التي تقيس جودة الأنظمة التعليمية وفاعليتها في ربط التقييم بعمليات التخطيط والتعليم والتطوير.
أهمية التقويم
وفي هذا الصدد، رأى الخبير التربوي د.محمد أبو غزلة، أن تقارير المساءلة في التعليم تعد أدوات أساسية ومحورية لتعزيز جودة التعليم وتطوير النظام التعليمي، لا سيما وأنها معنية بقياس أثر السياسات التعليمية على تحسين أداء الطلبة والمعلمين والقيادات التعليمية والأجهزة التعليمية المعنية بالإشراف والمتابعة، وتقديم الدعم لها وخاصة في ظل التطورات التكنولوجية واتساع خريطة المهارات.
وبين أبو غزلة أن نتائج هذه التقارير تمكن صناع القرار في الوزارة ومديريات التربية من تقييم الأداء بدقة، واكتشاف نقاط القوة والفجوات في النظام التعليمي المدرسي والنظام بشكل عام، وذلك لوضع سياسات وإستراتيجيات تستجيب للمجالات الفعلية.
كما تعزز هذه التقارير، بحسبه، الشفافية والمساءلة على جميع المستويات، حيث تتيح تتبع التقدم التعليمي ومساءلة المدارس عن نتائج التعلم والتحصيل، وتتيح للإدارات المدرسية متابعة الأداء وتحليل النتائج، والمساهمة في اتخاذ قرارات تعليمية قائمة على الأدلة تحفزهم على تحسين إدارة الممارسات التعليمية في مدارسهم، وتطوير خطط علاجية للفجوات في تعلم الطلبة، وخاصة في ضوء إعداد الوزارة للإطار الوطني للتقييم.
وتابع أن المحلل لنتيجة مؤشر"استخدام نتائج تقييم الطلبة الفردية والتراكمية للمدرسة بفعالية في دعم تعلم الطلبة وخطة المدرسة التطويرية"، يجد أن النتائج في تقرير 2023-2024 كانت تشير إلى أن (77 %) من المدارس المزورة حققت مستويي أداء ضعيف ومتدنٍ، أي بواقع (385)، مدرسة حيث لا تقوم هذه المدارس بإجراء مقارنات بين نتائج الطلبة مع الاختبارات الوطنية والدولية، أو مقارنات لنتائج الطلبة الحالية مع الأعوام السابقة، ولا تحلل نتائج اختبارات طلبتها للاستفادة منها في التخطيط والتدريس للتقدم بمستويات أداء الطلبة.
واستدرك: "إلا أن تقرير 2024-2025 يشير إلى ارتفاع تدني هذا المؤشر نفسه، إذ ظهر أن 88 % من المدارس المزورة حققت مستويي أداء ضعيف ومتدن في هذا المؤشر وبواقع (335) مدرسة، وتعد هذه النسبة مرتفعة جدا إذا قورنت بعدد المدارس المزورة في العامين المذكورين.
وأشار إلى أنه في ضوء ازدياد هذا التدني في نتائج المؤشر، تبرز الحاجة إلى تدخل شامل ومنهجي من قبل جميع مستويات النظام التعليمي، بدءا من وزارة التربية والتعليم، مرورا بمديريات التربية، والمشرفين التربويين، وصولًا إلى إدارات المدارس، للوقوف على أسباب هذا التراجع ومعالجته بصورة مستدامة.
وبين أن تحسين نتائج المؤشر يتطلب من الجهات التعليمية المختلفة تحمل مسؤولياتها، بدءا من مسؤولية مركز الوزارة الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن وضع سياسة وطنية واضحة تلزم جميع المدارس بتوظيف نتائج التقييمات الوطنية والدولية في عمليات التخطيط والتدريس والتقويم، إضافة إلى توفير نظام متابعة فعال لرصد مدى التوظيف الفعلي لنتائج البيانات التي تقدمها هذه التقارير، إضافة إلى رصد ممارسات المدارس وإصدار تقارير دورية تعكس الأداء وتوجه التدخلات المناسبة لعمليات المعالجة والتطوير والتحسين.
بناء قدرات المدرسين
كما يتعين على وزارة التربية والتعليم، بحسب أبو غزلة، مسؤولية تصميم البرامج التدريبية لبناء قدرات المعلمين والإدارات المدرسية والمشرفين التربويين للاستفادة من نتائج تحليل هذه البيانات وتضمينها في الخطط الدراسية والتطويرية، بالإضافة إلى توفير أدوات رقمية تسهل جمع البيانات وتحليلها وربطها بخطط الدعم التعليمي، وربط هذه الجهود بعملية تقييم الأداء المهني لمديري التربية والتعليم.
وأشار إلى أن مديريات التربية والتعليم تقع على عاتقها مسؤولية المتابعة الميدانية والفنية للمدارس، وأن تقوم بتحليل نتائج الأداء في مدارسها بصفة دورية، ومقارنتها بالسنوات السابقة؛ لتحديد أنماط التراجع وتوجيه الدعم المناسب واللازم للمدارس من خلال فرق فنية إشرافية مع المتابعة المستمرة لهم بما يضمن تنفيذ خطط التحسين المستندة إلى تحليل بيانات الطلبة، إلى جانب توفير برامج تدريب محلية تعالج الاحتياجات الفعلية للميدان، واستخدام نتائج تقييم الطلبة كأساس للتخطيط المدرسي الفعال، وتصميم خطط علاجية تستجيب للفجوات التعليمية الفعلية، وربط هذه الجهود بعملية تقييم الأداء المهني لمديري المدارس.
وتابع: "كما يبرز دور المشرفين التربويين في قيادة التحول نحو ثقافة التخطيط للتدريس القائم على البيانات، من خلال توجيه المعلمين والإدارات المدرسية نحو توظيف الإطار الوطني للتقييم الذي وضعته الوزارة."
وأضاف: "كما يتعين عليهم استخدام نتائج التقييم لتحسين ممارسات التعليم والتعلم، إضافة إلى قيامهم بتنفيذ برامج لتدريب المعلمين على تحليل نتائج الامتحانات والاختبارات بنماذجها وأشكالها المختلفة، وتصميم خطط علاجية تتناسب مع احتياجات الطلبة، إلى جانب تقديم الدعم المباشر للإدارة المدرسية في بناء خطة تطوير مدرسي ترتكز على البيانات الفعلية والتحليل المنهجي للأداء الأكاديمي، مع أهمية ربط هذه الجهود بالمشاركة في تقييم مديري المدارس."
وقال إن المؤشر يعد ركيزة أساسية في تحسين جودة التعليم، حيث تستخدم نتائجه كأداة لتصميم خطط تعلم شخصية تراعي الفروق الفردية بين الطلبة، بالإضافة إلى عمل مراجعات دورية للمناهج وإستراتيجيات التدريس، ما يجعل هذا المؤشر عنصرا حاسما في تحقيق العدالة التعليمية وجودة المخرجات التعليمية.
ورأى أن استمرار تدني هذا المؤشر للسنة الثانية على التوالي لا يعد خللا فرديا أو ظرفيا، بل هو نتيجة مباشرة لقصور مؤسسي على مختلف المستويات يتطلب إعادة بناء منظومة تقييم فعالة ومتكاملة، تتشارك فيها جميع الجهات المعنية بأدوار واضحة ومترابطة، وتعمل على اتخاذ إجراءات عاجلة وإستراتيجية، إلى جانب توظيف الإطار الوطني للتقييم بهدف تحسين ثقافة التقييم وتحويلها من مجرد إجراء شكلي إلى أداة فعالة لتحسين جودة التعليم وتعزيز نواتج التعلم على مستوى النظام بأكمله.
وأوضح أبو غزلة أن هذا المؤشر يعد من أهم المؤشرات التي تقيس جودة الأنظمة التعليمية وفاعليتها في ربط التقييم بعمليات التخطيط والتعليم والتطوير، لافتا إلى أن التقييم لا ينبغي أن يختزل في كونه أداة لقياس مستوى التحصيل الاكاديمي للطلبة، بل يجب أن يكون مدخلا إستراتيجيا لفهم الفجوات التعليمية ورصد الاتجاهات العامة للأداء لتعزيز العدالة التعليمية بين الطلبة، والتي تعد أحد مدخلات عملية صنع القرار التربوي، وتحديد أولويات الاستثمار التعليمي الذي يعزز من جودة التعليم ومخرجاته.
مسؤولية المدارس
بدوره، أكد مدير إدارة الامتحانات والاختبارات في وزارة التربية والتعليم سابقا علي حماد، إن تحليل أداء المدارس في الزيارات التقييمية للعام الماضي، أظهر تدنيا في مستوى أداء الطلبة، وخاصة في مؤشر نتائج تقويم الطلبة الفردية والتراكمية، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على نتيجة حقيقية تحتاج من زملائنا في الوزارة للوقوف عندها ووضع خطة محكمة لتجاوز هذا التدني.
وأكد حماد ضرورة أن تضطلع المدارس بدورها قبل أن تتفاقم الأمور وتصبح معالجتها صعبة للغاية، لافتا إلى أن الوزارة عدلت أسس النجاح والإكمال والرسوب لهذا العام؛ إذ ستقوم بإجراء اختبارات تشخيصية للمدارس في بداية العام الدراسي لمعرفة مشكلات التدني في التقييم، والعمل على وضع الخطط العلاجية بالشراكة مع مشرفي المواد ومتابعة كل من المعلم ومدير المدرسة المعنيين بالأمر.
وبين أن هذا الإجراء يجب أن يطبق فعليا، ويتحمل مسؤولية تطبيقه كل من المعلم ومدير المدرسة، وفي المقابل لا بد للمعلم والمدير أيضا الاهتمام بالطلبة المتميزين للمحافظة على تميزهم وتفوقهم وتحفيزهم ومتابعة أدائهم في المراحل المقبلة.
وأوضح أن الامر يتطلب كذلك إجراء مقارنات بين نتائج الطلبة في الاختبارات الوطنية والدولية أيضا، وتحليل نتائج هذه الاختبارات ومتابعة الطلبة لمعرفة مدى التقدم في أدائهم، وبالتالي فإن هذا الإجراء سينعكس إيجابا على جودة التعليم.
أهمية التغذية الراجعة
من جهته، رأى الخبير التربوي عايش النوايسة، أن التقويم يعد أحد المكونات المهمة في المنظومة التربوية، إذ يؤثر ويتأثر ببقية المكونات الأخرى، وهو أيضاً أحد المداخل الأساسية لتطوير التعليم.
وبين النوايسة أن التقويم عملية منهجية تتطلب جمع بيانات موضوعية من مصادر مختلفة باستخدام أدوات متنوعة، بهدف التوصل إلى تقديرات كمية وأدلة وصفية يمكن الاعتماد عليها عند إصدار قرارات تربوية سليمة.
ولأهمية ذلك، بحسبه، عززت الوزارة من عمليات المتابعة والتقييم لتوظيف نتائج الدراسات التشخيصية في تحسين تعلم وتعليم الطلبة؛ لإيمانها التام بأن التقويم المستمر المرتبط بالتغذية الراجعة من أفضل الممارسات لتطوير وتحسين تعلم الطلبة.
وأوضح أن الدراسات التشخيصية تعد ذات أهمية تربوية كبيرة، كونها من الموجهات الأساسية لمتخذي القرار في عمليات التعلم والتعليم، سواء كانت عمليات تتعلق بالأعمال التنفيذية على مستوى الغرفة الصفية الخاصة بالمعلمين أو تلك المتعلقة بإستراتيجيات التدريس والمناهج الدراسية.
وأشار إلى أن تقرير تحليل أداء المدارس في الزيارات التقويمية للعام الدراسي 2024/ 2025 هو مؤشر مهم كونه يوضح نتائج تقويم الطلبة الفردية والتراكمية بفعالية، كما أنه يعد مؤشرا رئيسا لقياس جودة تعلم وتعليم الطلبة، كونه يوفر تغذية راجعة دقيقة للمعلم والإدارة حول مستوى الطالب ونقاط القوة والضعف لديه.
وتابع: "كما يساعد في التخطيط التعليمي على مستوى المدرسة والمعلم، من خلال بناء خطط تدريسية تستند إلى بيانات حقيقية وليس إلى الانطباعات، ويضمن عدالة التعليم، حيث تتم متابعة كل طالب بشكل فردي وعدم ترك فجوات معرفية أو مهارية دون علاج، ويعزز ثقافة المساءلة والتطوير داخل المدرسة عند ربط نتائج الطلبة بخططها التطويرية."
وبين النوايسة أن هذا المؤشر يرفع من جودة المخرجات التعليمية؛ لأنه يسمح بالتدخل المبكر لمعالجة الضعف، ما ينعكس على تحصيل الطلبة في الاختبارات الوطنية والدولية، وعندما يُستخدم المؤشر بفاعلية، تتحول المدرسة من التدريس التقليدي العام إلى التعليم الموجه بالبيانات، ما يسهم في إصدار قرارات معززة بالبيانات، ما يحسن من جودة البرامج التعليمية، وهذا ينعكس على مستوى التحصيل الأكاديمي ويقلل من فجوات التعلم بين الطلبة.
وأكد أن البيانات الناتجة عن هذا المؤشر توجه صانع القرار إلى البحث عن الفجوات في الأداء التعليمي للمعلمين داخل الصفوف الدراسية، ما يمهد لتبني برامج تعالج هذا الخلل وتسهم في تحسين الأداء بما ينعكس على جودة التعليم.
380 زيارة تقويمية
وكانت وحدة جودة التعليم والمساءلة نفذت 380 زيارة تقويمية، للوقوف على جودة الأداء في ضوء مؤشرات المدرسة الفاعلة العشرين، وضمن مجالات أربعة (التعلم والتعليم، بيئة الطالب، المدرسة والمجتمع، القيادة والإدارة) خلال العام الدراسي (2025/2024)، للفترة الزمنية من 3 أيلول (سبتمبر) 2024 – 9 نيسان (أبريل) 2025.
وبينت نتائج تحليل الزيارات والمنشورة على موقع الوزارة الإلكتروني مؤخرا، قوةً في مستوى أداء تلك المدارس بمؤشرات "تمثيل طاقم المدرسة أنموذج قدوة للطلبة"، وتركيز المدرسـة على بناء قيم واتجاهات إيجابية لدى الطلبة، وتبني منهجية اتصال مؤسسي، وتوظيف إستراتيجيات متنوعة لتعديل وضبط سلوك الطلبة، وتوفير فرص للقيادة التشاركية للعاملين في المدرسة.
فيما أظهرت نتائج التحليل وجود قضايا جوهرية، أثرت سلبا على أداء المدارس التي تمت زيارتها، من بينها أن 88 % من المدارس حققت مستويي أداء ضعيف ومتدن في مؤشر استخدام نتائج تقويم الطلبة الفردية والتراكمية للمدرسة بفعالية في دعم تعلم الطلبة، وخطة المدرسة التطويرية بواقع 335 مدرسة، حيث لا تقوم هذه المدارس بتوظيف نتائج الاختبارات التشخيصية في دعم تعلم الطلبة أو إجراء مقارنات بين نتائج الطلبة مع الاختبارات الوطنية والدولية أو مقارنات نتائج الطلبة الحالية مع الأعوام السابقة، ولا تحلل نتائج اختبارات طلبتها الشهرية والسنوية للاستفادة منها في التخطيط والتدريس للتقدم بمستويات أدائهم.