«أسهُم» سلام فيّاض تصعَد.. هل «تبنّتْ» واشنطن «السلام الاقتصادي»؟*محمد خروب
الراي
تسريبات مُبرمَجة تبثها وسائل إعلام أميركية وخصوصا إسرائيلية, تتحدث عن رسالة «تحذيرية» وجّهها الرئيس الأميركي بايدن لرئيس السلطة الفلسطينية, ترفض فيها واشنطن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة على غرار حكومة محمد اشتية الحالية, بل تدعو لحكومة تكنوقراط بأجندة إصلاح «سياسي». كذلك تُطالب عباس «تطبيق» جميع الاتفاقيات المُوقّعة مع إسرائيل.. وأيضاً عدم «التلاعُب» معه (عدم تلاعب عباس مع بايدن).
مَطالب ومُصطلحات لافتة في توقيت كهذا, تعكس حالاً غير مسبوقة من التوتّر المُتدحرج في علاقات السلطة بالإدارة الأميركية التي راهن عليها عباس كثيراً وطويلاً, خاصة بعدما «رفضَ» بايدن طلب عباس مقابلته في نيويورك/أو واشنطن.
وإذ باتت خيارات السلطة محدودة وضيّقة, تحديداً منذ انتهاء حرب الـ"11» يوماً/أيّار الماضيّ، وما رتّبته معركة «سيف القدس» من تداعيات, خاصّة بتأجيج الصراع بين فتح/وحماس، وتزايد ثقة الأخيرة بنفسها شعوراً بـ"فائض» قوّة, راحت على إثرها ترفع من سقف «شروطها». ما دفع رئيس السلطة إلى إبداء استعداده تشكيل حكومة وحدة وطنية، تلتزم «شروط» الرباعية الدولية, ما أوصل الأمور إلى طريق مسدود، أطلق بعدها ثُنائي الانقسام تصريحات استفزازية, مُعيداً تكرار أسطوانة التخوين والارتهان للخارج، وغيرها مما يعجّ بها قاموس الانقسام الذي كرّسه الفصيلان المُتحكّمان بالمشروع الوطني الفلسطينيّ.
في إطار مشهد مُحتقن كهذا، حيث لم تستثمر فتح/كما حماس حالَ «الوحدة» الفلسطينية الشعبية على أراضي فلسطين التاريخية، بعد إعلان واشنطن أن حلّ الدولتين بعيد جداً عن التطبيق، ما أوجَدَ مناخات من الإحباط على رهط المراهنين على وعود بايدن الانتخابية، خصوصاً مع تشكيل الائتلاف الحكومي الصهيوني الذي يضمّ عتاة اليمين الفاشيّ/العنصري برئاسة بينيت، جاءت التسريبات الإسرائيلية/القناة 12 عن رسالة تحذيرية أرسلها بايدن لعباس لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر, التي كانت عليه طوال عهد نتنياهو التي تواصل 12 عاماً/ منذ 2009.
ما لفت الانتباه في رسالة بايدن التحذيرية لعباس (إن صحَّ أنّها انطوت على الشروط والمطالب التي أوردتها القناة الصهيونية), هو إيلاء ساكن البيت الأبيض أولوية لبدء إصلاحات «سياسية» في بنية السلطة الفلسطينية، تشمل تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة برئاسة سلام فياض، لا تكون على غرار حكومة محمد اشتية التي تُهيمن عليها فتح، وأن يكون تكنوقراط/حكومة سلام فياض العتيدة، بمشارَكة «كلّ» الفصائل بما فيها حماس.
ليس هذا فحسب، بل يُلحَظ صرف نظر أميركي عن إلزام حماس شروط الرباعية الدولية، وهو أمر مرتبط بالجهود المصرية لتكريس تهدئة «طويلة» في قطاع غزّة، تزامناً مع وصول وفد «قيادي» من حماس القاهرة, للبحث في جدول أعمال مكثف يقف على رأسه ملف التهدئة، والبدء بعملية الإعمار, والبحث في ملف تبادل الأسرى, الذي تروج اشاعات متناقضة عن تقدّم في تنفيذه، لا يلبث أن تبدده تصريحات تل أبيب المُتشدده، أو «توضيحات» حماس.ٍ
لا مبالغة في القول إنّ مرحلة جديدة توشك سلطة رام الله عبورها, حال تكليف سلام فياض تشكيل حكومة «جامعة»، بعيداً عن هيمنة فتح كمرجعية وحيدة كما حال حكومة اشتية الراهنة، لأن مجرّد عودة فيّاض إلى صدارة المشهد يشي بأنّ ملف المفاوضات أو ما يُوصف إحياء عملية السلام، قد تمّ وضعه على الرّف لأمدٍ طويل، خاصّة بعد إعلان أقطاب حكومة بينيت/لابيد أن ملفاً كهذا غير موجود على جدول أعمالها، بل إنّ وزير الخارجية/رئيس الحكومة البديل.. لابيد أعلن بغطرسة: أنّه لا يرى سبباً لعقدِ لقاءٍ كهذا. كما قالت الشيء ذاته وزيرة الداخلية الفاشية/إيليت شاكيد رافضة الاجتماع بـ«مُنكِر المَحرقة، الذي يرفع شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ ضباط وجنود جيش الدفاع, ويقوم (تقصد عباس) بدفع المال لعائلات القتلة والإرهابيين»/ أُسر الشهداء والأسرى تقصِد. وهي حال رئيس الحكومة/العنصريّ بينيت.
هل «يستجيب» عباس لبايدن.. خاصّة ما حملته «رسالته» من تحذيرات ومَطالب؟
من المبكر التكهن بخطوة كهذه إذا ما اقترنت بعودة سلام فياض, حيث تغيّب «الكيمياء» بين الرجلين، ناهيك عن «تعارُض» تحذيرات بايدن ومطالبه مع الـ"مُهلة", التي «مَنحها» عبّاس لإسرائيل كي تنسحب إلى خطوط/ 4 حزيران 67، تحت طائلة سحب الاعتراف بإسرائيل وإعادة الأمور إلى قرار التقسيم 1947. وهذا ما ركّزت عليه تحذيرات بايدن, بمطالبَة عبّاس «وضع حدٍ للتهديدات بإلغاء الإعتراف بإسرائيل».
في السّطر الأخير.. تبدو سلطة رام الله مُرتبكة ومُتلعثمة, بعد تبديدها ما تبقّى من أوراقها في معارك جانبية، وباتت أسيرة «ثقافة» الانقسام الذي يكاد يُطيح المشروع الوطني الفلسطيني وربّما يُودي به.