عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jan-2019

”الخرافات“ قصص متداولة یؤمن بها الناس رغم تطور العلم والمعرفة

 من رش الملح لـ "دق الخشب" وإغلاق المقص و"دلق" القھوة وتعلیق حذوة الفرس

 
دیمة محبوبة
عمان-الغد-  یتحضر أحمد نوفل للذھاب إلى مقابلة عمل، یصحو نشیطا، یستحم، یحلق ذقنھ، یلبس بدلة اشتراھا لھ أخوه الأكبر، یرش العطر، وینطلق من الباب، یسمع صوت غراب ینعق، فیتشاءم.
والدتھ بدورھا، بدأت برش الملح على زوایا البیت منعا للحسد، وتحرق البخور سعیا للحظ الجید، أحمد یشرب القھوة، فینسكب جزء منھا على ملابسھ، یستشیط غضبا، لكنھ یتذكر أن ”كب القھوة“ خیر، فیبتسم.
ھذه الیومیات ھي جزء من ”الخرافات“، التي تعد من المعلومات المتناقلة بین الناس وتتوارثھا الأجیال، ومنھا ما أصبح معتقدا یؤمن بھ الجمیع تحت مسمى ”الخرافات المصدقة“.
بعض ھذه الخرافات ما یزال جزءا من الحیاة الیومیة للكثیرین حتى في عصر تطور التكنولوجیا وثورة المعلومات، على الرغم من أن بعض الناس یتداولونھا وھم یعلمون أنھا خرافات، على اعتبار أنھا والأمثال الشعبیة لم تأت صدفة.
العشرینیة ھیفاء، كثیرا ما تمسك الخشب لتحقیق الأماني أو لإزالة الحسد، على الرغم من معرفتھا بأنھا خرافة؛ إذ كانت تشاھد والدتھا وجاراتھا یقمن بذلك، وھي تلجأ إلیھا لتشعر براحة نفسیة. ویقال إن ھذه الخرافة تعود أصولھا للوثنیین؛ إذ استحدثوا مسك الخشب لمنع الحسد أو لتحقیق أمانیھم في المستقبل.
ھیفاء تبین أن الأمر لا یقف عند ھذا الحد؛ إذ تعلق والدتھا أشكالا متعددة من ”حذوة الفرس“ فوق الأبواب بالمنزل لأنھا قرأت أكثر من مرة أنھا تطرد الأرواح الشریرة وتجلب الحظ الوافر، كما كانت جدتھا تقوم بالأمر ذاتھ.
أما مرام وھي ثلاثینیة، فكانت تعشق سماع الخرافات القدیمة وتطبقھا في حیاتھا كعدم سكب المیاه لیلا أو النظر طویلا إلى المرأة حتى لا یسبب الجنون لھا، أما أكثر ما كانت تعتقد بھ فھي رؤیة العریس لعروسھ في لیلة العرس التي تجلب حظا عاثرا وتفقد العرس بھجتھ.
ھذه الخرافة، ھي اعتقاد عام عند الغرب، على اعتبار أن ذلك یؤدي لمصیبة للعریس وعائلتھ، ویقال إنھا تعود للعصور القدیمة عندما كان الأھل یمنعون الزوج من رؤیة الزوجة قبل العرس.
وفي ھذا السیاق، یؤكد خبیر التراث نایف النوایسة، أن ھذه الخرافات المتداولة وغیرھا الكثیر، جاءت من أزمان بعیدة جدا حتى أنھا تعود إلى الیونان والعصور القدیمة؛ إذ كان الناس یربطون الأحداث ببعضھا وباتت خرافة تصدق لیومنا ھذا من كثرة صدف تكرارھا من مرض وفرح وسفر وموت.
ویذھب إلى أنھ في الدول العربیة تم الاحتفاظ بھذه الخرافات، وأحیانا أخذت من قصص دینیة، لكن حیدت تماما عن القصة الحقیقیة وجعلت منھا خرافة.
وأضاف، أن الخرافات باتت موروثات یقوم بھا الناس حتى وإن تبینوا بأنھا مجرد خرافة، وذلك من باب العادة.
ومن ذلك ما تقوم بھ السبعینیة أم علي؛ إذ تتفقد معازیم المناسبات، وتمنع تشابك الأصابع، وتوبخ
من یقوم بھا على أن ذلك یعبر عن رغبتھم بعدم إتمام الفرح.
ھذه الإشارة یمكن اعتبارھا عالمیة، ومعناھا یختلف من منطقة لأخرى، فھناك من یعتقد بأنھا لتمني حصول شيء، وآخرون یقومون بھا لدرء النحس.
وعلى الرغم من أن تلوث الثیاب أمر غیر محبب عند الجمیع، إلا أن سحر تذكر أنھا كانت یوما تسیر إلى مدرستھا وسط صدیقاتھا وكانت خائفة جدا من امتحان الریاضیات وتشكو ھمھا لھن، والمفاجأة قبل انتھاء كلامھا وشكواھا سقطت فضلات أحد العصافیر على مریول مدرستھا ففرحت وأخبرت صدیقاتھا بأنھا تفاءلت بالخیر، ففضلات الطیر تعني الفرح والبشرى والخیر والرزق.
ومن الخرافات الأخرى التي تقوم بھا ھي ووالدتھا سكب الملح في أروقة البیت وزایاه لبعد الحسد وقتل الشر ووضعھ في عین الحاسد، فتقول ”والدتي عاشت في رومانیا ولدیھا الكثیر من الموروثات التي جاءت بھا من ھناك ومنھا رش الملح وحتى لو كانت خرافة إلا أنھا مریحة وتجعل الشخص یعمل ما علیھ“.
ویحرص سیف عبد الرحمن على أن یضع مجموعة من السلاحف في الحدیقة التي تحیط بیتھ
لاعتقاده أنھا تجلب الرزق والمال الكثیر، في حین یمتنع عن وضع أحواض السمك رغم منظرھا الجمیل، لأنھ علم من جدتھ أنھا تقطع الرزق وتجلب الشر لزوایا المكان.
وتصرح أم سعید حینما ترى أحد أبنائھا نسي المقص مفتوحا، وتشعر بالرعب أن مشكلة كبیرة
ستدخل منزلھم؛ إذ تبین أن نسیان المقص مفتوحا سیجلب بالتأكید الشر لأنھ تصادف حدوث ذلك معھم كثیرا، لذا ھي لا تعتقد أنھا من باب الخرافات.
وبدوره، یؤكد اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جریبیع، أن بعض الخرافات ما ھي إلا خطر على الناس ویجب الابتعاد عنھا، فھي عبارة عن جھل حقیقي وأھمھا الخرافات الصحیة كتملیح الطفل أو تكحیل عینیھ أو وضع البصل لھ أو تنقیط حلیب الأم في عین الطفل لتزداد بیاضا أو أنفھ لتمنعھ من المرض.
ویشیر إلى أنھا خرافات تعود بالدول إلى الجھل وتؤدي إلى المرض وقلة الصحة، في حین أن
ھناك خرافات تأتي من باب الفكاھة، مثل ربط الحذاء بالقرب من البیت أو قرص الفتاة لصدیقتھا المتزوجة حتى تلحقھا، وھي لیست أكثر من عادة تقوم بھا الفتیات أحیانا، لكن یتوجب معرفة الناس بالخرافة والحقیقة، وذلك عن طریق اكتساب المعرفة واستخدام العلم في ذلك.
ومن ناحیتھا، تعتقد الخمسینیة أم مراد، أن بعض الخرافات صحیحة ومنھا حك الید الیمنى والتي
تعني أن مالا جیدا سیأتي، وإن حك الید الیسرى یعني أن ھناك صرفا للمال. وتعتقد أیضا أن زحف الطفل أو أحدھم على الأرض یعني أن ھناك ضیوفا بكل تأكید سیأتون إلیھا ولأنھا دائما ما تتحقق من ذلك، وھي تخاف كثیرا من رؤیة القطط السوداء التي تدل على أنھا من الجن!
وفي الموروث الشعبي ھناك خوف من القطط السوداء، التي أثبت العلم أنھا كانت أكبر حجما بكثیر، وكان لدى الناس خوف منھا لأنھا لم تكن في الجزء العلوي من السلسلة الغذائیة؛ لذلك نشأت عدم الثقة في القطط.
ومع ذلك، في العصور الوسطى، كان القط الأسود علامة على أن الموت قادم، لذلك كان الناس یعتقدون أن مسارات عبور القطة السوداء، وكذلك الغراب الأسود، تشیر إلى الحظ السیئ، وانتشر الخوف من ھذه القطط، مما أدى إلى عملیات قتل جماعیة لھا.
وفي مجتمعنا الحدیث، ھناك عدد من الناس ما یزالون یخافون من القطط السوداء، وبعض الناس یعتقدون أیضا أن القطط السوداء ترتبط بالسحر والجن.