عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-May-2021

الدحدوح يروي لـ«الدستور» تفاصيل قصف برج الجلاء

 الدستور-نفين عبد الهادي

 حقيقة لا يمكن مداراتها أو اغفالها في النظر للمشهد العام في فلسطين اليوم، كل فلسطين، ممثلة بدور وسائل الاعلام في نقل الحقائق لتكون العين المراقبة والراصدة لكل الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، لتكون بذلك واحدة من الأهداف التي تضعها قوات الاحتلال الإسرائيلي تحت مجهر اعتداءاتها وتجعل منها تحديدا في غزة.
 
اليوم الصحافة ووسائل الاعلام المختلفة ليست في مأمن من الاستهداف الاسرائيلي الغاشم، لإيمانهم بأنها باتت عين الحقيقة التي تنقل للعالم بشاعة جرائمهم، وعمق ظلمهم، فلم تعد هذه الوسائل ضعيفة الأداء أو متواضعة الرسالة، فباتت بمتناول الجميع وأصبح العالم يرى كافة تفاصيل الواقع من خلالها، الأمر الذي جعلها جزءا من المعركة ومن أهدافه الإجرامية.
 
الصحفيات والصحفيون في فلسطين وقطاع غزّة هم جنود الكلمة، وجنود الحقيقة، ولم تعد مهنتهم مهنة المصاعب فقط إنما باتت مهنة المخاطر، اضافة لما يحملونه من أمانة في ايصال الحقيقة لملايين الأشخاص حول العالم ممن يرون فلسطين من خلال عدساتهم وشاشات محطاتهم، فما يقومون به رسالة تاريخية وتوثيق لحرب هي الأخطر تاريخيا، توثيق عادل يسمّي الأشياء بأسمائها دون تطرّف أو ظلم، أو حتى اسقاط لأي من تفاصيل الواقع. ومن الواضح أن في استهداف اسرائيل بقصف مقار وكالات أنباء عالمية ومكاتب شبكات تلفزة فلسطينية وعربية ودولية، هي إشارة واضحة بأن اسرائيل باتت تدرك خطورة الصحافة والاعلام عليها، فحوّلت غاراتها الجوية برج الجلاء المكون من 12 طابقا في حي الرمال بمدينة غزة، ويضم مكتب شبكة الجزيرة ووكالة «أسوشيتد برس الأميركية» وعددا من المكاتب الصحفية الأخرى)، اضافة لعدد من عيادات الأطباء والشركات ومكاتب المحامين والشقق السكنية التي يصل عددها قرابة (40) شقة، حوّلتها إلى ركام تساوى البرج بكل ما يحتويه من معدات وأجهزة ومقتنيات بأرض غزة وترابها، الذي لا يغلو عليه أي شيء وفق الغزيين، وما وراء هذه الجريمة الإسرائيلية إلاّ غاية واحدة هي اسكات وسائل الاعلام وتغييب عناوين تصدير الحقيقة إلى العالم.
 
وفي متابعة خاصة لـ»الدستور» من غزّة لآلية عمل وسائل الاعلام والصحافة، أمس، فقد عمل الصحفيون ممن دمّرت مكاتبهم وأداروا أعمالهم من الشارع وعلى الأرصفة، رغم حجم المعاناة الكبير الذي يمرون به، إلاّ أنهم يصرون بكل قوة واصرار على المضي برسالتهم، متحدين الظروف والاحتلال بعدم التوقف عن بث الحقائق ولو لثوان، لتبقى غزة حاضرة عبر وسائل الاعلام كافة، والقضية الفلسطينية حيّة بحقائق موثّقة صوتا وصورة وكلمة.
 
ما قبل قصف الاحتلال لبرج الجلاء وما بعد ذلك تفاصيل كثيرة، بل تاريخ وارث، وفق زميلات وزملاء عملوا بهذا المبنى الذي لا يعني لهم فقط مكان عمل، إنما هو جزء من يومهم ومن حياتهم، فهي سنين عملوا خلف جدرانه، فكانوا عين الحقيقة وصوتها في غزة، وحديثنا عن إعلان غزة هنا كون مهمتهم هي الأخطر اليوم، وهم يواجهون حربا تعجز عن مواجهتها عظمى الدول، ففي غزّة كل شيء مختلف.
 
عن هذه التفاصيل، قال مسؤول مكتب قناة الجزيرة في غزة الاعلامي وائل الدحدوح لـ»الدستور»، أنهم يمارسون عملهم وزملاؤه من الشارع، وعلى الأرصفة، بمساعدة زملاء لهم في وكالات أنباء مختلفة في حال استدعى الأمر أجهزة ومعدات فنية، ذلك أن غالبية معدات المكتب وكل ما كان به قد تم تدميره بالكامل، لكن مع هذا، يتابع «نحن نعمل دون توقف وعلى مدار الساعة ولن نجعل اسرائيل أن تحقق ما تسعى له، والحمد لله هذا ما حدث ويحدث ولن يتوقف بثنا ولو لثوان».
 
وأضاف في حديث هاتفي خاص لـ»الدستور» من قطاع غزة، ان جزءا من عملنا نقوم به في الشارع وآخر بضيافة زملائنا في وسائل اعلام مختلفة، وللأسف فإن قصف البرج أنهى بشكل كامل بقاء مكاتبنا، مع مستلزمات عملنا والأجهزة، مبينا أن مكاتب الجزيرة كانت في «الرووف» بالبرج، الذي يضم عددا كبيرا من مكاتب وسائل اعلام عربية ودولية، اضافة لعيادات ومكاتب محامين، وشركات، وكذلك شققا سكنية ما بين (40) إلى (50) شقة، كلها دمرت بالكامل، ليلحق هذا البرج بالأبراج الثلاثة الأخرى التي قصفها الاحتلال في حربه على قطاع غزة.
 
وبين الدحدوح أن هذا البرج كان مهما لكل الصحفيين والاعلاميين ويلجأ اليه كثيرون منهم للعمل من مكاتبهم، كونه تتوفر بها خدمات الكهرباء والإنترنت على مدار الساعة، لوجود مولدات في ظل أزمة كهرباء خانقة في القطاع، ناهيك عن كون البرج يعد قريبا من الأحداث، وبتدميره تكون إسرائيل قد سلبت الصحفيين أحد أهم أدوات العمل.
 
وعن آلية ابلاغهم بقصف البرج، قال الدحدوح نحن لم نبلغ، فقد تم الاتصال مع صاحب البرج وابلاغه بأنه سيتم قصفه، ولم يتم امهالنا أو امهال أي من قاطنيه لأخذ أي من مقنياتنا ولو بحدها الأدنى، فكان تطبيق القرار بأسرع وقت، فتم قصف البرج، ظانين بذلك أنهم نالوا من عزيمتنا وتمكّنوا من اسكاتنا عن نقل الحقيقة واغلاق العين عن جرائم الاحتلال في غزة، لكن بحمد الله بقينا مستمرين برسالتنا وسنبقى كذلك رغم كل الخسائر.
 
وفي سؤاله، عن أي دعم يحتاجه الصحفيون والاعلاميون في غزّة اليوم، أجاب الدحدوح نحن بحاجة للدعاء فقط، فاليوم جميع الصحفيين والاعلاميين مستهدفين من قبل سلطات الاحتلال وبتنا جزءا من معركتهم ضد الشعب الفلسطيني والقضية، فما تقوم به اسرائيل هي جرائم حرب يجب نقلها للعالم مهما كلّفنا هذا الأمر سنبقى عنوان الحقيقة الذي يحكي واقع ما يحدث. قناة الجزيرة أكدت في بيان لها أن تدمير مكتبها سابقة مخالفة لكل أعراف القانون الدولي وتصرف همجي، وانها تتجه لمقاضاة الحكومة الاسرائيلية، واعدة المشاهدين بمواصلة التغطية وكشف حقائق ما يجري.
 
فيما قال مقدّم ومعدّ على قناة الجزيرة ‏تامر المسحال «سقط المبنى لكن لن تسقط الصورة والحقيقة»، بوركت جهود الزملاء الأبطال الثابتين في الميدان.
 
ووصف البرج بعد قصفه بأنه مشهد ينفطر عليه القلب.. أرشيف طويل من الذكريات، لكن الصحفي ليس مقرّا انه رسالة وقلم وعين.