عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Nov-2025

العدالة من دون استثناء: الفلسطينية والدعوة العالمية إلى نزع السلاح

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
د. غسان شحرور* - (كومون دريمز) 29/10/2025
 
تصر "الفلسطينية" Palestinianism على أن نزع السلاح يجب أن يذهب أبعد من تفكيك الترسانات العسكرية ليشمل تفكيك الأنظمة التي تُسلّح الظلم: السلطة غير المنضبطة، والقانون الانتقائي، والصمت المؤسسي.
 
 
في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، تُحيي الأمم المتحدة مناسبة "أسبوع نزع السلاح" -وهو دعوة عالمية إلى خفض الأسلحة، وتعزيز السلام، وزيادة الوعي بالكلفة الإنسانية للنزاعات المسلحة. ويقام هذا الحدث سنويًا في الفترة ما بين 24 و30 تشرين الأول (أكتوبر)، ويدعو الحكومات والمجتمع المدني والأفراد إلى التأمل في جذور العنف وسبل تحقيق السلام.
في هذا العام، 2025، وبينما يواجه العالم تصاعدًا في النزاعات والأزمات الإنسانية، تتردّد أصداء أهداف "أسبوع نزع السلاح" بإلحاح متجدد.
لقد برزت "الفلسطينية" كإطار أخلاقي عالمي يربط مقاومة الفلسطينيين بالنضالات من أجل العدالة في كل أنحاء العالم -من كفاح جنوب إفريقيا ضدّ الفصل العنصري إلى حركات السكان الأصليين ومناهضة العنصرية. وهي تُعرّي أيضًا إخفاقات الحوكمة العالمية، حيث تقوم القوة بتحريف القانون، وحيث يصبح الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ.
على هذه الخلفية، تصر "الفلسطينية" على أن نزع السلاح يجب أن يذهب أبعد من معالجة الأسلحة ذاتها، ليشمل تفكيك الأنظمة التي تُسلّح الظلم: السلطة غير المقيدة، والقانون الانتقائي، والصمت المؤسسي. وبهذا المعنى، لا يعني "أسبوع نزع السلاح" مجرد تقليص عدد الأسلحة -إنه يتعلق بمواجهة الأيديولوجيات والهياكل التي تُنتج العنف وتُبقيه قائمًا.
العنف المنهجي والقانون الدولي
تجسد الحرب على غزة طيفًا واسعًا من أشكال العنف المحظورة بموجب القانون الإنساني الدولي، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة. وقد وثّقت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أنماطًا من الانتهاكات، تشمل الهجمات العشوائية على المدنيين من دون تمييز، وتدمير المرافق الطبية، واستهداف الصحفيين، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
ويصف المراقبون هذه الانتهاكات بمصطلحات متعدّدة:
• الإبادة الجماعية (Genocide): أفعال يمكن أن تكشف عن نية لمحو شعب بأكمله.
• الإبادة الطبية (Medicide): الاستهداف المتعمّد للأنظمة الصحية والعاملين فيها، في انتهاك صارخ لمبدأ الحياد الطبي.
• الإبادة البيئية (Ecocide): تدمير الأراضي الزراعية ومصادر المياه، بما يهدّد البقاء وسبل العيش.
• الإبادة المعرفية (Epistemicide): إسكات الذاكرة من خلال استهداف الصحفيين والمدارس والأرشيفات -في ما لا يقتصر على محاولة محو الأرواح وحدها، وإنما الإرث أيضًا.
وليست هذه الجرائم مفاهيم نظرية بل تجارب معيشة، تعبّر عن تآكل المعايير التي وُضعت لحماية الإنسانية. وهي تكشف عما يسميه القانونيون "بنية الإفلات من العقاب": نظام أمم متحدة مشلول بفعل استخدام حقّ النقض (الفيتو)، وعالم تُقاس فيه المساءلة بمعايير السياسة بدلًا من العدالة.
توسيع معنى نزع السلاح
سوف يضيف دمج "الفلسطينية" في الخطاب المتعلق بـ"أسبوع نزع السلاح" أبعادًا جديدة إلى مفهوم نزع السلاح نفسه. سوف يحوّل التركيز من الأسلحة وحدها إلى الأنظمة التي تُبقي العنف قائمًا: الإفلات من العقاب، والصمت، وعدم المساواة البنيوية. وبهذا المعنى، لا يكون نزع السلاح هدفًا تقنيًا فحسب، وإنما يصبح حتمية أخلاقية -التزامًا بتفكيك الشروط التي تسمح للظلم بأن يستمر. يتعلق الأمر بمسعى لاستعادة الكرامة حيث أُهدرت، ولضمان ألا يُبنى السلام على المحو، وإنما على الاعتراف.
التناقضات العالمية وتفويض الأمم المتحدة
تكشف "الفلسطينية" عن التناقضات الكامنة في قلب الحوكمة الدولية. كما يحدث، تتعهد الدول تتعهد بقول "لن يتكرر هذا أبدًا"، ومع ذلك تقف عاجزة بينما تتكشف المجاعة والنزوح الجماعي. وتؤكد "محكمة العدل الدولية" أن الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي تُعنى بالإنسانية جمعاء، لكن تنفيذها يبقى مراوغًا.
هذه الفجوة بين المبدأ والممارسة ليست فريدة ومقتصرة على فلسطين، لكنها تتجلى في فلسطين بأبشع صورها. وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل القانون الدولي درعٌ للضعفاء، أم أداةٌ بيد الأقوياء؟
يُعرض "أسبوع نزع السلاح" لحظةً لمواجهة هذه التناقضات. إنه يُذكّر بأن السلام لا يعني غياب الحرب، بل حضور العدالة. وهو يدعو المجتمع الدولي إلى التمسك بسيادة القانون، وحماية المدنيين، وضمان ألا يكون نزع السلاح.
التضامن والاعتراف العالميان
على الرغم من الشلل على مستوى القوى الكبرى، استجابت منظمات المجتمع المدني، والجامعات، والمنظمات الدولية، ووسائل الإعلام عبر العالم، بتضامن غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني. وقد نظّم طلاب الجامعات حلقات تعليمية، وأصدرت الجمعيات المهنية بيانات، وأطلقت الحملات الشعبية تحركات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم.
ومن جهتها، وسعت وسائل الإعلام العالمية مساحة الصوت الفلسطيني، متحدّيةً الروايات التي تمحو المعاناة أو تطبّع الاحتلال. كما اعترفت أعداد متزايدة من الدول بـ"دولة فلسطين"، مؤكدةً على حقّ شعبها في تقرير المصير، ومُتحدّيةً عقودًا من الجمود الدبلوماسي.
تُظهر هذه التطورات أن "الفلسطينية" ليست مفهومًا محليًا محصورًا في الشرق الأوسط. وهي تؤكد أنها وعي عابر للحدود يؤكد أن العدالة لفلسطين والفلسطينيين هي عدالة للإنسانية جمعاء.
تأمل شخصي من منظور طبيب
بوصفي طبيبًا، حظيت بفرصة زيارة عدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وهناك، لم أشاهد قسوة الحياة اليومية في ظل النزوح فحسب، بل رأيت أيضًا صمود العائلات المصمّمة على الحفاظ على الكرامة في أقسى الظروف. وعملتُ جنبًا إلى جنب مع منظمات محلية في مجالي الصحة والخدمة الاجتماعية، ورأيت كيف يواجه اللاجئون ذوو الإعاقة طبقات متراكمة من الإقصاء -لكنني رأيت أيضًا كيف عبأت المجتمعات نفسها لدعمهم بشجاعة وإبداع.
أتذكر طفلًا على كرسي متحرك، كان يبتسم بينما يُلقي الشعر في عيادة مكتظة. كان صوته خافتًا، لكن حضوره كان تحديًا -تذكيرًا بأن الكرامة تقاوم حتى وسط الركام.
عمّقت تلك التجارب فهمي لـ"الفلسطينية" بوصفها أكثر من مبدأ مجرد. إنها خبرة حية تُعاش في أجساد الأطفال المحرومين من الرعاية الصحية، وفي طموحات الطلاب الذين يدرسون في صفوف مكتظة، وفي إصرار العائلات التي تعيد البناء بعد كلّ عملية هدم.
بذلك، تظل "الفلسطينية" بالنسبة لي أكبر من مجرد إطار عالمي للعدالة والسلام. إنها أيضًا تجربة معيشة للتضامن الأخلاقي، متجذّرة في وجوه وقصص الناس الذين كان لي شرف خدمتهم.
إن "الفلسطينية" هي نداء إلى الضمير الإنساني. إنها تؤكد أن إنكار الحقوق في فلسطين يهدد عالمية حقوق الإنسان وصدقية القانون الدولي. ويعني تبنّي "الفلسطينية" الإيمان بالعدالة من دون استثناء -ليس كشعار، بل كمعيار ومقياس للحقيقة الأخلاقية.
 
*د. غسّان شحرور Ghassan Shahrour: طبيب وكاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان، متخصص في قضايا الصحة والإعاقة ونزع السلاح. شارك في حملات عالمية من أجل السلام ونزع السلاح وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Justice Without Exception: Palestinianism and the Global Call for Disarmament