عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Apr-2025

مسرحية ماكرون الفلسطينية - عمل صغير جدا ومتأخر جدا‏

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏‏رمزي بارود* - (شبكة زد) 23/4/2025
أثار إعلان إيمانويل ماكرون عن نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين غضب بنيامين نتنياهو، لكن هذا الإعلان يقوضه دعم فرنسا المستمر لـ"الأمن" الإسرائيلي.
 
 
تتماشى معارضة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العنيدة لقيام دولة فلسطينية تمامًا مع الأيديولوجية الصهيونية القديمة التي اعتبرت دائمًا إقامة دولة فلسطينية تهديدًا مباشرًا لتكريس إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني.‏
‏وبذلك، فإن مجرد وجود دولة فلسطينية ذات حدود جغرافية محددة بوضوح سيجعل دولة إسرائيل، التي ما تزال بلا حدود معترف بها دوليًا، دولة محصورة في مساحة مادية ثابتة.‏
في حين تواصل إسرائيل ‏‏احتلال‏‏ مساحات شاسعة كبيرة من الأراضي السورية واللبنانية، وتسعى بلا هوادة إلى مواصلة توسعها الاستعماري للاستيلاء على المزيد من الأراضي، فإن قبول إسرائيل بصدق بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة هو أمر لا يمكن تصوره على الإطلاق.‏
‏وليس هذا الواقع تطورًا حديثًا؛ كان دائمًا هو الحقيقة الأساسية. ويكشف هذا، في جوهره، أن مسرحية "حل الدولتين" التي استمرت عقودًا كانت دائمًا مجرد سراب، تم تصميمها بدقة لترويج الأوهام لكل من الفلسطينيين والمجتمع الدولي الأوسع، بطريقة عززت الانطباع الخاطئ بأن إسرائيل أصبحت جادة أخيرًا في تحقيق السلام.‏
لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يرد نتنياهو بغضب كبير على إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا عن نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين في حزيران (يونيو) المقبل.‏
‏في مكالمة هاتفية مع ماكرون في 15 نيسان (أبريل)، لجأ نتنياهو -كما هو متوقع- ‏‏إلى خطابه غير المنطقي المألوف، الذي يساوي بشكل مثير للحفيظة بين إقامة دولة فلسطينية ومكافأة "الإرهاب".‏ وبطريقة متوقعة بالقدر نفسه، أعاد تكرار الادعاءات القديمة نفسها التي تفتقر إلى الأدلة حول وجود صلة إيرانية. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو: "إن دولة فلسطينية تقام على بُعد دقائق قليلة من المدن الإسرائيلية ستتحول إلى معقل إرهابي إيراني".
‏في غضون ذلك، أكد ماكرون، في فعل مألوف لموازنة المواقف، التزامه بـ"الأمن" الإسرائيلي، بينما أكد بطريقة فاترة أن ‏‏المعاناة‏‏ في غزة يجب أن تنتهي. ‏
بطبيعة الحال، في عالم أكثر عدلاً وعقلانية، كان ينبغي لماكرون أن يؤكد بشكل قاطع لا لبس فيه أنه أمن الفلسطينيين -بل وجودهم ذاته- هو الذي يواجه الخطر الحقيقي، وأن إسرائيل، من خلال عنفها المستمر واحتلالها المتواصل، هي التي تشكل أخطر تهديد للوجود الفلسطيني -بل وربما للسلام العالمي أيضًا.‏
‏ولكن، للأسف، ما يزال مثل هذا العالم العادل بعيد المنال.‏
‏بالنظر إلى دعم ماكرون وفرنسا الثابت والعنيد في كثير من الأحيان لإسرائيل على مر السنين، خاصة منذ بداية الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، قد يرحب البعض بحذر بتصريح ماكرون باعتباره تحولاً إيجابيًا محتملاً في السياسة الفرنسية.‏
مع ذلك، لا بد من التحذير من أي تفاؤل مبالغ فيه، خاصة في وقت يتم فيه القضاء على عائلات فلسطينية بأكملها في غزة‏‏ في إطار ‏‏الإبادة‏‏ الجماعية‏‏ الإسرائيلية المستمرة‏‏ كما تقول هذه الكلمات بالذات. ‏
‏ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها هي أن فرنسا، مثل العديد من الحكومات الغربية الأخرى، لعبت دورًا كبيرًا ومهمًا في تمكين وتسليح وتبرير الجرائم الإسرائيلية البشعة في غزة.‏ ولكي تعكس فرنسا فعليًا موقفها القديم، إذا كان هذا هو المسار الحالي حقًا، فسوف يتطلب الأمر أكثر بكثير من مجرد عرض إيماءات رمزية وفارغة في نهاية المطاف.‏ و‏من المفهوم أن يكون الفلسطينيون مرهقين ومحبطين من الانتصارات الرمزية والخطابات الجوفاء، والإيماءات غير الصادقة.‏
‏وفر ‏‏الاعتراف‏‏ ‏‏الأخير‏‏ بدولة فلسطين من أيرلندا والنرويج وإسبانيا في أيار (مايو) 2024 ومضة عابرة من الأمل لدى الفلسطينيين، حيث ثمة إشارة إلى تحول محتمل، وإن كان محدودًا، في المشاعر الغربية ربما يدفع إلى ممارسة بعض الضغط على إسرائيل لوقف أعمالها المدمرة في غزة.‏
ولكن، من المؤسف أن هذا التفاؤل الأولي والهش فشل إلى حد كبير في أن يُترجم إلى عمل أوروبي أوسع نطاقًا وأكثر جدوى.‏ ولذلك، قابل الفلسطينيون إعلان ماكرون الأخير عن نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين في حزيران (يونيو) برد فعل أكثر هدوءًا وتشككًا.‏
في حين أن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي اعترفت بالفعل بفلسطين غالبًا ما تحتفظ بمواقف أقوى بكثير ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإن سجل فرنسا في هذا الصدد أضعف بشكل ملحوظ.‏
‏وبالإضافة إلى ذلك، فإن صدق موقف فرنسا المعلن مشكوك فيه للغاية، بالنظر إلى قمعها المستمر والمقلق للنشطاء الفرنسيين الذين يجرؤون على الاحتجاج ضد الإجراءات الإسرائيلية، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية داخل فرنسا نفسها.‏
هذه الهجمات والاعتقالات ‏‏والقمع‏‏ الأوسع‏‏ نطاقًا للآراء السياسية المعارضة داخل فرنسا لا تكاد ترسم صورة دولة مستعدة حقًا لتغيير كامل في مسارها المتمثل في مساعدة الجرائم الإسرائيلية والتحريض عليها.‏
‏كما أن هناك تناقضًا صارخًا لا يمكن إنكاره بين المواقف المبدئية التي تبنتها إسبانيا والنرويج وأيرلندا من جهة، ودعم فرنسا الثابت للحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية في غزة منذ بدايتها الأولى من جهة أخرى، وهو دعم أكدته زيارة ماكرون المبكرة والرمزية للغاية إلى تل أبيب.‏
كان ماكرون من بين أوائل قادة العالم الذين ‏‏وصلوا‏‏ إلى تل أبيب عند بدء الحرب، في حين كان الفلسطينيون في غزة يتعرضون مسبقًا لأكثر أشكال العنف فظاعة، التي لا توصف ولا يمكن تخيلها.‏
‏وخلال تلك الزيارة التي قام بها في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كرر ماكرون بشكل لا لبس ‏‏فيه "أن فرنسا تقف جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. نحن نشارككم آلامكم، ونؤكد من جديد التزامنا الثابت بأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب".‏
وهذا يثير سؤالاً أساسيًا وحاسمًا: كيف يمكن تفسير اعتراف فرنسا المتأخر بالدولة الفلسطينية على أنه تضامن حقيقي بينما تظل فرنسا في الوقت نفسه داعمًا عالميًا مهمًا للكيان الذي يرتكب العنف ضد الفلسطينيين؟‏
‏في حين أن أي اعتراف أوروبي بفلسطين هو خطوة مرحب بها، حتى لو كانت متأخرة، إلا أن أهميتها الحقيقية تتضاءل إلى حد كبير بسبب الاعتراف شبه العالمي بفلسطين لدى الأغلبية العالمية، خاصة في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية، الذي نشأ في الشرق الأوسط ويتوسع باطراد وثبات في جميع أنحاء العالم.‏
إن حقيقة أن فرنسا ستكون من بين آخر مجموعة من الدول في العالم التي تعترف رسميًا بفلسطين (حاليًا، اعترفت 147 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة ‏‏بدولة فلسطين)، تقول الكثير عن محاولة فرنسا الواضحة للاصطفاف متأخرة إلى جانب الإجماع العالمي السائد، وربما لتبييض تاريخها الطويل من التواطؤ في الجرائم الصهيونية الإسرائيلية، بينما تجد إسرائيل نفسها معزولة ومدانة بشكل متزايد على الساحة الدولية.‏
‏يستطيع المرء أن يقول بثقة كبيرة إن الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين يعانون من أهوال الإبادة الجماعية المستمرة التي تعز عن التصور في غزة، يعطون الأولوية للوقف الفوري لتلك الإبادة الجماعية والمساءلة الحقيقية لإسرائيل عن أفعالها فوق أعمال الاعتراف الرمزية التي يبدو أنها تهدف في المقام الأول إلى تعزيز أهمية فرنسا كلاعب قوة عالمي وداعم طويل الأمد لجرائم الحرب الإسرائيلية.‏
أخيرًا، في حين أن ماكرون يطمئن إسرائيل بأن أمنها يظل أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للحكومة الفرنسية، يجب تذكيره بأن انخراطه المستمر مع بنيامين نتنياهو هو في حد ذاته انتهاك محتمل للقانون الدولي. ‏
‏إن الزعيم الإسرائيلي مطلوب كمتهم ‏بارتكاب جرائم لدى "المحكمة الجنائية الدولية"، وتقع على عاتق فرنسا، مثل أكثر من 120 ‏‏دولة موقعة‏‏ على ميثاق "المحكمة" إلقاء القبض على نتنياهو، وليس استرضاءه.‏
لا يهدف هذا التحليل إلى التقليل من الأهمية المحتملة للاعتراف بفلسطين باعتباره انعكاسًا للتضامن العالمي المتزايد مع الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، لكي يكون هذا الاعتراف ذا مغزى ومؤثرًا حقًا، فإنه يجب أن ينبع من موقع احترام حقيقي واهتمام عميق بالشعب الفلسطيني نفسه، وليس منطلقًا من رغبة محسوبة في حماية "أمن" معذبيه.‏
 
‏*د. رمزي بارود Ramzy Baroud: مؤلف تُنشر أعماله وتُترجم على نطاق واسع. وهو كاتب عمود منتظم ورئيس تحرير ‏‏صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل‏‏".‏‏ كتابه الأخير هو "‏‏الأرض الأخيرة: قصة فلسطينية‏" The Last Earth: A Palestinian Story، (مطبعة بلوتو، 2018). حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الفلسطينية من جامعة إكستر (2015)، وكان باحثا غير مقيم في "مركز أورفاليا للدراسات العالمية والدولية" بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Macron’s Palestine Play – Too Little, Too Late