عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jul-2024

في تأصيل خطر التهجير*سائد كراجة

 الغد

لم يكن هتلر أول من أعلن العداء لليهود، ففي كتيب منشور في القرن السادس عشر لمارتن لوثر كنج  بعنوان "عن اليهود وأكاذيبهم " يقول مارتن لوثر كنج -زعيم الإصلاح الديني البروتستنتي-  ما يلي:
 
" أنهم يشوهون ويزورون الكتاب المقدس.. لم تشرق الشمس على شعب أكثر دموية منهم، هذا الشعب الذي يعتبر نفسه شعب الله المختار، والذي يحمل وصية الهية بقتل الوثنيين "المسيحيين" كما يجب علينا كنسهم من أرضنا...".
 
ورغم أن لوثر في آخر حياته دعا إلى معاملتهم بالحب المسيحي إلا ان أوروبا في ذلك الوقت كانت قد تشربت كره اليهود والحقد عليهم، حتى إن مرادفات "مرابي" في لغتهم السائدة كانت عبراني أو يهودي.  
هذا العداء لليهود المرابين المستغلين - حسب فهم أوروبا لليهود - أدى إلى كثير من حوادث طرد اليهود من بلدان أوروبا المسيحية،  وهذا ما شكل في بعده السياسي ما يعرف باسم "المسألة اليهودية"، ومختصر المسألة اليهودية هي ضرورة طرد اليهود من أوروبا  وفعلا فإن الذي وعد الصهيونية العلمانية غير الدينية بوطن قومي لليهود ليس الله، بل رب الاستعمار آنذاك اللورد بلفور، وكان وهو ينقل للورد روتشيلد تعاطف ملكة بريطانيا ووعدها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يصدر قانون الأجانب البريطاني الذي يهدف علنا لمنع يهود أوروبا من الرجوع إلى بريطانيا!!
المشروع الصهيوني هو أول مشروع علماني يقوم على أسس دينية بحتة، وهذا ليس تناقضا بل هو خطة سياسية تقوم على أن الغاية تبرر الوسيلة وتبرر التناقض والتلفيق السياسي والمعرفي، ومن باب ذلك أيضا الادعاء أن "دولة إسرائيل" هي الديمقراطية الوحيدة في الشرط الأوسط، رغم إعلانها دولة لليهود وليس لمواطنيها كما يقتضي الطرح الديمقراطي.
إسرائيل وصفة استعمارية لحل المسألة اليهودية، أساسها " كنس اليهود" من أوروبا، وهو مشروع استعماري إحلالي يستوجب ابتلاع الأرض دون سكانها الأصليين " الفلسطينيين " لسبب بسيط هو أن اليهود حالة سكانية متراكمة، وهي تحتاج في بقائها إلى عنصرين الأول الأرض الذي يحتاجه اليهود الحاليون، ومن يولد عنهم وينضم إليهم في دولة إسرائيل، والثاني هو حاجتها إلى بعد عقائدي ديني لاستمرار تدفق اليهود من أوروبا نحو هذه البقعة من العالم!
 تفوق اليهود الاقتصادي والمالي ساعد على استمرار ديمومة المشروع الصهيوني فإن هؤلاء الذين سعى الغرب لطردهم يتحكمون الآن بمفاصل أساسية في الاقتصاد العالمي، وهنا أصبح التعاطي  والخضوع  للمشروع الصهيوني يختلط بمصالح رأسمالية أساسها  استمرار السيطرة على موارد الشرق الأوسط واستغلالها بواسطة شرطة وقاعدة عسكرية رأسمالية متقدمة تدعى إسرائيل.
المشروع الصهيوني كما رسمه الآباء الصهاينة واضح، والذي  يراجع أقوال وايزمان وجابوتنسكي ويبهت بوضوح رؤيتهم بضرورة التطهير العرقي  للسكان الأصليين الفلسطينيين ويبهت بإيمانهم الواضح بضرورة ابتلاع كل الأرض الفلسطينية، ولكن بتؤدة  وتمهل عن طريق فرض الأمر الواقع الذي جعل مجموعة من اليهود الذين لا يتجاوزون   6 % من الشعب في الثلاثينيات يبتلعون ويحتلون كامل أرض فلسطين التاريخية!
العقل السياسي الأردني منذ سبعينيات القرن العشرين عول على  العلاقة الإستراتيجية مع أميركا وعلى اتباع سياسة السلام مع إسرائيل.، والحقيقة انه ومنذ أن بدأ ترامب باثبات أن هذا التعويل على الأميركان ليس آمناً، وأن حل القضية على حساب الأردن جزئيا أو كليا أمر وارد في  ضمير السياسة الأميركية فظهر ذلك جليا في ولاية ترامب وصفقة القرن، وظهر بجلاء وجلاء أكثر عقب العدوان على غزة ، حيث طالب الأميركان بوضوح استقبال مهجرين فلسطينيين حلا لأشكال دولة إسرائيل!
في ضوء ما سبق فإن القول إن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن خطر غير قائم فيه إغفال تاريخي سياسي واقعي لما يجري على الأرض وفيه استمرار لعقلية سياسة ثبت فشلها قوامها التعويل على علاقتنا مع الأميركان!
حضاريا فإننا بحاجة إلى تدريس المشروع الصهيوني في المدارس وفي الجامعات أيضا، فإذا كنا لنعطي الأردن لقبا سياسيا فانه "الدولة الناجية"  فقد وبحمد الله نجا الأردن كدولة ونظام من كثير من الأزمات والكوارث، لكن خطر التجهيز إلى الأردن وحل الاشكالية الصهيونية بالتهجير هو التهديد الوجودي الأخطر على الأردن جنابك!