الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
تقرير خاص - (الإيكونوميست) 12/11/2023
بينما تستمر إسرائيل في شن حربها على غزة، فإن معضلتها تتفاقم: هل تعطي الأولوية للنصر، أم المدنيين، أم الرهائن، أم العلاقات مع أميركا؟
* * *
صحراء النقب -ثمة شاشة كبيرة تحتل مساحة كبيرة في خيمة على أطراف قاعدة عسكرية في صحراء النقب. وعليها تظهر عشرات المربعات الزرقاء التي تمثل انتشار القوات الإسرائيلية على الأرض، على بعد 20 كيلومترًا في شمال شرق مدينة غزة. داخل هذا المقر لأحد ألوية المشاة التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، يقوم ضباط العمليات بتنسيق مهام البحث والتدمير الخاصة بأنفاق حماس من بعيد.
بعد أسبوعين من إطلاق هجومها البري داخل قطاع غزة، لدى إسرائيل حوالي أربع فرق (حوالي 10.000 جندي) تقاتل في المنطقة. بعض الطوابير العسكرية تشق طريقها إلى وسط مدينة غزة. ويعمل جنود آخرون في البلدات النائية التي أصبحت الآن في الغالب فارغة، ويتنقلون من منزل إلى آخر بحثًا عن المزيد من فتحات الأنفاق. ويقول أحد الضباط: "سوف تكون هذه فرصتنا الوحيدة للقضاء على أكبر قدر ممكن من شبكة حماس تحت الأرض"، في إشارة إلى نظام الأنفاق الذي أقامته الحركة، والذي يبلغ طوله نحو 500 كيلومتر. ويضيف الضابط: "لا نعرف المدة التي يتعين علينا أن نعمل فيها وعلينا تحقيق أقصى استفادة منها بينما نستطيع ذلك".
شرع الدعم الغربي للحملة الإسرائيلية في التراجع. في 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف إطلاق النار في غزة، قائلاً إنه على الرغم من دعمه لحق إسرائيل في الرد على الهجوم (الإرهابي) الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فإنه "في الواقع، هناك أطفال، وهناك نساء، وهناك كبار في السن تعرضوا للقصف والقتل. لا يوجد سبب لذلك ولا شرعية". لكن أميركا، أقرب حليف لإسرائيل، لم تطالب بوقف لإطلاق النار بعد. ولذلك لا يضيع الجيش الإسرائيلي أي وقت. لكنه وصل في حملته إلى نقطة أصبحت فيها أهداف الحكومة الإسرائيلية المعلنة -تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس وإنقاذ الرهائن ال239 الذين ما يزالون محتجزين في غزة- في توتر متزايد.
في الأيام الأخيرة، تركز الاهتمام بشكل كبير على المستشفيات الموجودة في وسط غزة، وخاصة "مستشفى الشفاء"، أكبرها على الإطلاق. وقد أصبحت هذه المستشفيات أماكن تجمعات، ليس للجرحى فقط، ولكن أيضًا لآلاف المدنيين الذين بقوا في المدينة، ويحتمون حولها. وقال طبيب في "المستشفى الأهلي" إن إمدادات الدم في المستشفى نفدت يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، مما حال دون نقل الدم للمرضى. وتعتقد المخابرات الإسرائيلية أن المستشفيات أيضًا المكان الذي تقع فيه المقرات الرئيسية لحركة حماس تحت الأرض. واتهم العاملون في مستشفى الشفاء إسرائيل بإطلاق النار عليهم والتسبب في وفاة المرضى من خلال قطع الكهرباء عن المستشفى.
وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلن جيش الدفاع الإسرائيلي عن فتح طريق هروب للمدنيين خارج "مستشفى الشفاء" ومستشفيين آخرين، والذي يُفترض أن يوصلهم إلى الطريق المؤدي إلى جنوب المحيط الذي تجري فيه إسرائيل عملياتها. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الأمر بشن هجوم نهائي على المستشفيات التي يقولون إنها مقرات لحماس لم يأت بعد من حكومة الحرب برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء. ولكن في اليوم نفسه، قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، لشبكة (سي بي إس) الإخبارية، على الرغم من اعترافه بوجود "معلومات مفتوحة المصدر" تشير إلى استخدام حماس للمستشفيات كمخابئ للأسلحة ومراكز قيادة، إن بلاده "لا تريد رؤية معارك بالأسلحة النارية في المستشفيات. حيث يقع الأبرياء والمرضى الذين يتلقون الرعاية الطبية في تقاطع النيران".
السبب الرئيسي لتردد الحكومة هو الأمل في التوصل إلى اتفاق مع حماس بشأن إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن؛ وتنتظر إسرائيل الاتفاق على إطلاق ما لا يقل عن مائة. وفي المقابل، ستطلق إسرائيل سراح بعض السجناء الفلسطينيين -الذين تحتجز 4.450 منهم في سجونها- وتسمح بدخول المزيد من الإمدادات، بما في ذلك الوقود، إلى غزة. وتجري محادثات غير مباشرة حول إبرام نوع من الصفقة في كل من قطر ومصر، ولكن الكلمة الأخيرة ستكون لزعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، الهدف الرئيسي لإسرائيل. ومن غير الواضح ما إذا كان أي اتفاق من شأنه أن يؤجل محاولة الجيش الإسرائيلي تدمير أي منشآت تابعة لحماس بالقرب من المستشفى أو أسفله؛ ويبدو من غير المرجح أن يتخلى عن ذلك. ومع استمرار المفاوضات المتوترة، تحاول إسرائيل حث أكبر عدد ممكن من المدنيين المتبقين داخل مدينة غزة، والذين يعتقد أن عددهم حوالي 100.000، على المغادرة إلى الجنوب أيضًا.
لكنَّ رفض الحكومة الإسرائيلية الالتزام بأي شكل من أشكال السيطرة الفلسطينية على غزة بعد الحرب يؤدي أيضاً إلى تقويض الدعم الدولي لحملتها. ويدعو أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف إسرائيل إلى إعادة احتلال غزة وإعادة بناء المستوطنات التي قامت إسرائيل بتفكيكها هناك في العام 2005. وقد نفى نتنياهو أن تكون هناك أي خطط للقيام بذلك، لكنه أصر أيضًا على أن إسرائيل يجب أن تحتفظ، بعد الحرب، "بالسيطرة الأمنية الشاملة، بما في ذلك القدرة على الدخول متى أردنا للقضاء على الإرهابيين الذين قد يظهرون مرة أخرى". كما استبعد عودة "السلطة الفلسطينية" التي أطاحت بها حماس في انقلاب في العام 2007، قائلاً إنها "تعلم أطفالها كراهية إسرائيل، وقتل الإسرائيليين، والقضاء على دولة إسرائيل". وأضاف أن الرئيس محمود عباس "لم يدن بعد المجزرة الرهيبة التي وقعت بعد مرور 30 يومًا" على حدوثها.
من جهتها، أوضحت إدارة بايدن مسبقًا أنها تريد أن تسيطر "السلطة الفلسطينية" على غزة بمجرد انتهاء القتال، وهي تعمل على تحقيق مثل هذا المستقبل. ويبدو أن نتنياهو، الذي يتراجع دعمه الشعبي، أكثر قلقًا بشأن التشبث بقاعدته القومية المتقلصة من الاستعداد لتحديد مصير القطاع في حال تمت إزالة حماس من السلطة. ومع ذلك، وفي إشارة إلى أنه قد لا يبقى في منصبه إلى الأبد، يعمل المسؤولون الإسرائيليون بهدوء فعليا على وضع خطط لغزة تحت سيطرة "السلطة الفلسطينية".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: As Israel fights on in Gaza its dilemma gets worse