الغد
يديعوت أحرونوت
ناحوم برنياع
دمعة لم تنزل من عيني حين صفى الجيش الإسرائيلي في غزة مسؤول حماس الكبير رائد سعد. فمن يكرس حياته للقتال عليه أن يأخذ بالحسبان أن هكذا ستنتهي، مع وقف نار أو بدونه. فقط ملاحظة صغيرة: الألقاب الأكاديمية التي تحرص قواتنا على الصاقها بأهداف التصفية أولئك – مرة مهندس، الآن معماري – تستدعي ابتسامة مريرة. من لم يعرف كيف يتعاطى بجدية مع الخطة العسكرية التي وضعها سعد في الماضي، لا ينبغي له أن يضخم أهميته بعد موته. ليس معماريا، بل إخفاق.
عُللت تصفية سعد باعتبارين: الأول، عبوة زرعتها حماس أصابت في ذاك اليوم جنديين: على خرق وقف النار ردينا بخرق؛ الثاني، كان لإسرائيل حسابا طويلا مع الرجل. وعندما وقعت الفرصة استغليناها.
منطقي: في الحرب مثلما في الحرب. غير أن ليس هكذا رأوا التصفية في محيط دونالد ترامب، تماما ليس هكذا. مصدر مطلع روى لي بان وابلا من الشتائم أنزلت في ذاك اليوم على رأس رئيس وزراء إسرائيل. قيلت كلمات تمتنع صحيفة شريفة عن تكرارها طباعة. لا ينبغي استبعاد إمكانية أن شيئا من هذا قيل لنتنياهو مباشرة في أثناء نهاية الأسبوع.
محيط ترامب مقتنع بان التصفية لم تكن جزءا من حوار إسرائيل مع حماس: كانت جزءا من حوارها مع ترامب. عندما سيقرأون في البيت الأبيض الجملة التي اطلقها نتنياهو أمس للإعلام .
قال نتنياهو. "سياستنا ستبقى حازمة جدا ومستقلة"، انتبهوا للكلمة الأخيرة للجملة: فهي معدة أيضا للتصدير.
توقع ترامب الانتقال في هذه الأيام إلى المرحلة الثانية في غزة. التفاصيل ليست هامة له: الأساس هو الزخم، التقدم. الرؤيا التي وضعها صهره جارد كوشنير نيابة عنه تغيرت في اللقاء مع الواقع. القرار في هذه اللحظة هو أن القوة متعددة الجنسيات، إذا ما قامت، لن تعمل الا في أراضي القطاع التي تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، أي من الخط الأصفر إلى الخط الأخضر. وهي ستكون قوة تمثيلية هزيلة، شيئا ما مثل اليونيفيل. في البيت الأبيض يفهمون اليوم بانه لن يخاطر أي جندي إيطالي أو اندونيسي بحياته كي ينزع سلاح حماس. شعبان فقط يمكنهما أن يوفرا جنودا للمهمة: الإسرائيليون والفلسطينيون. الإسرائيليون مرفوضون: الوعد الأساس لخطة ترامب كان طرد إسرائيل من غزة. ويتبقى الفلسطينيون.
لقد عرف نتنياهو مسبقا بان هذا ما سيحصل. فهو ليس غبيا. على الرغم من ذلك اعطى موافقته على الخطة. هكذا تصرف في صفقتي مخطوفين سابقتين، في كانون الثاني 2024 وفي شباط 2025: وافق على الصفقة وتراجع عنها عشية المرحلة الثانية؛ هكذا تصرف، مع الفرق، في اتفاقه للتناوب مع بيني غانتس أيضا وكذا سيحاول التصرف في اتفاق العفو عنه مع هرتسوغ.
لعنة المرحلة الثانية: كل من اختص بشؤون نتنياهو يعرف بان الاتفاقات التي توقع معه يجب أن تبدأ بمرحلتها الثانية – والا فلن تصل إلى المرحلة الثانية.
لقد سجل رجال ترامب أمامهم حادثة 28 تشرين الثاني: قوة من الجيش الإسرائيلي أرسلت إلى عمق الأراضي السورية، إلى مزرعة بيت جن، لاعتقال مشبوهين من منظمة إسلامية مقربة من النظام. القوة تورطت: قتل بين تسعة وعشرين شخص وأصيب ستة مقاتلين من الجيش الإسرائيلي. الحكومة السورية ادعت بان العملية استهدفت ضعضعة استقرار نظام الشرع. وهذا كان هدفها الحقيقي. في الجيش الإسرائيلي وصفوا العملية كمناورة سياسية بادوات عسكرية، مثل القصف الفاشل في قطر. في البيت الأبيض فهموا بان نتنياهو يطلق لهم رسالة: هو يرفض التقدم نحو اتفاق امني مع سوريا يلزم بانسحاب من المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي في الحرب. المرحلة التالية تنطوي على مخاطر: هو لا يريد أن ينتقل.
ترامب تدخل في الحرب في أوكرانيا وفي الحرب في الشرق الأوسط بخلاف غريزته الانعزالية، بخلاف رؤيا فلنجعل أميركا عظيمة مجددا، الحركة التي أقامها. وكان الهدف تعظيم اسمه في العالم والاثبات بانه ينجح في الأماكن التي فشل فيها أسلافه. في هذه الأثناء حقق القليل – ادعاءه بانه احل السلام في ثماني حروب هو نكتة – ودفع أثمانا داخلية لا بأس بها. عطشه لإنجازات فورية يقوده بالضرورة الى مواجهة مع حكومة إسرائيل الحالية.
هو سيكتشف بانه في الشرق الأوسط الأحلام كبيرة لكن الأرجل في الأرض. اردوغان كمثال؛ السيسي كمثال؛ نتنياهو كمثال. في خطاباته يعد نتنياهو بشرق أوسط جديد، فرصا احد لا يتخيلها، جنة عدن إقليمية، كل ما يتطابق والمدينة الفاضلة لترامب. اما عمليا فهو يدفع نحو حرب أبدية. هو يوقف القتال (في لبنان، في إيران، في غزة) فقط عندما يفرض ترامب عليه التوقف.
لقد كان لدى الكثيرين فضولا لمعرفة لماذا شرع ترامب حملة العفو لنتنياهو. ولا يقل تشويقا الجواب على السؤال لماذا ابلغ ترامب نتنياهو فجأة بانه قرر التوقف. كانت دعوة للعفو ولم تعد. ترامب امتنع عن الشرح لماذا.