عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jun-2020

شكرا لعباس على إيقافه خطة ترامب - بقلم: عودة بشارات

 

هآرتس
 
في ايلول 1939، بعد احتلال هتلر لبولندا، اعلن في الرايخستاغ بأنه “يجب منع الحرب في الغرب لأنه الآن لم تعد دولة بولندا موجودة، وبهذا فان السبب الرئيسي لاعلان فرنسا وبريطانيا الحرب، مهاجمة المانيا لبولندا، لم يعد موجودا”. وقد قال غبلس عن هذا الخطاب “تحفة دبلوماسية” (اقتباس كتاب بيتر لونغرايخ “غبلس، السيرة الذاتية لقاتل بالكلمات”).
الآن بعد نحو ثمانين سنة، يتبنى الرئيس دونالد ترامب اسلوبا مشابها. فبعد نقل السفارة الاميركية الى القدس أعلن بأن مشكلة القدس، نقطة الخلاف الرئيسة في الصراع، تمت ازاحتها عن الطاولة. وقد كان هناك من استمتعوا بأداء هذا الساحر الذي برمشة عين ينهي المشاكل. الآن هو يريد اخفاء المشكلة الفلسطينية من قائمة مشاكل الكون. هل تريدون دولة فلسطينية؟ ستكون دولة فلسطينية ولكن مثل لعبة البلاستيك. وفي المساء سيقوم السيد الاسرائيلي بطيها وتخزينها في علبة كرتون.
في ارجاء العالم يقولون إن ترامب هو شخص مجنون. وفي اميركا حتى الجمهور، بما فيهم من صوتوا له، يعتبرونه تجسيدا للشر والغباء والغطرسة. وهنا؟ هنا يسجدون له وينظرون اليه بخوف مقدس بسبب الشرعية التي يمنحها للاحتلال والضم؛ محظور اغضابه.
الفرضية السائدة في اسرائيل هي أنه كلما زاد قمع الفلسطينيين فان وضع اليهود سيتحسن. ولا توجد فرضية خاطئة أكثر من ذلك. فبدون تحقيق العدالة النسبية وليست المطلقة، فان الصراع سيصبح اكثر عنفا وتدميرا. ربما للوهلة الاولى سيظهر الاضطهاد مجد في نظر المضطهد، لكن لن يمر وقت طويل والامور ستتعقد. لأن عدم العدل يعارض الطبيعة البشرية.
في هذه الاثناء العائق الاساسي امام خطة ترامب هو محمود عباس، الذي صفته الرسمية هي رئيس السلطة الفلسطينية، وصفته الفعلية هي السجين رقم واحد في السجن الاسرائيلي الكبير. وعرب اسرائيل الحقيقيين (السعودية وامثالها) يهددون بأنهم سيغلقون الصنبور. والاسرائيليون يهددون بضم المزيد من الاراضي القليلة التي بقيت. والاميركيون قطعوا في السابق دعم الاونروا والمستشفيات الفلسطينية. وحتى الاخيار من بين اليهود والعرب يتوسلون اليه كي يلين أكثر قليلا، حيث إنه على أي حال يجب أن يلعبها – لكنه يصمم على موقفه. من الجدير التذكر بأنه في العام 2016 حبس العالم انفاسه ازاء اعلان ترامب عن صفقة القرن. ومن بعيد هذا ظهر وكأنه تسونامي اموال سيغرق المنطقة. وفقط الغبي هو الذي لن يشارك في حفلة المليارات هذه. محللون بليدون قالوا إن الفلسطيني العادي يحتاج الى المال وليس الكرامة. ومن الجدير ايضا التذكر بأن محمود عباس قفز على هذه الفرصة واظهر التعاون حتى اللحظة الاخيرة مع الوسطاء الاميركيين. ربما قال بينه وبين نفسه، ربما مع كل ذلك سيخرج شيء ما من هذا الشخص الغريب الذي يريد تحطيم الادوات. ولكن هذا “الشيء ما” الاول الذي خرج هو نقل السفارة الاميركية الى القدس، والباقي اصبح تاريخا. يتبين أن عباس الذي عارض انتفاضة مسلحة وأراد ادارة نضال شعبي غير عنيف، ليس صوصا لم ينبت ريشه، مثلما وصفه اريئيل شارون، بل هو شخص عنيد جدا. هذا الشخص الذي يحتاج الى مصادقة من موظف صغير في الحكم العسكري من اجل الخروج من المقاطعة يساوي في قوته الرئيس الاميركي القادر على كل شيء. عندما تم عقد المؤتمر الاقتصادي في المنامة في البحرين، وفقط عباس لم يشارك، فان هذا المؤتمر وكل النبلاء الذين شاركوا فيه تحول الى مهزلة احرجت حتى ايضا العالم العربي.
الفلسطينيون الذين جربوا وعود العالم العربي واسرائيل والاميركيين يقولون “من يتزوج القرد من اجل ماله، يروح المال والقرد يبقى على حاله”. وحتى من ترامب لا يرون المال. والجمهور في اسرائيل سيشكر محمود عباس لأنه حرره من اوهام المجنون الاميركي وأجبره على مواجهة الواقع.