عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Oct-2019

لـوحـات محمد الجالـوس...شجـن الذكــرى ورائحــــة البـــلاد

 

عمان - الدستور - خالد سامح - في معرضه الجديد «أبواب 48 « يتخذ الفنان التشكيلي محمد الجالوس من الأبواب فكرة مجازية ورمزية مشحونةً بالعواطف للتذكير بمأساة تهجير الفلسطينيين من سكانها العرب في العام 1948 ، حيث مازال الكثير ممن عاصروا تلك الأحداث وعايشوها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم العتيقة.
المعرض أفتتح مساء الأربعاء في جاليري بنك القاهرة-عمان بحضور حشد من النقاد والتشكيليين من الأردن والعالم العربي، حيث ضم عشرات الأعمال ذات المساحات البصرية الكبيرة والتي تعكس التطور المستمر الذي تشهده تجربة الفنان وانفتاحه على أفق تجريبية غنية مع الحفاظ على بصمته الخاصة التي يشهد لها نخبة من النقاد على امتداد العالم العربي، وبراعته في توظيف العديد من المواد المختلفة في أعماله وبروز اللمسات النحتية على سطح اللوحة.
لوحات الجالوس الجديدة فيها تجريد تعبيري مركب وعميق يترك للمتلقي مساحة تأملية واسعة، ويتكرر في أغلب الأعمال المعروضة رسم طير الغراب الأسود كرمز للمحتل وماجلبه من مآس وآلام، وفي الموروث الشعبي الفلسطيني والعربي بصورة عامة فإن ذلك الطير فأل شر ودمار وظروف مأساوية قاسية.
ذاكرة المكان الجمعية
في تقديمه للمعرض يكتب الناقد السوري الدكتور صبحي الحديدي والذي حضر حفل الافتتاح قادما من باريس حيث يقيم:
في «أبواب 48» يسعى محمد الجالوس إلى ترويض تلك المقاربة الفريدة، النبيلة والعذبة بقدر ما هي شاقة وعسيرة، والتي تكاد أن تداني المحال حتى حين تتحقق في صيغة افتراضية، على هذا النحو أو ذاك: استعادة ما بعد الذاكرة، أو محاولة استذكار عنصر محوري ناظم، مادّي ومتخيَّل، فعليّ شاهد ومجازي رامز، من ذاكرة لم يعشها شخصياً (ولد الفنان في عمّان، سنة 1960) وإن كان قد تمثّل الكثير من عناصرها ضمن انتماء بشري وشعوري جَمْعي، مكانيّ وزمانيّ في آن.
الباب هنا ليس مجرّد معطى بصري وتشكيلي مشترك يوحّد خطوط الاستذكار ويسيّر عناصر الذاكرة في أقنية تتشابك وتتقاطع لتنتهي عند المصبّ الأكبر، 1948، حيث النكبة والفقد والخسران والرحيل والمجهول والحيرة والتيه، فحسب؛ بل الباب سكنى إنسانية في المقام الأول، وعمارة وعمران، ومخزن وجود بالغ الثراء والامتلاء، سيق إلى خواء واغتراب وعدم. واسترجاعه هنا، كما يفعل الجالوس على سطوح القماش ومنعرجات الكتلة وإيقاعات اللون واشتباك المفردات التشكيلية، إنما يعيد تأثيث البيت من واقع أبوابه التي تنطق بمكوّناتها المختلفة (ألواح الخشب وثقوب الأقفال ورؤوس المسامير)، وكذلك ما يقع خلف الباب من مظاهر عيش وحياة (تبدأ من الأقمشة والأواني، ولا تنتهي عند رفوف الكتب وزخارف الجدران).
ويتابع د. الحديدي:
ويبقى أنّ أبواب الجالوس فلسطينية الأصل والمنشأ، في الواقع كما في المجاز؛ إلا أنّ الحصيلة التي تفضي إليها، وتوحي بها، ترتقي بالتشكيل إلى مصافّ التسجيل الرفيع لذاكرة المكان الجَمْعية، حيث في الوسع استعادة طراز آخر من أبواب المقامات والزوايا ومعاصر الزيت والحمّامات التركية وآبار السبيل؛ أو: حيثما توجّب أن يكون الفلسطيني في حلّ من التذكار، كما شدّد محمود درويش.
 
ابواب الذكرى
الفنان المتعلق بالأمكنة والذي شهدت مسيرته الفنية انجاز أعمال لافتة توثق جماليا لمدن وأماكن عديدة كنابلس وعمّان والقدس المحتلة وغيرها،  يقول عن تجربته الجديدة :
رغم سنوات عمرها التي تجاوزت المائة بقليل، ظلت جدتي لآمي تتذكر تفاصيل تلك الليلة، ليلة الخروج العظيم من ( النعاني )، حاملة معها بعض المتاع الخفيف، برفقة جدي علي وعائلته المكونه من سبعة اطفال.
كان الليل قد تسلل الى سماء القرية، وصمت من نوع غريب خيم على البيوت والازقة، صاحبه اخبار هنا وهناك، تناقلها الناس عن عصابات صهيونية، شرعت بقتل كل من صادفها في الاطراف مروراً بوسط القرى المجاورة، اخبار سرت كالنار في الهشيم، موت يتوزع بالتساوي، بين قرى مسالمة وابواب ونوافذ تركت هنا وهناك، مشرعة على امل العودة القريبة، يوماً او بعض يوم، هكذا تخيل اهل القرى، وهذا ما يفسر انهم لم يحملوا معهم الا القليل من محتويات بيوتهم.
لم يخطر ببال جدتي انها ستقفل باب بيتها الخشبي للمرة الاخيرة، وقد حرصت على اخفاء المفتاح جيداً في جيب ثوبها المطرز، قريباً من القلب وفي وسط الصدر تماماً.
كانت البيوت تئن على وقع اقدام من غادروها، ولم تخمد نيران المواقد وما اعدوه لوجبة العشاء، العشاء الاخير، فقد تناقل الناس روايات لطعام ظل هناك ليستوي على مهل وعبر كل هذه السنوات من الشتات العظيم، هنا انقطع الناس بفعل آلة الموت عن ماضيهم ومعاشهم، وكل ما امتلكوه من اراض زراعية وحيوانات، اغنامهم وجمالهم وابقارهم، ظلت هناك وحيدة، تتفرج عليهم بعيون دامعة، وهم يغادرون دون القاء التحية او الوداع.
احاول في معرضي الان، أن اعبر عن فكرة الباب المجازية، ذلك المتروك بفعل الدم والنار وحديد الموت،هناك في فلسطين، ابواب غادرها اهلها في عام 1948 دون وداع، لاعتقادهم انهم سيعودون خلال ايام على اكثر تقدير، ابواب حملت افراحهم واحزانهم وكانت شاهداً على لياليهم الملاح، واعراسهم ووقع اقدام زوارهم في الاعياد والمناسبات.
ابواب خشبية، بسيطة، صاغوها بايديهم وزينوها بـ (الشيد الأبيض والوان الحقول) و حرصوا ان تظل زاهية، مبتسمة في وجه زوارها، انها ابواب الذكرى، وهو ما آل اليه حالها اليوم، فقد دمر منها الكثير، وبقيت تحرسها في الجانبين، حقول الصبر، تلك الشاهد على اثرها، ابواب ابي وجدي، ابواب 48.
اقدم اليوم هذه التجربة بعد ثلاثة اعوام من العمل عليها، وشجن الذكرى يلفني ويملأ قلبي ووجداني برائحة البلاد، وابواب ما زالت تنتظر أهلها هناك، على شاطئ البحر.
الجالوس ..مشاركات عربية ودولية
والفنان محمد الجالوس مواليد عام 1960 ، ودرس الفن في معهد الفنون الجميلة في عمان ، بين عامي 1979 1981و ، كما حصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأردنية، إلى جانب ترأسه رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين بين عامي 2003 2004، وعضويته في أكثر من لجنة تحكيم فنية داخل الأردن وخارجه، وعضويته الدائمة في اللجنة العليا الدولية لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية في تونس، وإنجازه العديد من الجداريات الفينة في الأردن والخارج.
أقام الجالوس العديد من المعارض في العالم العربي وعواصم غربية، وشارك بملتقيات تشكيلية مهمة في مدن عربية وفي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.