ھآرتس
الغد- روح الكابوس تحوم فوق رأس نحامیا شتراسلر، روح كابوس ”الاشتراكیة الجدیدة“، حسب
تعبیره. بعد أن ھاجمني لأنني أنتقد غلاء المعیشة في إسرائیل (”ھآرتس“، 1/18 ،(ھو متفاجئ
من الردود. ”المشاعر اصبحت تغلي، الشتائم نمت، وكانت لاذعة بشكل خاص“، كتب في 1/22 .ولكن ما العمل؟ إن الناس یشعرون من خلال تجاربھم الحیاتیة أن شتراسلر مخطئ، وأن استخدامھ للإحصاء یذكر بالنكتة القدیمة عن الشخص الذي غرق في نھر عمقھ بالمتوسط 1 سم. أولا، شتراسلر مخطئ في أنھ یتعامل مع غلاء المعیشة فقط من الجانب الاستھلاكي. قبل أن نخرج المال من المحفظة نحن نحتاج أولا أن یدخل الیھا. بكلمات اخرى، الاسعار المرتفعة ھي وجھ واحد للمعادلة. الوجھ الآخر ھو الأجور المنخفضة في إسرائیل، بالنسبة لما ھو مقبول في الدول المتقدمة. حسب تقریر الـ OECD فإن نسبة الحاصلین على أجر منخفض في إسرائیل ھي 4.26 في المائة، مقابل 7.15 في المائة ھو المتوسط في الـ OECD .
صحیح، بنضال عام وبرلماني نجحنا، بواسطة مبادرة ”حد أدنى 30 شیكلا“، في رفع أجر الحد الادنى إلى 5300 شیكل شھریا. الأجر الادنى ارتفع، لكنھ لم یرتفع بما فیھ الكفایة وھو ما یزال منخفضا مقارنة مع الدول المتقدمة الاخرى. لذلك، شعور إسرائیلیین كثیرین أنھم غیر قادرین على انھاء الشھر ھو شعور دقیق.
ھناك معطى آخر یجب أخذه في الحسبان ھو اسعار السكن. في 2011 ازمة السكن كانت عاملا
رئیسیا للاحتجاج الشعبي. لكن منذ ذلك الحین، مؤشر اسعار السكن قفز بـ 44 في المائة اخرى.
في ھذه السنین حدثت زیادة ملموسة لیس فقط في اسعار الشقق للشراء، بل أیضا في ارتفاع
أجرة الشقة. ولأن السكن ھو مركب رئیسي في نفقات العائلة في إسرائیل، عندما لا یستطیع الاشخاص أن یمولوا لأنفسھم مكان سكن، ھم یشعرون أنھ حقا لا یمكنھم اكمال الشھر.
لذلك یجب أن نضیف التآكل المستمر للخدمات الاجتماعیة الذي یؤدي إلى أن العائلات تنفق الآن
مبالغ آخذة في الازدیاد على الصحة والتعلیم والتمریض، بدلا من أن تقدم ھذه كخدمات عامة من قبل الدولة.
أقترح على شتراسلر أن یتحدث مع كل شخص یضطر الآن إلى الانتظار ساعات طویلة في غرفة الطوارئ المكتظة – المكان الذي فیھ عدد قلیل جدا من الاطباء والممرضات، الذین جمیعھم یحصلون على رواتب متدنیة جدا، ویضطرون إلى علاج عدد كبیر جدا من المرضى. أو التحدث مع مرضى یستلقون على الأسرة في أروقة المستشفیات بسبب نقص الأسرة.
الحكومة تقوم بتجفیف الجھاز العام، وتبث لھؤلاء الاشخاص أنھ الآن لا یمكن الاعتماد على الصحة العامة لذلك یجب الذھاب وشراء بولیصات تأمین صحي خاصة مرتفعة الثمن. إن مواجھة ازمة ارتفاع غلاء المعیشة في إسرائیل تمر أیضا عبر تقلیص النفقات الصحیة للعائلات.
أیضا ”التعلیم المجاني“ في إسرائیل لم یعد منذ زمن بالمجان. الآباء الشباب ینفقون كل شھر آلاف الشیكلات على عائلات خاصة تعتني بأولادھم لأن الدولة لا تدیر تعلیم بالمجان عند بدایة عطلة المدارس. أیضا عندما یكبر الاطفال ما یزال یطلب من الآباء الدفع عن النشاطات في ریاض الاطفال والمدارس العامة وعن التعلیم العالي. إن مواجھة ازمة غلاء المعیشة في إسرائیل تمر أیضا عبر تحویل التعلیم العام إلى تعلیم عام بالفعل. ھذا ربما یحبط شتراسلر، لكن عندما یعرضون على الإسرائیلیین تعلیم بالمجان، علاج مجاني، حلول اجتماعیة للسكن ورفع الأجور – سیستقبلون ذلك بحفاوة، حتى عندما یصرخون في وجوھھم بأن ھذه ”اشتراكیة جدیدة“.
شتراسلر یخطئ مرة اخرى عندما ینسب لي حماسة من نشاطات عنیفة على شاكلة ”الستر الصفراء“ في فرنسا، خلافا لما یظھر من اقوالي، أنا غیر متحمس أبدا للعنف، إلى جانب الانتقاد القیمي، أنا أدرك أن الاحتجاج العنیف یجر قمع عنیف. وھذه طریقة آمنة بالتحدید لإسكات المقاومة وكم الافواه. من ماذا حقا أنا أتحمس؟ من استعداد الناس للخروج إلى الخارج واسماع صوتھم، استعداد الناس لكسر دائرة اللامبالاة واختراق الادمان على الیأس. ھذه امور تحدث في اماكن اخرى، وأقل بكثیر تحدث لدینا.
أنا أتجول في البلاد كثیرا، وألتقي الناس. مرة تلو الاخرى أرى أنھ لدینا أیضا في إسرائیل امكانیة كامنة حقیقیة للتغییر. متى یمكن أن تتحقق؟ اذا اقتنع الناس بوجود مغزى لھا، وأننا غیر محكومین بواقع غیاب الحلول. اذا حرر الناس خیالھم الاجتماعي والسیاسي وتجرأوا على الانفصال عن الجمود أحادي الجانب الذي یغلف مجتمعنا، سیكون بالإمكان خلق تغییر حقیقي.
بھذا أنا أنوي العمل علیھ في السنوات القریبة. ھذا ھو السبب في أنني قررت انھاء وظیفتي في الكنیست. لیس بسبب ”تعب المادة“ ولیس بسبب الاستخفاف بأھمیة ھذه المؤسسة، بل من اجل
القیام بعمل عمیق في الجمھور الإسرائیلي وخلق تغییر كبیر من المكان الوحید الذي فیھ یمكن أن ینمو من الأسفل.
*عضو كنیست في ”القائمة المشتركة