عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2020

على فلسطينيي الغور تخمين مستقبلهم - بقلم: هجار شيزاف

 

هآرتس
 
“جيوب”، “دولة فلسطينية” و”منطقة مخصصة للضم”، هذه فقط جزء من الأقوال التي يتم اطلاقها في الهواء في النقاش الصاخب حول الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضفة الغربية. هذا النقاش يجري في الاساس بين الحكومة وبين رؤساء المستوطنين الذين يعارضون اقامة دولة فلسطينية وتحويل 15 مستوطنة إلى جيوب فيها. ولكن لا أحد تقريبا يتطرق إلى الجيوب الاخرى، الغائبة عن خريطة ترامب وهي القرى الفلسطينية التي توجد على الأرض والمخصصة للضم لإسرائيل، ومستقبلها الغامض.
في غور الأردن يظهر للسكان الفلسطينيين أن الجميع يريدون الأرض التي يعيشون عليها، لكن لا أحد يريدهم. مؤخرا يتساءلون حول مصيرهم، يتبادلون فيما بينهم في الواتس أب صور الخرائط والتضاريس ويحاولون التكهن هل هم “في الداخل أم في الخارج”. المقصود بـ “الداخل” هو المنطقة الفلسطينية، والمقصود بـ “الخارج” أنهم سيضمون لإسرائيل في موعد غير واضح.
“هل من المعقول أن لا أحد يقول لنا ما الذي سيحدث معنا إذا حدث الضم؟”، قال خالد (40 سنة) من قرية الجفتلك، وهو يشرب قهوته قرب شارع 90 عابر الغور. القرية التي يعيش فيها إلى جانب أكثر من 10 قرى في الغور، توجد في المنطقة التي يتوقع أن تكون مضمومة لإسرائيل. “نحن في ظلام مطبق. وهذا هو الأسوأ”.
حسب تقرير نشره الدكتور شاؤول اريئيلي في الشهر الماضي، الخبير في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، فان خريطة خطة ترامب تضم لإسرائيل 43 قرية، يعيش فيها حوالي 106 آلاف فلسطيني. و11 قرية من هذه القرى توجد في الغور، ويعيش فيها 11 ألف فلسطيني. وبالنسبة لمكانتهم فان رئيس الحكومة نتنياهو قال في مقابلة اجراها مؤخرا مع صحيفة “إسرائيل اليوم” بأنهم لن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، بل سيبقون “رعايا فلسطينيين”. ولكن ما زال من غير الواضح إذا كان هذا الأمر سيحدث حقا.
على سبيل المثال قرية الجفتلك رغم أنها إحدى القرى التي صادقت إسرائيل لها على خطة هيكلية، فسكانها لا يمكنهم مواصلة البناء وهم يعانون من عمليات الهدم المتكررة. هذا ايضا السبب في أن سالم، أحد سكان القرية، اضطر إلى العيش في خيمة مصنوعة من الأغطية البلاستيكية مع اولاده الـ 17.
عمليات الهدم لا تحدث فقط في الجفتلك. وحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا”، فمنذ بداية 2020 قامت إسرائيل بهدم 16 بيتا مأهولا في الغور، و47 بيتا غير مأهول وبنى تحتية ومنشآت زراعية في المنطقة. ورغم أن هدم البيوت لا يخلق العناوين في الصحف، إلا أنه يقلق السكان أكثر من الضم. “الاكتظاظ في القرية يزداد بسبب عدم السماح لنا بتوسيعها”، قال بسام الذي يعيش في فصايل مع زوجتين و14 ولدا في بيت صغير. “بعد عشر سنوات سيكون لي أحفاد، وهذا لن يكون بيتا بل مخيما صغيرا للاجئين”، وقال بأنه سيكون مسرورا إذا غير الضم هذا الوضع. “في نهاية المطاف نحن نريد أن نكون سعداء. وإذا كان الضم مفيدا لنا فنحن سنكون معه، وإذا كان شرا لنا فسنكون ضده”.
بدون كهرباء ومياه
رشيد خضري، أحد سكان قرية بردلة المخصصة للضم، يعتقد أن عدم مبالاة سكان الغور الفلسطينيين بالنسبة للضم، تنبع من قلة الادراك. “هناك أناس كثيرون فقدوا الأمل، ولا يوجد أي أحد يقدر لهم الحلول، سواء من السلطة أو من إسرائيل”، قال. “نحن نعيش تحت الاحتلال. وفي الغور هذا بالاساس يظهر من خلال هدم البيوت والسيطرة على موارد المياه”.
خضري، الناشط في منظمة “تضامن غور الأردن” التي تعنى بحقوق الفلسطينيين في المنطقة، قال إنه خلال السنين هدمت إسرائيل آبار مياه في ارجاء الغور ولم تسمح بتطوير مستقل للبنى التحتية للمياه، حيث اضطر الكثير من الفلسطينيين الى نقل المياه من مناطق أ و ب بتكلفة عالية. وحسب معطيات نقلتها الإدارة المدنية الى جمعية حقوق المواطن، فانه بين الأعوام 2010 – 2016 صدرت اوامر ضد 13 عملية حفر للفلسطينيين عن آبار المياه في الغور، هذا في الوقت الذي فيه معظم حفريات استخراج المياه الإسرائيلية في الضفة الغربية توجد في الغور. والسحب الزائد، حسب الفلسطينيين، يجفف آبارهم.
الحل الوحيد لهذه الاوامر، قال خضري، هو دولة فلسطينية. “لم يحاول أي شخص في إسرائيل أن يدفع قدما بهذا الحل في السنوات العشرة الاخيرة. فماذا يتوقعون منا نحن الفلسطينيين، أن نعود مرة اخرى الى المفاوضات؟ نحن بحاجة الى دولة خاصة بنا والى انتخابات”.
الظروف الصعبة التي يصفها خضري هي ظروف مشتركة لجميع سكان المنطقة. في نهاية شارع ألون في الغور يعيش فتحي ضراغمة (62 سنة) من تجمع البدو عين الحلوة، في خيمة مصنوعة من الاغطية البلاستيكية والاعمدة بدون ربط بالكهرباء والمياه. هو واولاده العشرة يقومون بأخذ الاغنام والابقار الى المرعى كل يوم. وحسب الأمم المتحدة فانه في العام 2016 تم اخلاء 60 شخص من هذا التجمع من بيوتهم. وفي العام 2017 اصدرت الإدارة المدنية اوامر باخلاء لـ 300 من سكان هذا التجمع من المنطقة التي أعلنت كمنطقة عسكرية، لكن بعد استئناف تم الإعلان بأنه انتهت فترة سريان الأمر وأن الدولة لا تنوي تمديده.
اذا كان خطر الاخلاء ايضا لا يحلق فوقهم الآن، فان منطقة رعي ضراغمة آخذة في التقلص على مر السنين، حيث أن المستوطنين في المنطقة يقومون بطرده بذريعة أن المنطقة تعود لهم. “حتى عندما أبتعد وأذهب للرعي في منطقة اخرى يقولون لي “هذا ليس مكانك، اذهب من هنا””، قال. والشرطة من ناحيتها تقوم بابعاده عن المكان وليس المستوطنين. والآن نشطاء من منظمة تعايش الاسرائيلية يرافقونه الى المرعى. ولكنهم لم يعملوا في فترة الكورونا. وضراغمة قال إن محاولة طرده من قبل المستوطنين ازدادت شدة.
وعن الضم قال بسخرية أنه سمع عنه في التلفاز. “لماذا يحتاجون الى أن ينظر كل العالم اليهم؟”، سأل، “حيث أن اسرائيل تأخذ لنا ارضنا، والمستوطنون يفلحون الاراضي الفلسطينية على ضفة نهر الاردن، ولا أحد يقول لهم شيئا”. ضراغمة ايضا متشائم من امكانية أن يحصل سكان المنطقة على بطاقات الهوية الزرقاء، وهو ايضا يخاف من أن يقوموا باخلائه أو اقامة جدار بينه وبين المنطقة التي يتوقع أن تكون من اراضي الدولة الفلسطينية. “إبني يعيش في قرية تياسير وأنا لماذا احتاج الى تصريح من اجل زيارته”.
على طول شارع فلسطيني يمكننا رؤية فلسطينيين يبيعون في محلاتهم. وفي قرية العوجا يتم بيع الفقوس والخروش الذي يشبه الخيار الآن، والبطيخ ايضا. وهذه مزروعات انتقل اليها سكان المنطقة لأنها اكثر توفيرا للمياه.
القرية معروفة بفضل النبع الذي ينبع من خلف بيوتها. في الصيف عندما ترتفع درجة الحرارة يأتي الى النبع الفلسطينيون والمستوطنون، حيث يستمتعون داخل منبع النبع. في الأسبوع الماضي جاء عشرات الشباب الفلسطينيين الذين جاءوا من اجل العمل في الزراعة في المستوطنات، جاءوا الى النبع للاستمتاع بهذه المياه. والد أحدهم طرح موقفه من الضم. “اسرائيل كان يجب عليها أن تمنح الجميع هنا الجنسية قبل ثلاثين سنة وانهاء هذا الأميري”، قال واضاف “أنا ترعرعت مع الإسرائيليين، لكن الوضع المؤقت الذي لا توجد لنا فيه حقوق، وفي المقابل الجنود يقومون بقتل الشباب الفلسطينيين المعوقين، سيؤدي الى الانفجار”.
اضافة إلى التداعيات على سكان الغور، غير المعروفة بالكامل، فانه سيكون لضم المنطقة ايضا تداعيات بعيدة المدى على جميع الضفة الغربية. “غور الأردن هو المنطقة الزراعية الأكبر في الضفة، والمنطقة التي يوجد فيها أكبر قدر من المياه الجوفية. لذلك، هي حاسمة لامكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية القابلة للحياة”، شرح اسامة علواق، أحد سكان أريحا والعضو في حركة “محاربون من اجل السلام”. “الغور هو ايضا الحدود الوحيدة للضفة مع دولة اخرى والمنفذ الوحيد للفلسطينيين الى العالم. واذا تم ضمه فان أي خروج من الضفة سيكون بحاجة الى المرور باسرائيل”.
المدينة الفلسطينية الأكبر في الغور، اريحا، يعيش فيها 20 ألف نسمة تقريبا حسب الاحصاء الفلسطيني في العام 2017. في حين أن المدينة نفسها غير معدة للضم في خريطة ترامب، فان ضم باقي الغور سيكون له تأثير حاسم عليها. “اريحا ستتحول الى غيتو وستموت اقتصاديا عندما ستكون محاطة باسرائيل من كل الجهات”، قال علواق. وحسب قوله، الضم سيؤدي ايضا الى خسارة معظم مصادر المياه لاريحا. في محيط المدينة توجد خمسة ينابيع، اربعة منها تقع تحت سيطرة اسرائيل. وقد قال إنه طوال الصيف البيت يحصل على المياه فقط مدة نصف يوم، فيه يقوم بملء الخزانات لباقي الوقت.
“عندما قمنا بالتوقيع على اوسلو تصالحنا على 22 في المائة من ارض وطننا التاريخية، وتنازلنا عن حلمنا. ومنذ ذلك الحين فان هذه المساحة آخذة في التقلص”، قال علواق. “اذا اقتبسنا جون كنيدي، فانه لايمكن اجراء المفاوضات مع من يقول إن ما لي هو لي وكل ما هو لديك قابل للتفاوض”.