الغد
هآرتس
بقلم: يوسف زعيرا 7/9/2025
عودة بشارات يتساءل كيف تصمد إسرائيل في الحرب المتواصلة بدون ان تدفع ثمن اقتصادي حقيقي ("هآرتس"، 1/9). تفسير بشارات هو ان إسرائيل تحصل على الأموال من الغرب، لأنها تعمل مثل قاعدة قوة عسكرية في الشرق الأوسط، التي هي حيوية لمصالح الامبراطورية الأميركية. عودة اقتبس الأقوال الأميركية، أن إسرائيل حاملة الطائرات الأكبر للولايات المتحدة. هذا ادعاء متشائم، ينبع منه أنه لا يمكن إنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وإنهاء الحرب والاحتلال.
بشارات هو كاتب موهوب، لكنه يخطئ في تحليله الاقتصادي للنزاع. أولا، توجد للحرب التي تشنها إسرائيل منذ سنتين تكلفة مهمة. ومثل كل اندفاع للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن هذه الحرب أدت إلى الركود. هكذا كان الأمر في الانتفاضة الأولى في 1987، وفي الأعوام 1997 – 1999 بعد قتل رابين، وفي الأعوام 2001 – 2004 في فترة الانتفاضة الثانية.
هذه المرة الحرب أوجدت ركودا اكثر شدة. بعد تشرين الأول (أكتوبر) 2023 انخفض الناتج المحلي الإجمالي 3 % عن المنحى بعيد المدى. الناتج التجاري انخفض 8 %. الاستثمارات انخفضت 20 % تحت المنحى. في الواقع زيادة نسبة البطالة هي صغيرة نسبيا بسبب تجنيد الاحتياط الواسع، لكن هذا ما يزال ركودا حقيقيا.
ثانيا، تكلفة النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين الاقتصادية مرتفعة، ليس فقط في زمن الاندلاعات العنيفة، بل أيضا في الأوقات العادية. في كتابي "اقتصاد إسرائيل"، قمت بحساب تكلفة النزاع في الأوقات العادية لـ "إدارة النزاع"، وهي مرتفعة جدا. لأنه لو كانت تسوية سياسية للنزاع لكان الإنتاج والدخل في إسرائيل أعلى. التكلفة الأولى هي انخفاض رأس المال البشري، حيث إن الخدمة النظامية في الجيش تجعل من يخدمون يدخلون بشكل متأخر إلى مسار التعليم والعمل. إذا توصلت إسرائيل إلى تسوية سياسية فهي تستطيع تقصير مدة الخدمة النظامية، الأمر الذي يمكن من زيادة الناتج والدخل 4 % من الإنتاج.
التكلفة الثانية تنبع من المخاطرة التي تنطوي على النزاع، التي تؤدي إلى أن كمية رأس المال المادي في إسرائيل متدنية نسبيا. إذا توصلنا إلى تسوية سياسية وتمكنا من تقليص المخاطرة إلى مستوى أميركا فسنستطيع زيادة الإنتاج 26 %. التسوية السياسية كان يمكن أن تزيد متوسط الدخل للإسرائيليين 30 %.
بشارات قام بوصف الأمهات الإسرائيليات (اللواتي يرافقن الأبناء إلى مكاتب التجنيد، بالقيام بالعمل القذر للغرب)، لكن الأمهات يعرفن أن هذه الحرب يترتب عليها فقدان الحياة، ليس فقط حياة الفلسطينيين، بل حياة ابناءهن أيضا. وقد اثبتن في السابق بأنه إذا لم يقتنعن بضرورة الحرب فانه يمكنهن التسبب بإنهائها. هذا غير سهل، ولكنه حدث شيء كهذا. أي أن الخدمة التي تقدمها حاملة الطائرات، إسرائيل، للولايات المتحدة، تكلفنا ليس فقط اقتصاديا، بل أيضا تكلفنا الأرواح.
بالمناسبة، الثمن الذي تدفعه الولايات المتحدة لحاملة طائراتها بواسطة المساعدات الأمنية غير مرتفعة جدا، وفي الأوقات العادية هي أقل من 1 % من الناتج المحلي في إسرائيل. ولان تكلفة الأمن في إسرائيل أعلى 3 % واكثر من الناتج المحلي مقارنة مع دول أخرى فان المساعدات الأميركية بعيدة عن تغطية حتى هذا الفرق.
الاعتبارات الاقتصادية ليست هي التي تجعل إسرائيل تواصل النزاع مع الفلسطينيين، بل الاعتبارات الجيوسياسية والإيديولوجية من أجل السيطرة على الأراضي باستخدام القوة. هذه الاعتبارات يمكن أحيانا أن تكون مناسبة لمصالح الغرب، لكن يمكن أيضا أن تعمل ضدها. ما يجعل الغرب يكتشف أن حاملة طائراته هي ثمينة جدا، وانه ربما من الجدير تقليص قليل من مساحتها. في الوقت الحالي تشن إسرائيل حرب ضروس ضد الفلسطينيين في غزة وتهدد وجودهم المادي، الصحي والمجتمعي. هذه الحرب تعزل إسرائيل في العالم، وللمرة الأولى تعزلها في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة. الدول الغربية هي دول ديمقراطية، وستضطر آجلا أم عاجلا الاستجابة لمشاعر شعوبها. عندها ستقف إسرائيل أمام قربة معطوبة أو على الأقل مثقوبة.
من أجل فهم ذلك نذكر بان مقولة حاملة الطائرات الأميركية، لم يتم قولها فقط على لسان روبرت كنيدي الصغير، التي تتم السخرية منها قليلا. في السابق قال ذلك جو بايدن أيضا، عندما كان سناتورا، والكسندر هيغ عندما كان وزير الخارجية وغيرهم. الآن لم يعد يوجد زعماء أميركيون جديون يتحدثون بهذه الطريقة، ربما لأنهم يشعرون بالتغيير الذي حدث في الرأي العام الأميركي، وبدأوا يتساوقون معه.