عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Aug-2020

حبة الفطر البيروتية* رمزي الغزوي
الدستور -
في مثل هذا اليوم من عام 1945، وبعدما ألقت الطائرة الأمريكية القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في نهايات الحرب العالمية الثانية، وانفجارها المفزع. نظر الطيار إلى الغيمة التي تشبه حبة الفطر الكبيرة تجتاح بوح السماء وتشق عنانها، فلطم وجهه قائلاً: يا ربي ماذا فعلنا بالإنسان؟. في ذلك اليوم المهول طمس وجه الأرض كليا، وتغيرت ملامحها، وتحولت الأجساد المشوية في أتونها إلى حساء نووي.بزغت أول أمس في سماء بيروت غيمة فطر وردية، شلعت قلوبنا من صدورنا، وهزّت أركاننا. لم نكن هناك قرب المرفأ، لكن المصاب بعج أرواحنا وأدمانا. ألا تبت يدا من أدماك يا ست الدنيا يا بيروت. تبدت يداه، وخاب مسعاه. يا وجعا في الخاصرة، يا غصة في ماء. سلام عليك أنّى فاض الدمع الحارق وأنَّ الألم الباتر، وفار الدم.
من يرى مشهد الميناء؛ لن يقول إلا أن قنبلة نووية صغيرة قد انفجرت فيه وأحالته خراباً وركاما. من يرى الفزع في عيون الأشقاء سيعرف كم يعاني هذا البلد الموهوب للنكبات والأوجاع.
من شاهد ماء البحر يمتص ثورة الانفجار، ومن شاهد المشهد المرعب في باحة الميناء، وشاهد صوامع القمح وحطامها، سيتذكر هيروشيما ونجازاكي المنكوبتين. ومن راى الدموع الجائشة في عيون عمدة بيروت؛ سيعرف حجم ذلك الألم الذي لف أهلنا ولفنا معهم. قلوبنا بيروتية.
من المفارقات الساخرة أن الأمريكان كانوا قد أطلقوا لقب (الطفل الوليد) على القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما. وهذا اللقب كما ترون مفعم بالحنان والبراءة، ولكنه جعل العالم آنذاك يقف على رؤوس أصابعه هلعاً. فأي لقب سيليق بغمية الفطر البيروتية الوردية التي أثكلت لبنان بكامل أرزه. أي لقب هذا الذي سيكون حاملا للمعنى والمبنى. هل هو العدوان؟ أم الإهمال؟ أم هو الحرب بصورة أقرب؟.
كل الأبواب مشرعة على كل الاحتمالات المتاحة. مع أنه لا شيء يحدث صدفة في بيروت أبداً. لا شيء يحدث صدفة في هذه العاصمة العصية على الأوجاع والانكسارات، هذا ما علمتنا إياه السياسة على الأقل عن ذلك البلد الذي هو قطعة سما، أو كمشة نجوم: لبنان القوي بقدر ضعفه، المتحد بقسمته، الصامد بقدر انهياره، الغني بقدر فقره.
من يقف وراء هذا الدمار؟. وكيف هانت بيروت على من سكنوها. كيف هانت عليهم مرارا وتكرارا. لا أحد يتقمص قلب القاتل، وقد يتقمص قلب القتيل. رحم الله الشهداء، وشافى الجرحى، وعوض على الأشقاء في لبنان.