عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jul-2018

الرد الفلسطيني على قرار ترامب وصفقته عظيم لكن المطلوب هو المبادرة *عماد شقور

 القدس العربي-أفضل وأعظم رد فعل، أسوأ وأقل فائدة من أي مبادرة، حتى لو كانت تلك المبادرة من الوزن الخفيف. هذا قانون في العمل السياسي، وهو قاعدة في الحياة بشكل عام. وتقول الحكمة الصينية القديمة، التي ينسبها البعض لمكيافيلي صاحب كتاب «الأمير»، فيما ينسبها آخرون إلى نابليون بونابرت، إن «خير وسيلة للدفاع هي الهجوم».

هكذا تعلمنا من إسرائيل في حرب يونيو 1967، وهكذا تعلمنا من مصر وسوريا في حرب أكتوبر 1973. وما يصح في الحرب، صحيح في السياسة والمفاوضات، وبناء التحالفات والأحلاف السياسية والعسكرية. تبقى القاعدة نفسها، وتتغير التعابير فقط. في الحرب والمواجهات العسكرية نستخدم تعبيري «الدفاع والهجوم»، وفي السياسة، وباقي مناحي الحياة، نستخدم تعبيري «الرد والمبادرة». أين نحن في هذه المعادلة، وأي دور تلعبه القيادة الفلسطينية الشرعية؟ وأي سياسة تعتمد وترسم خطاها؟
محور التحركات على الصعيد الذي يخصنا كفلسطينيين تحديدا، هذه الأيام، على مجمل الساحات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والدولية، هو: مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أطلق عليها اسم «صفقة القرن»، وأعلن قبل كشف بنودها اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل (من دون أن يعلن صراحة عن حدودها، وإن كان قد ذكر تلميحا أنها «القدس التي تضم الكنيست ومقر الحكومة والرئيس والمحكمة العليا»، وجميع هذه المقرات في القدس الغربية المحتلة منذ 1948). ولهذا فإننا سنقصر الكلام هنا حول هذا المحور، وردود الفعل عليه.
نلاحظ بداية موقفا فلسطينيا رسميا رافضا لهذه «الصفقة» ومقدماتها بشكل قاطع تماما، عبّر عنه الرئيس الفلسطيني أبو مازن، بقول صريح، وبفعل معلن، تمثل في قطع أي اتصال مع الرئيس ترامب وإدارته ومبعوثيه، ما لم تتراجع أمريكا عن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعن تنفيذها نقل سفارتها إليها.
لاقى قرار ترامب المذكور رد فعل دولي صاخب، تم التعبير عنه برفض نادر في شدة وضوحه، في مجلس الأمن بداية، ثم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي غيرها من المحافل الدولية، وهذا ما شكل ريحا مواتية للشراع الفلسطيني. إلا أن هذا الموقف الفلسطيني الجيد والمطلوب، يظل محصورا في خانة الفعل السلبي العاقر. فهو بطبيعة الحال فعل دفاعي لا بد منه، لكنه يبقى، رغم ذلك، رد فعل أكثر منه فعلا. وذلك ما يستدعي، بالضرورة، تدعيمه بفعل إيجابي، يتمثل بمبادرة فلسطينية رسمية، ترفع من سوية المعالجة لكل جوانب القضية الفلسطينية، على كافة الأصعدة، وينطلق بموازاة ذلك تحرك فلسطيني جدي، لحشد التأييد لهذه المبادرة، في جميع الساحات: الساحة الوطنية، وساحة العدو المحتل والمستعمِر، والساحة الدولية، والدفع باتجاه تحويلها الى المحور الرئيسي، الطاغي على كل ما عداه من محاور، وأولها محور «صفقة القرن».
ليس سهلا إعداد وإطلاق مبادرة سياسية جدية، تسعى لتأمين تأييد وطني فلسطيني وعربي ودولي. ذلك يستدعي مساهمات من مراكز أبحاث ودراسات، وجلسات عصف فكري لذوي خبرات عملية، تضع أمام القيادة الوطنية الشرعية بدائل وخيارات، وتسجل المنافع والمخاطر لكل واحد من هذه البدائل. وإذا كان لا بد من طرح بعض المقترحات، لما يمكن أن يشكل نواة بحث أولي، لنقاط مبادرة فلسطينية أرى ضرورة إطلاقها في هذه المرحلة، فإنه يمكن إيجاز بنودها الرئيسية على النحو التالي:
ـ اعتماد جوهر ما ورد في مشروع الرئيس الامريكي الأسبق، بيل كلينتون، حول القدس، وأحيائها العربية وحائط البراق/المبكى، واعتمادها عاصمة للدولة الفلسطينية.
ـ إعادة التركيز على النقاط الأساسية في المبادرة العربية التي قدمتها السعودية وأقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.
ـ الاستعداد للدخول في مفاوضات تقتصر على كيفية تطبيق ما ورد في البندين السابقين، تحت غطاء عربي ودولي، وجدول زمني محدد.
ـ تبادر القيادة الفلسطينية الشرعية بالإعلان مسبقا، أن ما تسعى لتحقيقه هو بناء الدولة الفلسطينية، وليس هدم دولة إسرائيل، وهذا ما يستدعي التزام إسرائيل مسبقا، بالتعويض على الفلسطينيين عن الأملاك العامة، في الأراضي التي ضمتها بموجب اتفاقيات الهدنة لسنة 1949، بينها وبين دول الطوق الأربع: مصر والأردن وسوريا ولبنان، من خارج الأراضي التي أقرتها الأمم المتحدة لـ»الدولة اليهودية» في قرار التقسيم سنة 1947.
هذا البند الأخير، هو الضمانة الحقيقية لتمكين دولة فلسطين من بدء بناء اقتصاد فلسطيني مستقر وواعد، وهو حق أقرته الشرعية الدولية باعتمادها قرار التقسيم. وعندما يكون التوجه نحو بناء الذات وليس هدم الآخر، من جهة، ويكون الخلاف مع اسرائيل، في هذا البند، خلافا ماديا، من جهة ثانية، فإنه يمكن توقع التوصل إلى نتائج إيجابية، خلال فترة زمنية معقولة.
ما تقدم ليس مبادرة فلسطينية متكاملة، وإنما هو مجرد نقاط أولية تصلح لإثارة نقاش ضروري ومطلوب، يهدف إلى منع استمرار احتلال «صفقة القرن» لموقع الصدارة في كل ما يخص القضية الفلسطينية. كذلك فإن كل ما تقدم، حتى إن انتهى إلى النتيجة المرجوة، وشكل واحتل موقع الصدارة على الصعيد الدولي في ما يخص قضية شعبنا، فإنه ليس بديلا على الإطلاق، عن أي نشاط ونضال فلسطيني مشروع آخر، يتوجب على القيادة الفلسطينية قيادته ورعايته، بدءاَ من «مسيرات العودة» في قطاع غزة، وأطفال وفتية الطائرات الورقية التي تؤرق اسرائيل، مرورا بكل نشاطات لجان المقاطعة الـ «بي دي إس»، وانتهاء بكل ما يتفتق عنه إبداع المناضلين الفلسطينيين من وسائل وأساليب ومبادرات، أسوة بمن سبقهم من شعوب تمكنت بإمكانياتها بالغة التواضع، من قهر وهزيمة المستعمرين والمعتدين، وآخرها تجربة فيتنام في مواجهة القوة الأكبر في العالم.
 
كاتب فلسطيني