عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2025

تدمير غزة بدون انتصار

 الغد

هآرتس
 
بقلم: ديمتري شومسكي  16/9/2025
 
كل من لا يشاركون في حب الشخصية لنتنياهو في اوساط الجمهور الاسرائيلي يدركون جيدا انه في السنوات الحاسمة التي سبقت مذبحة 7 اكتوبر، كان نتنياهو بالنسبة لحماس ذخر اغلى من الذهب، لانه سمح بشكل غير مباشر وبوعي بزيادة قوتها ونموها الدراماتيكي من خلال الاموال القطرية، الى درجة تحولها من منظمة هامشية الى جيش مدرب ومقاتل. ولكن الآن ايضا، بعد سنتين على الحرب في 7 اكتوبر التي لا تنتهي وعديمة الجدوى، يبدو ان اسرائيل نتنياهو بسلوكها الانتحاري تفعل كل ما في استطاعتها من اجل عدم جعل حماس باقية ورأسها فوق الماء، بل حتى ان تضمن بالنسبة لها انجازات كبيرة في الحرب الضروس التي تشنها ضد "الكيان الصهيوني".
 
 
  هناك مجالات اساسية في جبهة الصراع بين حماس واسرائيل، التي بدأ يظهر فيها الآن تفوق واضح للمنظمة، الاسلامية القومية، على الدولة الكهانية القومية لنتنياهو – وهي مجال الصورة الامنية والمجال الاخلاقي الحربي. كل ذلك بعد ان كانت مكانة حماس خلال فترة طويلة، في كل واحد من هذه المجالات، في الحضيض، من ناحية الصورة العسكرية – الامنية أو الضربات الشديدة التي تسببت بها اسرائيل لحماس، لم تترجم في أي مرحلة الى صورة مقنعة للانتصار الحقيقي. حيث انه بدلا من استكمال الانتصارات العسكرية لحماس بضربة قاضية سياسية الى درجة ابعادها المنسق اقليميا ودوليا، لصالح السلطة الفلسطينية – فان اسرائيل اختارت استمرار الحرب بلا نهاية لضمان البقاء القانوني والسياسي للزعيم، وكذلك من اجل منع التوحد بين غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية واحدة معتدلة. النتيجة هي ان تنظيم متعب ومصاب، الذي كان على شفا الانهيار المطلق، يظهر الآن اكثر فاكثر حبة جوز عسكرية قاسية، لا يستطيع الجيش الاقوى في الشرق الاوسط هزيمتها.
  هذا الانطباع آخذ في التعزز بالتحديد على خلفية الانتصارات الباهرة لاسرائيل في الساحة الايرانية وضد حزب الله في لبنان. في حين أن التفوق الاسرائيلي في هاتين الجبهتين كان حاسما، فان حماس ليس فقط ترفض الاستسلام، بل هي حتى تواصل قضم ذيل الجيش الاسرائيلي والحاق المزيد والمزيد من الخسائر به. هكذا، بفضل الجهود الكبيرة لنتنياهو، مواصلة القتال الذي لا نهاية له، تنمو بالتدريج امام انظارنا الروح الفلسطينية الجديدة الغضة عن المقاومة البطولية لحماس التي بقيت لوحدها صامدة امام الاحتلال الصهيوني.
   ها هي الدولة والمجتمع الاسرائيلي، والجيش الاسرائيلي ايضا، سرعان ما انتقلوا هم انفسهم، بصورة فظة وواضحة في ايام عملية تدمير مدينة غزة. كل يوم يقومون بإعدام عشرات المدنيين بواسطة عمليات القصف الاسرائيلية، في حين ان اسرائيل لا تحاول ان تبث، لو ظاهريا، أي تركيز على الاهداف العسكرية ومقاتلي حماس.
 تحت رعاية مجرم الحرب في واشنطن، الذي يبدو انه سيعلن عن عقوبات ضد لجنة جائزة نوبل للسلام اذا لم يحصل عليها، بالضبط مثلما يلاحق القضاة في لاهاي، فإن اسرائيل فقدت كل عنان. ومثلما كتب قبل فترة قصيرة عاموس هرئيل فإن الجيش الاسرائيلي يسمي قصف الأبراج في غزة "اهداف ضخمة"، حيث ان القصد هو مهاجمة اهداف تظهر من بعيد لإثارة الرعب في اوساط السكان الفلسطينيين. بكلمات اخرى، اسرائيل تعلن بشكل علني وبدون خجل انها تنوي ارتكاب جرائم حرب في المدينة وجرائم ضد الانسانية – من اجل فرض الرعب على المدنيين وجعلهم يختارون "الهجرة الطوعية" (كيف يمكن تفسير بطريقة اخرى الرغبة في زرع الرعب في اوساط السكان، حيث في الخلفية يوجد خطاب التطهير العرقي المقيت بشأن اقامة ريفييرا في غزة على انقاض الوجود الفلسطيني؟).
   ازاء كل ذلك، في كل ما يتعلق بالاخلاق العسكرية، فقد اصبحت اسرائيل: بطلة كبيرة على المدنيين والمباني – وايضا على رجال طاقم المفاوضات الذين يرتدون ربطة العنق من حماس في الدوحة، في الوقت الذي هي فيه غير قادرة على هزيمة المقاتلين في الانفاق، الذين يحتجزون المخطوفين والجثث. في المقابل، تترسخ على هذه الخلفية الصورة المشوهة، لكن الحتمية لحماس كرمز للنضال الوطني للشعب الفلسطيني امام المحتلين الذين أحدثوا النكبة الثانية. ومثلما في السنوات التي سبقت المذبحة فإن حماس الآن ايضا مدينة بالشكر الكبير لنتنياهو. فبفضل حرب تدميره الخاسرة ضد المدنيين الفلسطينيين، التي تبتعد بشكل متعمد عن تحقيق الانتصار المحتمل الوحيد على حماس.