الدستور
نرى، وبشكل شبه أسبوعي، وبكل أسف، قضايا عنف مجتمعي يكون ضحيتها الابرياء. هذا العنف الاسري والاجتماعي يزهق الارواح وبشكل عشوائي مخيف ومقلق جدا، ولا زلنا كمجتمع لا نرغب في التصدي له بجدية خارج المعالجات الامنية والقضائية. فكيف وصلنا الى هذه الحالة الحرجة ونحن مجتمع يعتز بكونه مسالما ومتسامحا؟
عدا عن الخسائر في الارواح، وهي غالية، فاننا ايضا ندفع اثمانا نفسية ومعنوية باهظة، وعلينا التعامل الصادق والشجاع معها. يهدد العنف المجتمعي امننا النفسي والاجتماعي بابعد من ما نتخيل. هذه الصدامات الدموية اللامبررة، تحت اي من الظروف، لا يجوز ان يتم حصرها بالناحيتتين الامنية والقانونية، اذ ان هناك اسئلة مهمة لا بد من طرحها والبحث عن اجاباتها، والا تفاقمت الاوضاع وادت الى عواقب غير محمودة.
نحن بحاجة الى الاستعانة بعلماء النفس والاجتماع وخبراء الجريمة وغيرهم من المختصين حتى ندرس هذه الظاهرة بطريقة علمية ونخرج بتوصيات تؤطّر لسياسات تمكننا من التعامل معها بعلم ومعرفة. لا يكفي، بل من المضر، ان نردد بعد كل هكذا حادثة انها حالات منعزلة وبعيدة عن قيم وعادات وممارسات مجتمعنا. الواقع للاسف يخالف ذلك. نعم، اننا نعلم ان طبيعة الانسان الاردني طيبة وذات اخلاق نبيلة، فكيف نبرر التناقض الحاصل مع تزايد العنف العبثي والعدمي ما بين افراد المجمتع؟ فهلا من تفسير يتبعه علاج ناجح؟
من مسؤولياتنا كمجتمع، وكحكومات، ان ندرج هذه القضية الخطيرة على اولويات الاجندة الوطنية، وان نتعاطى معها بجدية. ان ارتكاب افراد لهكذا عنف دموي ضد أفراد من عائلاتهم وجيرانهم وابناء حيهم او حتى الغرباء عنهم، وبهذه البساطة، ليس امرا عاديا ولا طبيعيا. لا بد من فهم وتحليل هذه الظاهرة نفسياً ومجتمعياً والتي تبدو دوافعها آنية، ولكنها ترتكب بحماسة مفرطة وغريبة، وبشكل يوحي أن جذورها معقدة، ولا بد من تعزيز الوعي وتثقيف المجتمع لأضرار العنف المجتمعي وتشجيع القيم السلمية والمساواة وحقوق الإنسان وتقوية الشعور بالانتماء وحب الأرض والإنسان والتي يمكن أن تساهم في التقليل من حدوث العنف وبناء مجتمع آمن ومزدهر. الحل اكبر وادق من تشديد العقوبات او ضبط الاسلحة النارية والبيضاء، انه موضوع نفسي ومجتمعي معقد يكاد يستصرخ العلم والمعرفة الممنهجة لحله، وليس الاراء العامة او الانطباعات الشكلية.