عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jan-2020

جيوب الفقر ودفء القمامة* رمزي الغزوي
الدستور - في العادة تحتل العاصمة المنغولية (أولان باتور) المركز الأول في التلوث عالمياً، والتي وصلت مستوياته فيها إلى 280 ميكروجراماً لكل متر مكعب في شتاء السنة الماضية، علماً بأن النسبة التي تحددها منظمة الصحة العالمية، يجب ألا تتجاوز العشرين ميكروجراماً للمتر المكعب الواحد.
بالطبع هذه المدينة ليس صناعية، وعدد سكانها لا يتجاوز المليون والنصف نسمة، ولكنهم يستخدمون مدافئ الفحم والحطب. ولهذا يبدو سماؤها مقطباً مكفهراً، مسوداً، وكأنه ملبد بالهباب والسخام، خصوصا في هذا الأيام الباردة.
ولولا خشيتي أن أتزحزح عن جادة الصواب، لقلت إن بعضاً من قرانا الفقيرة في هذه الايام وجيوبنا العامرة بالعدم، باتت تنافس (أولان باتور) بالتلوث والهباب. إنهم يوقدون كل شيء يا سادة: حطباً، فحماً، أحذية قديمة، وبساطير، كرتوناً، فوط أطفال، بلاستيكاً، جفتاً، زيتاً محروقاً. إنهم يوقدون كل قمامتهم حتى آخر كيس بلاستيكي ويوقدون كل ما تصله أيادي البرد.
لا أريد أن أعيد اقتراحاً قديماً اطلقه أحد البطرانين ينصح الأردنيين، أن يهاجروا مطلع كل شتاء، إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، كما تهاجر الطيور، بحثاً عن مواطئ الدفء، كي نقلِّص فاتورتنا النفطية المتغولة، لأنه اقتراح لا يرش إلا سكراً بارداً على الموت، وينسى أن الفقر ليس له أجنحة تطير.
الفقير لا يفكر في التلوث البيئي، ولا يأبه بغيومه السوداء، ومستوياته العالية، ورائحته الكريهة، ولا يأبه بأن قطع شجرة معمرة من غابة مجاورة، يحرمنا من الأوكسجين والرطوبة، ولا يفكر في أضرار الغازات المنبعثة من احتراق الكاوتشوك والنايلون. فكل شيء في سبيل الدفء يهون، وقد قال قائل منهم: نريد أن ندفئ صغارنا، حتى لو أشعلنا دفوف ظهورنا، وإعوجاج أضلاعنا.
منذ زمن بعيد والأصوات تتعالى للمطالبة بإنصاف هؤلاء الصامتين، الذين ترعبهم وتزيد ارتجافهم أسعار تنكة الكاز وجرة الغاز وفاتورة الكهرباء، ولهذا لجأوا إلى إحراق أي شيء متاح حتى ولو نفث عليه وعلى البيئة رائحة مكروهة. فلماذا لا ننظر إليهم نظرة دفء وحنان؟ ولماذا نعتقد أنهم سيبقون على قيد الصمت طويلاً، وأنهم ينامون متكورين على هواجسهم، حالمين بقصائد الشبع والدفء، وبين القصيدة والقصيدة ينفثون شخيرهم الحار، الذي يكفيهم.
أيها الدافئون: أصحاب المواقد الحارقة لكل شيء، لديهم من الغيظ ما يكفي لإيقاظ بركان خامد منذ قرون، ولديهم من البرد ما يكفي ألا نعتقد أن حلمهم مبلول. فالتفتوا إليهم في هذا البرد!.