عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Oct-2025

في الشرق الأوسط تهديدات كثيرة وفرص قليلة

 الغد

هآرتس
بقلم: تسفي برئيل  6/10/2025
 
 
"أنا قلت إننا سنغير وجه الشرق الأوسط. فسورية ليست نفس سورية. ولبنان ليس نفس لبنان. ورئيسة المحور إيران، أيضا هي ليست نفس إيران"، هكذا لخص بنيامين نتنياهو في كانون الأول (ديسمبر) 2024 وضع الشرق الأوسط "الجديد". بعد خمسة أشهر قال: "في الأيام الـ600 من الحرب نحن غيرنا وجه الشرق الأوسط". وهذا ما فعله أيضا في تموز (يوليو) 2025 عشية ذهابه الى واشنطن. ومرة أخرى أول من أمس عندما أعلن: "من انتصار الى انتصار - نحن نغير معا وجه الشرق الأوسط".
 
 
حسب نتنياهو، فإنه حتى 7 أكتوبر كان الشرق الأوسط "القديم" يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل. قوات عربية كانت تحاصرها من أجل تدميرها. إيران كانت على شفا "خطوة" من التوصل الى السلاح النووي. حزب الله خطط لعملية غزو وحماس لم تكن "مردوعة".
من خلف الظلام الكثيف الذي كان يحيط بالدولة، انبثق كما يبدو شعاع ضوء واحد. "نحن على شفا اختراقة" - اتفاق تاريخي بين إسرائيل والسعودية"، قال رئيس الحكومة في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2023، ووعد بأن "هذا السلام سيكون خطوة كبيرة نحو إنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين". بعد شهر تقريبا هز "طوفان الأقصى" المنطقة.
بعد مرور سنتين على بداية الحرب، فإنه من السابق لأوانه استخراج استنتاجات، لا توجد طريقة للتنبؤ متى وكيف ستصل التغييرات التي حدثت في المنطقة الى نقطة النهاية، التي منها سيبدأ عهد الشرق الأوسط الجديد.
حلم تغيير الشرق الأوسط ليس حصريا لنتنياهو. رؤساء الولايات المتحدة، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كانوا على ثقة بأن مفتاح التغيير موجود في جيوبهم. في 2006، بعد خمس سنوات على احتلال أفغانستان، وبعد ثلاث سنوات على احتلال العراق، قال جورج بوش الابن في الجمعية العمومية للأمم المتحدة: "نحن نرى المستقبل المشرق قد بدأ يضرب جذوره في الشرق الأوسط الموسع". وفسر كلامه: "قبل خمس سنوات حكمت طالبان المتوحشة أفغانستان، والآن تسيطر فيها حكومة منتخبة برئاسة حميد كرزاي. قبل خمس سنوات، احتل مقعد العراق في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ديكتاتور قام بقتل مواطنيه وغزو جيرانه، والآن تسيطر في العراق حكومة انتخبت بانتخابات ديمقراطية".
لكن بعد ذلك عاد حكم طالبان وسيطر على أفغانستان، وداعش سيطر على مناطق في العراق، وحتى بعد اجتثاثه، إلا أن العراق ما يزال "على بعد خطوة" عن الديمقراطية.
أيضا، الرئيس باراك أوباما كان على ثقة بأن كل الشرق الأوسط سيتغير إلى الأفضل بعد ثورة الربيع العربي وإسقاط أنظمة كل من مبارك في مصر، زين العابدين بن علي في تونس، علي عبد الله صالح في اليمن. في تونس يسيطر الآن ديكتاتور، الذي انتخب في البداية بعملية ديمقراطية، وفي اليمن يسيطر الحوثيون على 60 في المائة من السكان وعلى ثلث مساحتها، وليس بالصدفة أن نتنياهو امتنع عن إحصائهم في سلسلة نجاحات إسرائيل في المنطقة.
لكن عندما يتحدث نتنياهو عن "تغيير وجه الشرق الأوسط" فهو لا يقصد العمليات العميقة أو التحركات الاستراتيجية، ولا يعرض "خريطة فرص". بدلا من ذلك كعادته، هو يرسم من جديد خريطة التهديدات التي يبدو أنها تراجعت أو تقلصت بفضل الحرب. ولكن ذلك بعيد عن أن يعد بالتغيير المأمول.
سورية: "شيك ينتظر التسديد"
في سورية، أسقط نظام الأسد تحالف ميليشيات بقيادة منظمة "هيئة تحرير الشام"، أحفاد القاعدة، الذي يترأسه أحمد الشرع. ولكن سورية ما تزال غير كاملة وغير موحدة وحكومتها لا تمثل كل المواطنين. مركباتها السياسية، العسكرية والاقتصادية، هشة، وهي تعتمد على الائتمان السياسي والاقتصادي المؤقت للدول العربية والغربية، لا سيما الرئيس دونالد ترامب. في أفضل الحالات، الحديث يدور عن دولة في فترة اختبار، التي قد تنهار في أي لحظة.
الأسد كان رئيسا قاتلا، وقد استعان بحزب الله وإإيران لذبح أبناء شعبه، وساعدهم في المقابل. ولكن إسرائيل لم يزعجها بشكل خاص ذبح الشعب في سورية أو ملايين اللاجئين السوريين، أيضا قلب ترامب لم يضعف نبضه إزاء هذه الفظائع - لأنه من ناحية عملية الأسد كان "جيدا" لسرائيل. سماء سورية كانت مفتوحة أمام سلاح الجو الإسرائيلي، والأسد نفسه لم يعلن الحرب على إسرائيل، وحتى أنه منع "قوة القدس" التابعة لحرس الثورة الإيراني من العمل ضدها. في سورية الأسد ترسخ "التحالف الاستراتيجي" الذي في إطاره ضمنت روسيا تواجدها وسلامة النظام وأعطت إسرائيل رخصة عمل تقريبا من دون قيود.
الآن القصة معقدة أكثر. في الواقع الشرع يتحدث مباشرة مع إسرائيل في محاولة للتوصل إلى ترتيبات أمنية متفق عليها، التي بحسبها من شأن إسرائيل أن تحصل على المزيد من العمق الجغرافي في هضبة الجولان على أساس اتفاق الفصل الذي وقعت عليه مع الأسد في 1974، والمنطقة الموجودة جنوب دمشق وحتى الحدود ستكون منزوعة السلاح. هذا مقابل انسحاب إسرائيل من معظم الأراضي التي احتلتها منذ سقوط الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024.
لكن في كل ما يتعلق بحرية عمل إسرائيل عسكريا، فإنها يمكن أن تواجه الغطاء السياسي الذي يحمي النظام الآن والذي يشمل الولايات المتحدة، تركيا، السعودية، اتحاد الإمارات وقطر. هذه الدول تطمح إلى تأسيس دولة سيادية موحدة في سورية، خلافا لرؤية إسرائيل التي تعمل على تقسيمها إلى كانتونات، تكون بالنسبة لها ركيزة سيطرة، مثل الأقلية الدرزية والأقلية الكردية. وعندما يعلق نتنياهو جمجمة الأسد على حزامه بتفاخر، ويضيف ذلك إلى قائمة إنجازات إسرائيل في الحرب، فإنه يفضل اعتبار سورية "شيك" لم يتم صرفه بعد.
لبنان: دولة محل اختبار
أيضا لبنان لم يغير الشرق الأوسط. في الحقيقة لبنان تعرض لضربة شديدة جدا، مكانته العامة تدهورت وقدرته العسكرية تقلصت. شريان حياته الذي تدفق من إيران إلى بيروت عن طريق سورية، قطع. رئيسه الكاريزماتي حسن نصر الله، الذي قام ببناء لبنان كدولة موازية تسيطر على الدولة الأم وتملي سياستها، تمت تصفيته هو وقادة كبار آخرون. وريثه نعيم القاسم، لا ينجح في أن يحل محله، والآن لا يبدو في صفوف الحزب زعيم يمكنه ملء الفراغ في القيادة.
الأكثر أهمية من ذلك هو أنه للمرة الأولى في تاريخ حزب الله وتاريخ لبنان يوجد في لبنان نظام يتنصل رسميا وبشكل علني من مكانة حزب الله كـ"حامي الدولة"، ويلتزم بنزع سلاحه وحتى أنه يظهر النجاح على الأرض.
ولكن الاختبار الحقيقي ما يزال ينتظر لبنان ويبدو أنه لن يكون بسيطا. فتصفية قيادة حزب الله لم تبعد الحزب عن النسيج السياسي في لبنان، وممثلوه أعضاء في الحكومة وفي البرلمان، وتهديد الحرب الأهلية يتربص في الزاوية إذا قررت الحكومة العمل ضده بالقوة.
بكلمات أخرى، لبنان مثل سورية، ما يزال دولة محل اختبار، وهو موجود بين الأزمة الاقتصادية الشديدة التي الخروج منها ينتظر تطبيق خطة نزع سلاح حزب الله، وبين الضغط الأميركي وتهديد إسرائيل باستئناف الحرب ضده إذا لم يقم بالوفاء بالتزاماته.
النتيجة حتى الآن هي أن الانعطافة السياسية المهمة التي حدثت في لبنان في أعقاب المس بحزب الله، ما تزال لا تضمن هدوءا بعيد المدى، وبالأحرى، اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان.
إيران: ما تزال تشكل تهديدا
في حرب "الجبهات السبعة"، فإن إيران تعد قصة النجاح الرئيسية. ليس فقط أن إسرائيل والولايات المتحدة قامتا بمهاجمة منشآتها النووية، بل هي أيضا فقدت معقلها الاستراتيجي في سورية، وذراع نفوذها في لبنان تم تحطيمه، حتى لو أنه لم يختف.
حتى بعد الهجوم الذي مستوى نجاحه ما يزال في طور التقدير، فإن التهديد النووي لم تتم إزالته، وحتى الآن الحديث يدور عن "جبهة ساخنة" بما أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن رقابة وسيطرة على المشروع النووي الإيراني. ليس من نافل القول التذكير بأن الاتفاق النووي الأصلي الذي تم التوقيع عليه في 2015، والذي قام ترامب بخرقه بشكل أحادي الجانب في أعقاب تأثير نتنياهو الكبير، كان يضمن بأن المشروع النووي الإيراني سيقتصر على التخصيب بمستوى الحد الأدنى حتى نهاية 2025، وسيكون خاضعا لقيود ورقابة كثيفة على الأقل حتى 2023.
حتى الآن يصعب التقدير إذا كانت الخطوات الدبلوماسية، ومن بينها آلية الزناد التي ستفرض مرة أخرى العقوبات الدولية عليها، ستخضع إيران التي تصمم على حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها. ولكن إعادة فرض العقوبات سيكون لها تأثيرات إقليمية ودولية خطيرة - بدءا بانسحاب إيران من ميثاق انتشار السلاح النووي، وهي الخطوة التي ستحررها من كل رقابة دولية، ومرورا بقرار روسيا والصين خرق آلية فرض العقوبات رغم التزامهما بها بسبب توقيعهما على الاتفاق النووي الأصلي، وانتهاء بفتح سباق تسلح نووي إقليمي، ومس إيران بحرية الملاحة في الخليج الفارسي، الذي المسافة منه قصيرة إلى الحرب الإقليمية.
بدلا من التطبيع.. الاعتراف بدولة فلسطين
إذا كان الأمر هكذا، فإن الإنجازات العسكرية التي حققتها إسرائيل هي فقط التي حققتها في الحرب في غزة، ولكن في الفروع التي انضمت إليها في لبنان، سورية، إيران واليمن، فقد بقيت بمستوى التكتيك، من دون ترجمتها إلى خطة استراتيجية إقليمية أو دولية.
ليس فقط أنه لم يتم تشكيل حلف دفاع إقليمي، إسرائيلي - عربي - أميركي، بل إن التغييرات التي حدثت في السنتين الأخيرتين غير موجهة إلى النقطة التي يكثر نتنياهو من التحدث عنها. فبدلا من حلف دفاع وتعاون إقليمي، الذي تكون إسرائيل عضوا رائدا فيه، نشأ تحالف عربي دولي يعتبر إسرائيل تهديدا على استقرار المنطقة. وبدلا من التطبيع المأمول مع السعودية، جاء اعتراف دولي جارف بدولة فلسطين، بمبادرة السعودية. اتفاقات السلام مع مصر، الأردن والإمارات، تم مدها حتى النهاية، وإسرائيل أصبحت دولة منبوذة، ومواطنوها ومنتجاتها وباحثوها وفنانوها "غير مرغوب فيهم".
لكن حتى الآن لم يتم فقدان الأمل. ففي 15 أيار (مايو) 2008، في عيد الاستقلال الستين للدولة، زار الرئيس بوش الكنيست وألقى هناك خطابا متحمسا ومتفائلا، فيه تخيل الشرق الأوسط "الجديد". "عيد استقلالها الـ120 ستحتفل فيه إسرائيل بكونها إحدى الديمقراطيات الكبرى في العالم"، قال. "هي ستكون الوطن الآمن والمزدهر للشعب اليهودي، والشعب الفلسطيني سيكون له وطن، الذي حلم به دائما وهو يستحقه، دولة ديمقراطية يحكمها القانون وتحترم حقوق الإنسان".
"من القاهرة وحتى الرياض، بغداد وبيروت، سيعيش الناس في مجتمعات مستقلة وحرة. إيران وسورية ستكونان شعبي سلام، والقمع فيهما سيصبح ذكرى بعيدة".