عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-May-2025

منتدون يناقشون مجموعة فحماوي القصصية "بين بوابات القدس"

 الغد-عزيزة علي

  في ظل تصاعد الاهتمام بالقضية الفلسطينية وتجلياتها الأدبية والإنسانية، نظمت رابطة الكتاب الأردنيين ندوة أدبية لتسليط الضوء على المجموعة القصصية "بين بوابات القدس" للقاص والروائي صبحي فحماوي. جاءت هذه الندوة في سياق تأكيد الدور الثقافي في توثيق النضال الفلسطيني وكشف أبعاد المعاناة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
 
 
قدم المشاركون في الندوة من الأكاديميين والنقاد قراءات معمقة في مضامين المجموعة، ودلالاتها الفنية والرمزية، مركزين على البعدين الوطني والإنساني، ومكانة القدس كحاضرة للهوية والصراع. أدارت الندوة الروائية سامية العطعوط، وشارك فيها الدكتور كايد الركيبات والدكتورة دلال عنبتاوي، اللذان قدما تحليلا نقديا لأبرز محاور النصوص القصصية، مبرزين التنوع الموضوعي واللغوي الذي اتسمت به المجموعة، وتناولها لقضايا الاحتلال، اللجوء، الفقد، والبطولة الصامتة.
 
تعكس هذه الندوة الأثر الذي يمكن أن تتركه الكلمة الصادقة في الدفاع عن القضايا الكبرى، حيث يتقاطع الأدب مع الوجدان الشعبي والذاكرة الوطنية، لتعيد للقدس حضورها، وللقارئ وعيه الملتزم.
استهلت القاصة سامية العطعوط الندوة بتوجيه التحية للمقاومة في غزة وللشعب الفلسطيني الصامد على أرضه، كما قدمت التعازي للدكتورة الفلسطينية آلاء النجار التي فقدت أبناءها التسعة إثر غارة صهيونية عليهم، داعية لها بالصبر والثبات.
قدم الدكتور كايد الركيبات قراءة انطباعية في المجموعة القصصية "بين بوابات القدس"، قال فيها "إن هذه المجموعة تقدم بانوراما سردية غنية تعكس الواقع العربي المعاصر بتحدياته وآماله. فالقدس في العنوان ليست مجرد موقع جغرافي، بل تمثل رمزا محوريا للهوية والقضية والمقدس المنتهك، بينما تشير (البوابات) إلى عتبات للعبور بين حالات إنسانية ووجودية متنوعة، من الأمل إلى الخذلان، ومن الحياة إلى الفقد، ومن المقاومة إلى الموت البطولي، ومن الغفلة إلى الوعي".
وأشار الركيبات إلى أن عنوان المجموعة يمثل مفتاحا تأويليا يضيء العديد من القصص، حتى تلك التي لا تجري أحداثها في القدس جغرافيا، بل تدور في فلكها الرمزي. واعتبر أن قصة "بين بوابات القدس"، التي جاءت في الترتيب الثامن عشر، تشكل العمود الفقري للمجموعة، حيث تجسد معاناة عائلة فلسطينية في المدينة المقدسة، وتبين البعد المكاني والروحي للقدس كقلب للجرح الفلسطيني.
ورأى أن محاور المجموعة تعددت، وتصدرتها قضية الاحتلال والتهجير، حيث صورت القصص بمرارة معاناة الفلسطينيين من فقدان الوطن والدمار والتضحيات، كما تجلى ذلك في قصص مثل: "التوأمان"، و"المُهجّر"، و"بين بوابات القدس"، و"حريق آرون بوشنيل"، و"قصة حب راشيل كوري"، مع تركيز واضح على صمود الإنسان ورفضه للظلم. وأضاف أن المجموعة قدمت أيضا نقدا اجتماعيا لاذعا، كاشفة جوانب الفساد واستغلال السلطة والطمع، كما ظهر في قصص: "المختار أبو طامس"، و"مجرد حوالة"، و"الثلاجة الفارغة"، و"الوالد تسهّل"، مسلطة الضوء على هشاشة المكاسب المادية على حساب القيم الإنسانية.
وعالجت المجموعة كذلك العلاقات الأسرية المعقدة والتحديات الزوجية وتأثير التقاليد الاجتماعية القاسية، كما في قصص: "أمنا الغولة"، و"لا سائل ولا مسؤول"، و"ابن العم أولى بلحمته"، إضافة إلى قضايا إنسانية أوسع كالعنف المجتمعي في "الهوليجانز"، والاختلافات الثقافية في "أفاعي صينية"، والبحث عن الحنان في "لذة حنان الأب"، والمفارقات الاجتماعية في "قاطرة الحريم"، و"وظيفة محترمة"، و"بواب على قارعة الطريق". وأوضح الركيبات أن القصص تميزت عموما باكتمال عناصر البناء القصصي من حبكة ووضوح موضوعي، مشيرا إلى أن الكاتب اعتمد الوصف الحسي لتعزيز واقعية المأساة الإنسانية. ففي قصة "التوأمان"، مثلا، لا يكثر الكاتب من الوصف العاطفي، بل يضع القارئ مباشرة وسط المأساة: أب يذهب لتسجيل توأميه، ثم يعود ليجد بيته رمادا وأطفاله تحت الركام. وأضاف "لا يحتاج فحماوي إلى البلاغة ليؤلمك، بل يكتفي بالحقيقة المجردة، التي تصدمك كلكمة في القلب".
واعتبر أن المجموعة تنتقل من قصة إلى أخرى كما ينتقل اللاجئ من بلد إلى آخر، حاملا قطعة من وطنه وصورة قديمة وأملا مشروخا. ففي قصة "المُهجَّر"، لا يروي الكاتب قصة شخص، بل قدرا، حيث يصبح أبو شومر تجسيدا لكل من خسر بيته ولم يعد إليه إلا في الكفن.
أما قصة "بين بوابات القدس"، فهي برأيه، ترنيمة وداع لبيت ينتزع من أهله بقرار رسمي وابتسامة بوليسية. أفراد العائلة يخرجون لحضور حفل زفاف، ويعودون ليجدوا مستوطنين يحتلون منزلهم. ليس هناك فعل بطولي، بل صدمة صامتة، هي بحد ذاتها بطولة.
وختم الركيبات بالقول "إن النصوص تتفاوت في مستواها الفني، لكنها تشي عموما بذائقة لغوية حارة، تنقل القارئ بين الواقع والرمز، وبين الانكسار والمقاومة، مما يمنح المجموعة قيمة جمالية رغم بعض التفاوت الأسلوبي، واصفا إياها بـ"لوحات فسيفسائية تنسج الواقع الفلسطيني والعربي بأنسجة من الألم والرمز والسخرية والحنين".
من جانبها، قالت الدكتورة دلال عنبتاوي "إن القارئ يلحظ في هذه المجموعة تكرار اسم "فلسطين" أكثر من سبع مرات، إلى جانب ورود أسماء "القدس"، و"غزة"، و"حيفا"، و"الكرمل"، ما يعكس الحضور القوي للمكان الفلسطيني وخصوصيته". وأشارت إلى أن الكاتب عبر عن هذا الحضور من خلال قصص عدة، منها: "التوأمان"، "حريق آرون بوشنل"، "قصة حب راشيل كوري"، "لذة حنان الأب"، و"بين بوابات القدس"، مؤكدة أن العنوان نفسه جاء مباشرا في الإشارة إلى مدينة القدس التي تعد برمزيتها "كل فلسطين"، بل "كل الوطن"، لما لها من قيمة دينية، وسياسية، واجتماعية.
ولفتت عنبتاوي إلى أن ما دفع الكاتب لإعطاء القدس هذه الأهمية هو ما تتعرض له من تشويه وطمس لهويتها على يد الاحتلال، بدءا من محاولة تغيير اسمها العربي إلى "أورشليم" العبري. وأوضحت أن القدس اشتهرت في الأدب الفلسطيني ببواباتها المعروفة، وعددها 15 بابا، منها 10 أبواب مفتوحة و5 مغلقة. وذكرت أسماءها ومواقعها، مؤكدة أن الكاتب أراد أن يسمع صوت القدس وأهلها عبر الراوي العليم، لينقل ما يتعرضون له من قهر وعدوان وتهميش.
واستشهدت بمقطع من الصفحة 146 من المجموعة، على لسان شخصية "الخالدي"، الذي يعبر عن التمسك التاريخي بالبيت، قائلا "أجدادنا ونحن موجودون في هذا البيت منذ العام 1936 ولدينا شهادات عقارية عثمانية رسمية..."، ليظهر أن الاحتلال يسعى للاستيلاء على البيوت رغم الوثائق القانونية، بينما الشرطة تكتفي بالمراقبة. وأضافت أن فحماوي أثار في مجموعته الكثير من الأسئلة حول الوطن، وفلسطين، والهوية، ولا سيما في ظل المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، متوقفة عند الإهداء الذي قال فيه "إلى غزة التي فجّرت دملاً بحجم دولة أسيرة، فسال منه فيض كبير من الصديد، ألهب حوله سطح الكرة الأرضية، فأعاد لها بعض صحتها".
واعتبرت أن هذا الإهداء يجسد قوة رمزية كبيرة توازي ما ورد في النصوص نفسها.
وختمت عنبتاوي حديثها بالإشارة إلى دلالات المكان التي تنوعت عبر القصص، بدءا من "التوأمان" التي عكست القهر في غزة، إلى قصة "راشيل كوري" التي عبرت عن شجاعة استثنائية، إلى "لذة حنان الأب" التي سلطت الضوء على ألم الفلسطيني الممزق بين الوطن والمنفى، وصولا إلى "بين بوابات القدس" التي عبرت بصدق عن صراع الوجود والهوية في المدينة المقدسة.
في نهاية الندوة، عبر القاص والروائي صبحي فحماوي عن امتنانه للحضور ولمناقشات المتحدثين، مشيرا إلى أن مجموعته القصصية "بين بوابات القدس" استهلها بإهداء حمل شحنة رمزية كثيفة، قال فيه "إلى غزة التي فجّرتَ دُمّلاً بحجم دولة أسيرة، فسال منه فيض كبير من الصديد، ألهب حوله سطح الكرة الأرضية، فأعاد لها بعض صحتها".
ثم تحدث فحماوي عن مفهومه الشخصي لفنون السرد، قائلا بأسلوب مجازي لافت "إذا كانت القصة القصيرة جدا وردة، فإن القصة القصيرة هي سلة زهور، والرواية الجيدة هي حديقة غنّاء. وإذا كانت مفاجأة القصة القصيرة جدا هي طلقة، فإن إدهاش القصة القصيرة هو جريمة قتل في منطقة مشهودة، بينما الرواية الجيدة هي معركة مترامية الأطراف".
كما عبر عن تقديره للمتحدثين، مشيدا بالدكتور كايد الركيبات الحويطات، وواصفا قبيلة الحويطات بأنها "عماد من أعمدة الوطن"، مستذكرا رموزا وطنية بارزة منها، مثل: الشيخ فيصل الجازي، وأخيه يسري الجازي، واللواء مشهور حديثة، والشهيد ماهر الحويطات، وغيرهم من أبناء القبيلة الكرام. كما شكر الدكتورة دلال عنبتاوي، قائلا "إنها "ناقدة فذة، وناشطة ثقافية بارزة، وصاحبة صالون المنتصف الأدبي، وتشغل منصب نائب رئيس جمعية النقاد الأردنيين". أما القاصة والروائية سامية العطعوط، فأشاد بأدبها الوطني والفني، مؤكدا دورها الفاعل في رابطة الكتاب الأردنيين، مشيرا إلى أنها قدمت نبذة تعريفية وافية عن كل من المتحدثين الثلاثة، ما ساهم في تهيئة أجواء حوارية ناضجة ومثمرة.