عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jan-2021

مؤسسات المجتمع المدني*إسماعيل الشريف

 الدستور

«ما هو الحقيقي؟ كيف تُميز بين ما هو كذب وما هو حقيقة،إذا كنت تعرّف الحقيقة على أنها ما تستطيع تذوقه وتلمسه، فما هي إلا إشارات كهربائية صادرة عن دماغك.»، من فيلم ماتريكس(الشبكة).
بمفهومه التقليدي، الاستعمار يقتل ويسرق ويستعبد ويحتل الأراضي،وما زال الاستعمار يقوم بجميع هذه الأعمال، ولكن بأدوات جديدة؛كالإعلام ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والأبحاث والمساعدات... يتم من خلالهم غسل أدمغتنا وخلق واقع جديد،يجعلنا نهتف للمحتل ونصفق للديكتاتور،وإذا ما فشلت هذه الأدوات فسيأتي المستعمربآلته العسكرية، لفرض إرادته بالقوة.
في 13/6/2018 قامت الحكومة الأمريكية بتكريم إحدى أهم منظمات المجتمع المدني في العالم وتحمل اسم الصندوق الوطني للديمقراطيةNational Endowment for Democracy، وهي منظمة «غير ربحية» تهدف إلى نشر الديمقراطية في العالم،والحقيقة أنهامنأهم أدوات الإمبريالية للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإحدى أذرع المحافظين الجدد لتنفيذ أجندتهم.
تأسست عام 1983 في عهد ريغان،وكان هدفها زعزعة استقرار الاتحاد السوفييتي، ونجحت في مسعاها.
وعبر السنوات استخدمت هذه المنظمة والعديد من منظمات المجتمع المدني الأخرىلزعزعة استقرار الدول التي تقف في وجه أجندة المحافظين الجدد، وسياسات السوق المفتوحة، وحكم الشركات،والنفوذ الصهيوني، ومن أشهر إنجازاتها باعترافها: إسقاط حكومة ساندينستا في نيكاراغوا عام 1990 وتعيين حكومة موالية للمحافظين الجدد، ووصول يلتسين للحكم عام 1996، وانقلاب هاييتي 2004، ومساهمتها في إشعال الثورات في عدد من الدول العربية،إلا أنها فشلت في تغيير الحكم في سوريا وفنزويلا.
في عام 2017 رصدت الحكومة الأمريكية مبلغ 860 ألف دولار لتشويه صورة كوريا الشمالية فنشرت عشرات القصص، وكان من أشهرها هروب ثلاث عشرة نادلة من كوريا الشمالية انصبت رواياتهن عن الظلم الكبير في كوريا، وعن وظائفهن التي اقتصرت على تسلية النخبة الحاكمة هناك، ولكن فيما بعد اعترفت إحداهن أن قصصهن كلها مفبركة.
وقبل أيام قرأت تحقيقًا استقصائيًّا نشره الموقع الإخباريالمعروف بحياديته، المنطقة الرمادية grayzone.com عن منظمات المجتمع المدني التي كذبت حول ما جرى في سوريا، وتناول التحقيق إحدى أهم منظمات المجتمع المدني السورية وهي الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي اعتبرت المصدر الأول لرصد ضحايا الثورة السورية من عدد الوفيات والإصابات إلى حالات التعذيب والاحتجاز، ثم في عام 2018 توقفت الأمم المتحدة عن تعداد ضحايا الحرب السورية بسبب انعدام الثقةفي الأرقام التي تقدمها منظمات المجتمع المدني ومنها هذه المنظمة، وبلا شك فقد تعرضت سوريا لأكبر حملات التضليل في التاريخ الحديث كما تعرض من قبلها العراق.
لذلك، فحين يهاجم النائب المخضرم والحقوقي عبد الكريم الدغمي مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الدراسات، فهو محق إلى حد ماوإن لم يكن بالمطلق، وبالفعل، أن بعضًا منها وُجد لتحقيق أهداف سياسية وأخرى اجتماعية من إفساد وتفسيخ المجتمعات وفرض أجندات غريبة عن ثقافتنا وربطها بالمساعدات.
وفي المقابل هنالك مؤسسات أخرى تخدم المجتمعات المحلية وتساهم في تغيير حياة الناس للأفضل، لاسيما الأقل حظًّا واللاجئين، وهنالك منظمات تمثل شوكة في حلق الأنظمة الديكتاتورية؛ تكشف انتهاكاتها وممارساتها المنافيةلأبسط حقوق الإنسان،وترصد وتسجل وتضغط، ولولاها لعانت شعوبهم أكثر مما تعانيه، كما أن بعضها يقوم بدور البديل لمؤسسات الدولة، خاصةً في الدول التي تشهد تراجعًا كبيرًا في مؤسسات الدولة وخدماتها، ومن هنا تتمكن وتأتي الخطورة.
برأيي الخلاصة هي أن مؤسسات المجتمع ومراكز الدراسات ووسائل الإعلام كأي شيء آخر، فيه الغث وفيه السمين.