عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jan-2019

سطوة الإعلام*انقلبت المفاهيم ولم يعد الإعلام الجديد يقبل بأن يوصف بـ «السلطة الرابعة»*نبيل الغيشان

 الراي

لا يخفى على أحد إن الإعلام أداة خطيرة قامت بأدوار تاريخية حاسمة لا تقل عن دور الأسرة والمدرسة في تنشئة الفرد، لا بل إن الأسرة والمدرسة فقدتا دورهما التقليدي في بناء شخصية الفرد بفضل الثورات المتعاقبة في وسائل الاتصال والإعلام التي كسرت الحواجز والمحرمات وألغت الرقابة وفرضت شروطاً جديدة للتعامل مع الجمهور.
 
اليوم وبعد ثورة التكنولوجيا وما أحدثته من نقلة هائلة في المعرفة، انقلبت المفاهيم ولم يعد الإعلام الجديد يقبل بأن يوصف بـ «السلطة الرابعة»، فقد تقدم الصفوف ليصبح السلطة الأولى، وغدا الإعلام أداة من أدوات الهيمنة وركنا أساسياً من الثورة أو نقيضاً لها.
 
فالإعلام منذ اختراع الطباعة وحتى اليوم كان أداة للتغيير في المجتمعات وأداة للدفاع عن نظمها السياسية أو مناهضتها، فلم تعد الحروب تخاض فقط بالطائرات والدبابات، بل بعدسات الكاميرات وميكرفونات الإذاعات ورؤوس الأقلام وسقط مفهوم الحروب التقليدية على الأرض وهنا تحول المفهوم إلى الحروب الإلكترونية للسيطرة على الفضاء والعقول وفرض التبعية وثقافة الاستهلاك على الشعوب.
 
وغزو العراق خير مثال؛ فقد أنفقت الولايات المتحدة الأميركية ملياري دولار للتحضير للحظة دخول دباباتها شوارع بغداد، وكذلك ما رأيناه من ثورة في شوارع القاهرة لم تقتصر على شعب انتفض لإسقاط نظام فاسد، بل كان هناك إعلام جديد ديناميكي يثور على نظام إعلامي قديم وفاسد أصبح مطبلاً للنظام المتحجر.
 
الإعلام الجديد أصبح خارج رقابة الحكومات ووسيلة اتصال مباشرة مع المواطن الذي مل من دور المتلقي بحثاً عن دور الشريك والصانع للحدث وناقله عندما تعجز وسائل الإعلام عن التحرك. عمل الإعلام الجديد على تآكل سيادة الدولة على إقليمها ومواطنيها واسقط مفهوم الرقابة مثلما أثر في دور الأحزاب والنقابات والبرلمان القائم على الوساطة وتمثيل الناخب والدفاع عن مصالحه أمام السلطة التنفيذية.
 
للأسف إن التطور الكبير في الجانب التقني لم يقابله تطور مناسب في أداء وسائل الإعلام ومهنيتها، لا بل إن المهنية تراجعت وركب كثير من الغرباء الموجة وتعدوا على حقوق الناس وحياتهم الخاصة.
 
والأخطر إن وسائل الإعلام بعد أن فلتت من «الرقابة» أخذت تنحى تجاه التسلط والاستبداد، لأنها باتت تحتكر جميع الأدوار في المجتمع، فتجمع بين السلطات بدل أن تفرق بينها. فيقوم الإعلام بدور الفاعل والناقل والرقيب ودور المشرع وحتى يتقمص دور القضاء في إصدار الأحكام؛ وهذه عودة سلبية إلى الاستبداد الذي عانينا منه، والديمقراطية مسارها واضح في تأكيد «فصل السلطات».
 
لم يعد الإنسان اليوم مستهلكاً فقط لما تنتجه وسائل الإعلام الجديد، بل انه أصبح «منتجاً» من منتجاتها، لا بل غدا الإنسان في كل مكان مبرمجاً حسب أهدافها وخططها وخاصة في مجال البيع والشراء والدعاية.
 
أنتج العصر الإلكتروني الافتراضي كما هائلاً من المعرفة وسهل الحصول عليها، لكنه في الوقت نفسه وخاصة في منطقتنا العربية ساعد في نشر أفكار مشوهة واتجاهات ملامحها معدومة وغير معروفة، والأخطر بروز أزمة مفاهيم هلامية متداولة لا تنتج شيئاً سوى انعدام ثقة الإنسان في كل ما يحيط به وشيوع ثقافة الكراهية والعنف.
 
من ينقذ الإعلام من نفسه؟ من ينقذ الأفراد والمجتمعات من سطوة الإعلام؟