عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Sep-2020

الحرية العالمية ستعاني من ضرر جسيم إذا فاز ترامب بولاية ثانية

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ala.zeineh@alghad.jo
هيئة التحرير– (الواشنطن بوست) 28/8/2020
أدى تجاهل دونالد ترامب للعلم والقيود المفروضة على الهجرة إلى إضعاف فرص فوز الولايات المتحدة في السباق لتطوير تقنيات جديدة. وساعد كذبه المستمر في خلق ثقافة سياسية تزدهر فيها نظريات المؤامرة الجامحة، وحيث يغيب أي إجماع على الحقائق الأساسية، مما يجعل النقاش التشريعي والتسويات المستنيرة أموراً مستحيلة.
* * *
شهد القرن الحادي والعشرون، مثل القرن الذي سبقه، ظهور صراع مصيري حول طبيعة الحكم البشري. والآن، أصبحت الأنظمة التي تأسست على الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي بدأ قبل 25 عاما أنها انتصرت، تواجه تحديا خطيرا من نزعات استبدادية منبعثة، والتي تستخدم تقنيات جديدة لإعادة تشكيل الطغيان الذي لم تستطع ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي إدامته. ولم يعد مجرد تحديد أي دول هي التي ستهيمن على الشؤون العالمية هو الذي على المحك، وإنما أيضا ما إذا كانت الحريات الفردية –حرية التعبير والتجمع والعقيدة الدينية- سوف تنجو.
لا يمكن تصور انتصار للديمقراطية في القرن الحادي والعشرين، مثل ذلك الذي تحقق في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة من دون قيادة الولايات المتحدة. يجب أن تنتصر أميركا في السباق لتطوير تقنيات جديدة، وحشد الديمقراطيات الزميلة لمواجهة العدوان الاستبدادي، وإصلاح الرأسمالية، والديمقراطية نفسها، حتى تكونا صالحتين للخدمة لعصر جديد. لكن الرئيس ترامب لا يستطيع أن يقدم هذه القيادة. على العكس من ذلك، فعل الرئيس الأميركي خلال السنوات الثلاث الماضية بقدر ما فعلته أي جهة فاعلة عالمية أخرى لتعزيز قضية الاستبداد وتقويض العالم الحر.
كانت مساعدة السيد ترامب الأكثر وضوحًا للاستبداد هي دعمه الذي لا يلين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان قد ساعد انتخاب السيد ترامب في العام 2016 في المقام الأول، والذي تركز سياسته الخارجية بدقة الليزر على إضعاف الولايات المتحدة وفصلها عن الديمقراطيات الأخرى في حلف شمال الأطلسي. وقد قدم السيد ترامب نفسه دعمًا لا يقدر بثمن لهذه القضية، وكان آخر ذلك أمره بسحب القوات الأميركية من ألمانيا. وفي حين أنه لم يتردد في كيل الانتقادات لحلف شمال الأطلسي وقادة ألمانيا وكندا وبريطانيا علنًا، فإن السيد ترامب لم ينبس أبدا بكلمة انتقاد واحدة للسيد بوتين، حتى بعد تلقي تقارير استخباراتية أميركية تشير إلى أن موسكو دفعت مكافآت لطالبان الأفغانية لقتل الجنود الأميركيين.
وحتى وقت قريب، عرض السيد ترامب خضوعا مماثلا للحاكم الصيني شي جين بينغ، واصفا إياه بـ”القائد اللامع” و”الرجل العظيم”. وشجع السيد ترامب الإبادة الجماعية الثقافية التي يمارسها السيد شي ضد السكان الأويغور في منطقة شينجيانغ. وكانت تلك الحملة رائدة في تشغيل تقنيات بكين للمراقبة الشاملة وغيرها من أدوات القمع بمساعدة الذكاء الاصطناعي -وهي أدوات أساسية للنموذج الجديد للاستبداد الذي تروج له وتوصي به الصين لبقية العالم. ووعد السيد ترامب السيد شي بأنه سيلتزم الصمت حيال القمع الذي يُمارس ضد الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ أثناء التفاوض بشأن الامتيازات التجارية. كما أن الانتكاسات المتأخرة للإدارة بشأن هذه القضايا، المرتبطة بمحاولة السيد ترامب إلقاء اللوم على الصين عن أكثر من 177 ألف حالة وفاة بسبب “كوفيد-19” في الولايات المتحدة، لم تغير –كما هو متوقع- سلوك الصين ولا الاستنتاج السائد بين العديد من الآسيويين بأن الولايات المتحدة لم تعد قوة يمكن الاعتماد عليها للدفاع عن القيم الديمقراطية أو مقاومة العدوانية الصينية.
كانت “الحرب الباردة” نزاعا شاقا ومنهكا خاضته دولة تلو الأخرى، في كثير من الأحيان في المناطق البعيدة من العالم النامي. وباستثناء اندلاع صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة والصين، فمن المرجح أن تكون نظيرتها في القرن الحادي والعشرين نوعاً من الشيء نفسه. سوف تروج الصين وروسيا لحلولهما الاستبدادية، بينما تضغط الديمقراطيات من أجل حرية التعبير والانتخابات الحرة. وهذه المنافسة جارية مسبقاً -ومرة أخرى، لدى السيد ترامب سجل في دعم الجانب الخطأ.
لقد تبنى السيد ترامب الرجال الأقوياء الطموحين الذين يقومون بتفكيك المؤسسات الديمقراطية في بلدانهم ورحب بهم في البيت الأبيض، ومزق في بعض الأحيان تدابير الحظر التي كان أسلافه قد فرضوها عليهم. وقد شارك في هذا العرض القذر قادة من الدول العربية، وجايير بولسونارو من البرازيل، وبرايوت تشان أوشا من تايلاند، وفيكتور أوربان من المجر، وأندريه دودا من بولندا. ورفض رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتي الدعوة التي وجهها إليه السيد ترامب. وفي الوقت نفسه، تجنب السيد ترامب التعامل مع القادة الديمقراطيين الذين يحاولون مقاومة الروس أو الصينيين -وعلى الأخص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي لم يتلق أبدًا دعوة للزيارة من البيت الأبيض بعد مقاومة طلب السيد ترامب إجراء تحقيق مسيّس بشأن جو بايدن. وفي آب (أغسطس)، لم يفعل السيد ترامب شيئًا لمساعدة الحركة الديمقراطية البيلاروسية الساعية إلى الإطاحة بالديكتاتور القديم لدولة يسعى بوتين إلى السيطرة عليها.
لقد تأثر القادة الديمقراطيون لكوريا الجنوبية واليابان، وهما من أهم حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا، بإصرار السيد ترامب على تقديم بلديهما تنازلات تجارية كاسحة وزيادات هائلة في الإعانات للقواعد الأميركية الموجودة على أراضيها. وراقبوا بفزع بينما أعلن السيد ترامب في الوقت نفسه عن “حبه” للديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الوكيل الصيني، وقام بتقليص التدريبات العسكرية الأميركية مع كوريا الجنوبية.
خاض السيد ترامب حملته من أجل دعم الديمقراطية فقط في الدول التي لديه فيها مصالح سياسية أخرى، مثل فنزويلا، التي يُنظر إلى نظامها المتحالف مع كوبا باحتقار من قبل العديد من الناخبين في فلوريدا. وحتى هناك، كانت دعوته ضعيفة. وبعد فشل محاولة انتفاضة قام بها زعيم المعارضة المدعوم من الولايات المتحدة العام الماضي، قام السيد ترامب بشطبه من الحسابات، وأعرب مؤخرًا عن اهتمامه بمقابلة الدكتاتور نيكولاس مادورو.
مع كل ذلك، كان الضرر الأكبر الذي ألحقه السيد ترامب بقضية الديمقراطية قد وقع في الداخل. هنا، تهدد هجماته على وسائل الإعلام والمحاكم الأميركية، ومحاولاته تسييس تحقيقات وزارة العدل، والجهود الجريئة للتلاعب بالتصويت في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، بإضعاف ما كان أقوى ديمقراطية في العالم، مع تقديم نموذج للسلطويين الناشئين في جميع أنحاء العالم. وأدى تجاهله للعلم والقيود المفروضة على الهجرة إلى إضعاف فرص فوز الولايات المتحدة في السباق لتطوير تقنيات جديدة. وساعد كذبه المستمر في خلق ثقافة سياسية تزدهر فيها نظريات المؤامرة الجامحة، وحيث يغيب أي إجماع على الحقائق الأساسية، مما يجعل النقاش التشريعي والتسويات المستنيرة أموراً مستحيلة.
على الرغم من الأضرار التي لحقت بهما، نجت الديمقراطية الأميركية والقضية العالمية للحرية، حتى الآن، من ولاية السيد ترامب الأولى في المنصب، في ما يعود في جزء كبير إلى كونهما تحظيان بالدعم الحازم من ملايين المواطنين. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون هناك شك في أنهما ستعانيان، في حال فوز السيد ترامب بفترة ولاية ثانية، من ضرر جسيم والذي ربما يكون نهائياً ربما لا رجعة فيه. إذا كان ينبغي أن يكون القرن الحادي والعشرون زمناً ترتكز فيه المجتمعات البشرية على الحريات الفردية بدلاً من أن تهيمن فيه دولة قوية بالكامل، فينبغي إلحاق الهزيمة بالسيد ترامب.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Global freedom would suffer grievous harm in a second Trump term