عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Dec-2025

مسودة "الناطقين الإعلاميين".. هل جاءت لتوحيد الخطاب الإعلامي؟

 الغد-محمد الكيالي

 في إطار السعي إلى تعزيز مهنية الخطاب الإعلامي الرسمي وتوحيد رسائله، نشر ديوان التشريع والرأي، مسودة نظام الناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية لسنة 2025، لتضع لأول مرة إطارا تنظيميا ملزما لهذه الوظيفة الحيوية. 
 
 
وتهدف المسودة الجديدة، إلى مأسسة عمل الناطق الإعلامي عبر إخضاعه لتقييم فني دوري وسنوي، وربط استمرارية تسميته أو تعيينه بنتائج هذا التقييم، بما يضمن رفع مستوى الأداء والحد من المزاجية في التعامل مع هذه المهمة. 
كما تمنح وزارة الاتصال الحكومي، صلاحية التنسيب بنقل الناطق أو الاستغناء عنه في حال ثبوت ضعف في الكفاءة، أو إخضاعه لبرامج تدريبية متخصصة لتحسين أدائه.
وتلزم المسودة كل دائرة بتعيين ناطق إعلامي يتمتع بالمؤهلات والخبرات المحددة في بطاقة الوصف الوظيفي، ليكون مسؤولا عن إدارة الاتصال والإعلام داخل مؤسسته، مع ضرورة تبليغ وزارة الاتصال  بقرار التعيين خلال فترة زمنية محددة. وتؤكد على ارتباط الناطق إداريا بالوزير أو من يفوضه، وفنيا بالوزارة، ليصبح جزءا من شبكة الناطقين الإعلاميين الموحدة. وتبرز أهمية النظام باعتماده منصة "ناطق" الإلكترونية، كأداة تنظيمية ملزمة لتنسيق الرسائل الإعلامية الحكومية، وضمان التفاعل المستمر بين الناطقين والوزارة، مع اعتبار أي تقصير باستخدامها مخالفة إدارية تستوجب المساءلة، ما يرسخ مهنية الناطق الإعلامي وتوحيد الخطاب الرسمي بما يخدم المصلحة العامة.
خطوة نحو تنظيم دور الناطقين
من هنا، أكد عضو مجلس نقابة الصحفيين والناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود، أن إقرار نظام خاص بالناطقين الإعلاميين عبر مجلس الوزراء، نقلة نوعية في مسار العمل الإعلامي الرسمي، إذ يضع هذا المسمى الوظيفي لأول مرة ضمن إطار قانوني واضح، يحدد مهامه ويؤطر صلاحياته على نحو موثق.
وأوضح الزيود، أن وجود نظام ينظم عمل الناطق الإعلامي، يسهم ببناء سجل مهني واضح لمسيرته في الحكومة، ما يدفعه إلى تقديم أفضل ما لديه، ويمنحه في الوقت ذاته حماية من المزاجية التي قد ترافق تغير المسؤول الأول بالوزارة أو المؤسسة. 
وقال إن النظام يضمن استمرارية الدور، ويحصن الناطق من تقلبات القرارات الفردية. مشيرا إلى أن ربط مرجعية الناطق الإعلامي بوزارته من جهة، وبوزارة الاتصال من جهة أخرى، يتيح تقييم أدائه فنيا وإداريا بصورة أكثر عدلا، ما يعد ضروريا لإنصاف الناطقين الإعلاميين وتعزيز مكانتهم بمؤسسات الدولة.
معايير الاختيار
بدوره، اعتبر الناطق الإعلامي السابق باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي، أن النظام المقترح لتنظيم عمل الناطقين الإعلاميين، يحمل في صياغته العامة بعض الإيجابيات، إذ يتناول قضايا متعددة تتعلق بمهامهم، وقد يسهم إلى حد ما بضبط العملية الاتصالية في المؤسسات الرسمية، لكنه وصفه بالعمومي والضبابي في كثير من الجوانب، خصوصا فيما يتعلق برفع كفاءة الناطقين الإعلاميين.
وأوضح الأزرعي، أن تطوير قدرات الناطق الإعلامي لا يرتبط بوجود نظام أو غيابه، بل يتصل أساسا بآلية اختيار الشخص الذي يتولى هذه المهمة.
واعتبر أن المسألة الجوهرية تكمن في أن يجري الاختيار وفق معايير مهنية واضحة ومحددة، وهو ما يفتقده الواقع الأردني. مضيفا أن وجود نظام دقيق قد يساعد في تحسين الأداء، لكن الشرط الأهم أن يكون الناطق الإعلامي قد جرى انتقاؤه بعناية، بعيدا عن المزاجية أو الاعتبارات الشخصية للوزير، أو المؤسسة، لأن الاختيار السليم يفتح الباب أمام تدريب فعال يرفع من مستوى الأداء.
وشدد على أن القضية الأعمق، تتعلق بإرادة الدولة، لا الحكومة وحدها، في تفعيل دور الناطق الإعلامي داخل الوزارات والمؤسسات. وقال "هذه الإرادة ما تزال غائبة، وتخضع في كثير من الأحيان لمزاجية الوزير أو حتى مسؤولين أدنى درجة". مؤكدا أن ارتباط الناطق الإعلامي برأس الهرم في الوزارة، سواء الوزير أو المدير العام في المؤسسات المستقلة، ضروري لضمان فعالية الدور.
وفي معرض حديثه عن التداخلات المحتملة، أشار إلى أن النظام قد يخلق ازدواجية في تبعية الناطق الإعلامي، حيث ينص على ارتباطه بالوزير من جهة وبوزارة الاتصال من جهة أخرى، ما قد يضعه في حالة خصام بين وزارتين. 
واعتبر الأزرعي، أن هذا الوضع يثير ارتباكا حول ولاء الناطق الإعلامي الذي هو في الأصل موظف في الوزارة وفق أنظمتها وقوانينها، داعيا لضرورة تحديد تبعية واضحة لا تحتمل اللبس أو الازدواجية، لافتا إلى إشكالية أخرى تتعلق بآلية التعيين، بحيث ينص النظام على إمكانية توصية وزارة الاتصال بنقل أو فصل الناطق الإعلامي، وهو ما يتعارض مع كونه موظفا معينا في الوزارة نفسها. 
ورأى أن الحل يكمن في أن يعين الناطق الإعلامي مباشرة بهذه الصفة، لا أن يختار من بين الموظفين العاديين، بحيث يجري اختياره وفق أصول مهنية وإدارية، تتيح له ممارسة دوره وفق وصف وظيفي محدد.
الجانب الإيجابي في النظام
وفي الجانب الإيجابي، ثمن الأزرعي ما ورد في النظام من إلزام الدوائر بتوفير الدعم الفني واللوجستي للكوادر الإعلامية، معتبرا ذلك عنصرا أساسيا لتمكين الناطقين الإعلاميين من أداء مهامهم بسلاسة، وبما يتوافق مع الأصول المهنية. مشيرا إلى أن غياب هذا الدعم كان من أبرز المشكلات التي واجهها الإعلاميون في تجارب سابقة، مؤكدا أن المتابعة المستمرة لأداء الناطق الإعلامي وتقييم كفاءته أمر حيوي لتطوير عمله.
وأشاد الأزرعي بما تضمنه النظام من نصوص حول التدريب المستمر وتوفير الإمكانات اللازمة، لكنه عاد ليؤكد أن هذه الجوانب الإيجابية تبقى رهينة الإرادة السياسية العليا. وبين أنه بحسب تجربته الممتدة على مدى 3 عقود، شهدت الساحة الإعلامية تذبذبا واضحا في الاهتمام بالناطقين الإعلاميين، حيث كان بعض رؤساء الحكومات يمنحهم مساحة للعمل بينما كان آخرون يميلون إلى الصمت والابتعاد عن الإعلام، ما أضعف دورهم.
وشدد الأزرعي على أن المطلوب هو نظام تقره الدولة وتلتزم به، بحيث تكون هناك إرادة ثابتة تتجاوز الحكومات المتعاقبة وتضمن وجود صوت مهني واعٍ داخل الوزارات والمؤسسات، "صوت يخدم الدولة بمفهومها الشامل لا الحكومة وحدها".
صلاحيات متناقضة
إلا أن الصحفي ماهر الشريدة رأى أن مسودة النظام أثارت جملة من الإشكالات التشريعية والتنظيمية، مبينا أن النظام المقترح دخل في صراع تشريعي، حيث أن الوزارة مؤسسة بموجب نظام إداري يخولها إصدار تعليمات فقط بينما المسودة ترتب إنشاء هياكل جديدة ونفقات إضافية وتفرض التزامات على وزارات قائمة بقوانين، ما يخلق تعارضا في القوة التشريعية.
وأشار الشريدة، إلى أن المسودة تتناقض مع مهام الوزارة المنصوص عليها في نظامها، حيث حولت دورها من الدعم الفني إلى سلطة مطلقة على الناطقين، رغم تبعيتهم الإدارية لرؤسائهم في الوزارات. 
وحذر من ازدواجية المرجعية بين الوزير ووزارة الاتصال، ما يفتح الباب لصراع وظيفي وتكرار في المهام، منتقدا إنشاء شبكة ناطقين ومنصة "ناطق" التي قد تكون بديلا عن "حقك تعرف"، معتبرا أنها ترتب أعباء مالية على الوزارات دون ضمان نجاحها.
وأكد الشريدة أن المسودة أغفلت حماية الناطقين من الضغوط الإدارية، ولم تحدد شروطا مهنية صارمة للتعيين أو النقل، كما تجاهلت دور نقابة الصحفيين ومعهد الإعلام الأردني في التدريب والتأهيل ولم تتطرق لتوحيد الرواتب والعلاوات ما يبقي التفاوت قائما.