عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Aug-2020

“جلال الدين الرومي 53 سرا”.. عمق في المعاني وانسيابية في الإيقاع

 

عزيزة علي
 
عمان - الغد-  صدر ضمن “منشورات العائدون للنشر والتوزيع” في عمان كتاب “53 سرا من حانة العشاق”، لمولانا جلال الدين الرومي، وقام بنقلها وترجمتها الى اللغة العربية الدكتورة لمى سخنيني، وقام بـ”تحريرها” شعريا ولغويا الشاعر عمر شبانة، والكتاب عبارة عن مجموعة من الرباعيات التي صدرت باللغتين الانجليزية والفارسية، لـ”أنثوني لي Lee Anthony A وأمين بناني Amin Banani”.
يحتوي هذا الديوان على “53 رباعيةً من رباعيات مولانا جلال الدين الرومي”، وكل رباعية هي عبارة عن قصيدة قصيرة تتكون من أربعة أبيات. وإلى ذلك، فهي عميقة متصلة في معانيها. وهي تنساب بلغة موسيقية بعيدة عن المبالغة في القول، أو التقعر في الألفاظ، أو التعقيد في تركيب الجمل. وليس ثمة مبالغة أو توظيف مفتعل للصور والتشبيهات، لأن ما يهم مولانا هنا هو العمق في المعاني، والجمال والانسيابية في الموسيقى والإيقاع.
وتقول المترجمة، في مقدمة الكتاب، إن هذه النصوص شبيهة بالابتهالات والتسابيح، تشبه أنغاما خالدة على وزن أغاني السماء. وسيكتشف القارئ بأنه لا يمكن له قراءة الرباعيات قراءة عادية. فهو بحاجة إلى قدر من التأمل قبل أن تبدأ القصائد في الإفصاح له عن ذاتها. ولفهم القصائد، يجب إيلاء الاهتمام بالصورة والرمزية والسخرية والفكاهة، فهناك رمزية واضحة، إضافة إلى التورية المقصودة. لكن جميع الرموز هنا تستنبط الرسالة نفسها: فهي تشير إلى الروح والتجربة الباطنية -اللقاء مع المحبوب- الذي هو، بحكم تعريفه، يتجاوز الكلمات والوصف.
توضح سخنيني إن ضمير المخاطَب الذي يتكرر باستمرار في هذه الرباعيات، وفي غيرها من قصائد مولانا جلال الدين، غالبًا ما يعود إلى الذات الإلهية، وإلى خالق الكون الذي يخاطبه جلال الدين بالمعشوق والحبيب والمعبود. وفي قصائده، يبتهل الرومي وينادي ويناجي المحبوب، ويثمل بسِحر الوجود وفتنة التكوين، ويسير نحو الحقيقة المطلقة.
وترى سخنيني أن هذا الزمن تتزايد فيه أحوال البؤس والفقر الروحاني، لحساب تمدُّد الماديات وهيمنتها، من جانب، ومن جانب مقابل تزداد الحاجة إلى الروحانيات، ولعل أبرزها ما جاء به المتصوفة من قصائد العشق الإلهي، والخمريات الربانية. وفي مقدمة هؤلاء الصوفيين، يبرز مولانا جلال الدين الرومي، الذي بات حضوره عميقًا في أوساط المثقفين والشبان عمومًا، على الأقل هذا ما يبدو من اهتمام به من قِبل المترجمين والناشرين ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتضيف سخنيني: “لقد انشغلنا بالرومي عبر كتابين سابقين هما “قصائد محرمة” و”جوهر الرومي” تم نشرهما خلال العامين الماضيين، وها نحن نعود إلى الرومي بهذه المجموعة من الرباعيات، في العشق والخمريات الإلهية، وقد حرصنا على نقلها إلى لغتنا وثقافتنا العربيتين، بعد أن كان المترجمان عن اللغة الفارسية أنثوني لي Lee Anthony A وأمين بناني Amin Banani قد توخيا الدقة في الترجمة، وحافظا على سلامة النصوص الأصلية وعفويتها وجمالها، بإعطائها المساحة الشعرية والوزن الشعري، فجاءتنا القصائد مفعمة بروح لطيفة حسب الأصول. ونحن بدورنا قُمنا بجهد كبير في العمل لنقلها، بإضفائنا على القصائد روحًا عربية رقيقة لطيفة. فقد حرصنا على نقل المعنى أولًا، وعلى أن نكون أوفياء للأصل، دقيقين في نقل الأفكار، مع محاولة الحِفاظ على الإيقاع واللغة الشعريين”.
وتوضح المترجمة أن لغة الرومي، وبالرغم من بساطة الكلمات، كما أشرنا، هي لغة صعبة المنال بالضرورة. يمكن لها أن تشير فقط، ولا يمكن لها أن تصف؛ بل يمكن لها أن توحي، لكن لا يمكن لها أن تفسر. فالرومي يكتب بالألغاز. إنه يتبنى المفارقات، ويراوغنا بالتناقضات. وفي هذه القصائد، يصبح القمر هو وجهُ الحبيب، ويُرمز بالجنون إلى العقلانية التي هي الصحوة الحقيقية، لنقرأ:
“أكون أو لا أكون -حسنًا، لستُ مُهْتَمًا
انسَ الأمْرَين، فلا كرامةَ معهما.
إذا أنا لم أجَنَ، حتى الآن، فهذا هو الجنون إذن.
قلبي يمْلَؤه الفرح، لذا فأنا لستُ أبالي”.
وفي كلمة على الغلاف كتبها الشاعر عمر شبانة جاء فيها: أسطورةُ الرومي.. مَزْجُ الروحاني بالجَسَدي، يبْهَرُنا الرومي ويسحرُنا، في كل كتابٍ من كتبه، بل في كل مقطوعة من كِتاباته، على نحو مختلفٍ عما يفعل في الكتب الأخرى. لا كتابَ يشبه الآخر. فهو الشاعرُ هنا، والمفكرُ هناك، والناثرُ الساردُ هُنالك، والمبدع في كل الأحوال. وهو ما نلمسُه في انتقالنا من “المَثْنَوي” إلى “فيه ما فيه”، ثم إلى “ديوان شمس الدين”، وصولًا إلى هذه المختارات من رُباعياته التي نقدمها للقارئ العربي، كما لم يتم تقديمُها من قبل.
ويشير شبانه الى أن القارئ سيجد في هذا الكتاب “53 سرًا من حانة العِشق”، نفسَه مسحورًا بمناخات مولانا جلال الدين الرومي العاشق حتى الموت، والشاعر الذي يُقطر اللغة حتى تصبح قادرة على أن تُسْكِرَ قارئها حتى الثمالة.
تحمل سخنيني شهادة الدكتوراه في الفيزياء وهي أستاذة سابقا في جامعة البحرين، وكانت تدير برنامجي ماجستير ودكتوراه البيئة والتنمية المستدامة في كلية العلوم- جامعة البحرين، صدر لها مجموعة من المؤلفات الأدبية منها: “تنويعات على وتر منفرد”، وهي مجموعة قصصية، في مجال الرواية صدر لها “دير اللوز تكسر أصفادها وتعانق الحلم”، “زائر الأبدية المنسي”، “هكذا صرتُ ملاكا”، في مجال الترجمة ترجمت عن الإنجليزية “القصائد المحرمة: مولانا جلال الدين الرومي”، “جوهر الرومي، (دراسات عن جلال الدين الرومي ومختارات من شعره). حصلت سخنيني على تخصص الفيزياء ودرجة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الإمارات العربية المتحدة وحصلت على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة شمال ويلز في المملكة المتحدة.