عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jun-2023

إسرائيل تتحول إلى دولة يهودية متطرفة*حسني عايش

 الراي 

كلما اشتد القلق الوجودي عند اليهود في اسرائيل–هذا الأمر الذي لا يتكلم عنه أحد منهم أو في الغرب عنه- ازداد تحولهم نحو التطرف الديني للتعايش معه، أو لإنقاذهم منه، ولكن هذا التحول لا يزيل القلق ولا ينقذهم منه، فالفلسطينيون موجودون في أحشائهم، وعددهم يقترب من عددهم، وسيزيد عنه ويقاومون، فإلى أين يفرون؟ إنهم يعبرون عن ذلك بطريقتين واضحتين: بالتطرف الديني من جهة كما يمثله الآن ابن غفير وسموريتش، وبالابارتيدية أو بالتمييز العنصري أو الإبادي للفلسطينيين من جهة أخرى، ولكنهم يفاجؤون مع كل درجة تطرف أو عنف جديدة أن ا?فلسطينيين كطائر الفنيق يخرجون من الرماد محلقين، وكالشوكة في حلقوهم فيشعرون بمزيد من القلق، فيزدادون تطرفاً دينياً لا يختلف عن تطرف داعش، وعنفاً لا يقل عن عنفها.
 
أما الدليل على هذا وذاك فنتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي فازت فيها الأحزاب الدينية، وامسكت بلباب نتنياهو وزمرته، لدرجة بيع قيمه ومبادئه العلمانية. اما الدليل الثاني عليه فنتائج الاستطلاع للرأي العام الاسرائيلي لسنة 2022 مقارنة بها في سنة 2012، أو ما يسمى بتقرير أو جدول الديمقراطية (هارتس في 16/ 1/ 2023 الغد في 17/ 1/ 2023).
 
في تعليقه على نتائج الاستطلاع الجديد قال الرئيس الاسرائيلي اسحاق هيرتسوغ بالحرف ما يلي: «أنا قلق جداً من المعطيات الثلاثة التي وجدت في التقرير! ضعف التضامن في اسرائيل. تضعضع الإحساس بالانتماء إلى الدولة، وانخفاض مدى التفاؤل بالنسبة لوضعنا. هذه المعطيات صعبة تضاف إلى اجزاء أخرى في التقرير تعكس التوترات الداخلية في أوساطنا. تراص صفوفنا يضعف ونحن ملزمون بعمل كل شيء لإعادة بنائه».
 
بالمقارنة بين نتائج استطلاع الرأي لسنة 2012 مع نتائج استطلاع سنة 2020 هبط معدل التفاؤل بمستقبل اسرائيل من 76% سنة 2012 إلى 49% سنة 2022، وتبين أن 23% من اليهود يرغبون في العيش في مكان آخر.
 
واستذكر بهذه المناسبة ما جاء في مقال لأحد أكبر الناقدين اليهود للسياسة الاسرائيلية نحو الفلسطينيين وهو ديفيد ليفي من أن سبعمئة وخمسين ألف يهودي غادروا اسرائيل منذ قيامها حتى سنة 2021، وأن عشرة الاف آخرين غادروا إسرائيل في العام الماضي 2021 (هارتس في 13/ 11/ 2022 وفي الغد في 14/ 11/ 2022).
 
أما الثقة في مؤسسات الدول الثمانية وهي رئيس الدولة، والحكومة، والكنسيت، ومحكمة العدل العليا، والجيش، والشرطة، والاحزاب، والإعلام، فقد هبطت من (61%) سنة 2012 إلى درك أسفل غير مسبوق كما تقول الصحيفة، إلى(33%). كما أن الصراع محتدم بين العلمانيين المتقهقرين والأصوليين، فأغلبية العلمانيين (66%) ترى بوجوب العمل دائماً حسب مبادئ الديمقراطية، بينما ترى أغلبية الأصوليين من المتدينين والحريديم (89%) بوجوب العمل حسب فرائض الشريعة اليهودية. إن اسرائيل تتحول إلى دولة دينية متطرفة، بل وإلى أسوأ من ذلك: إلى الدولة الأبار?يدية الوحيدة في الشرق الأوسط والعالم، وان اليهود الذين كانوا يتفاخرون بديمقراطيتها أمام العالم يستحون منها الآن كما يقول نوعا دنداو (المصدر السابق).
 
الميل إلى التطرف الديني كما في اسرائيل الآن يبرز ويشتد إبان الأزمات، وغياب فتحات التنفس أو الانفراج، فيلجأ الناس إلى السماء طالبين منها الإسعاف أو الإنقاذ. ولكنهم في إسرائيل المدججة بالسلاح عسكرياً ومدنياً يلجؤون إلى البندقية لإبادة الشعب الفلسطيني وهو ما يعكسه ابن غفير وسيموريتش في هذه المرحلة اليهودية متطرفة في إسرائيل.
 
أما العالم السياسي دونالد انجيلهارت فيرى في كتابه عن التطور الثقافي (Cultural Evolution, 2018) «أن الضغوط الاجتماعية والوجودية كما في إسرائيل تدفع المجتمع ذا العلاقة نحو العداء للأجانب والتمسك بالمعايير الصارمة، وزيادة الطلب على القادة السلطويين» كما يتمثلون الآن بابن غفير وسيموريتش وأشكالهما.
 
ويضيف: «بعد دراسة اشتملت على أكثر من مئة دولة، وجدت ارتباطاً (Correlation) بين غياب الأمن الفيزيقي والاقتصادي والاجتماعي، والتدين، وأن عكس هذا المعنى واضح في الدول الاسكندنافية الأقل تديناً في العالم جراء تمتعها بالأمن والثروة والتضامن الاجتماعي، والغياب النسبي للحروب، ومستويات عالية من السعادة العامة»، ومعظمها مفقود في إسرائيل فهي في حالة حرب دائمة في الداخل وفي الخارج، وبخاصة فيما يتعلق بسورية وإيران.
 
كما بينت دراسات أخرى لحال الناس بعد كارثة أو زلزال أن زيادة مقدارها واحد في المئة في المصائب، تزيد نسبة الحضور في الكنيسة بمقدار أربعة في المئة (ديفيد بروش في كتابه: Threats, 2020).
 
بالإضافة الى مئات المرشدين النفسيين (Counselor) يوجد في القوات الأمريكية المسلحة 1700 رجل دين (قسيس) جاهزين لمساعدة الجنود والضباط الذين يعانون من الكآبة أو الضيق الناجمين عن الحرب أو القتال. وكأن الدين بمثابة الدواء الذي يهدئ المريض، ويجعله يشعر بالارتياح الأولي، وهو في كثير من الحالات يؤدي إلى الرضا بالظروف الصعبة كما في الحرب.
 
لا يعني هذا أن من يعاني من الضغط أو الكرب أقرب إلى الدين من غيره، فعندما كان اليهود يعانون من الاضطهاد النازي في أثناء الحرب العالية الثانية كان كثير منهم يكفرون متساءلين: أين هو الله لينقذنا من الهلوكوسوت؟ كيف يسمح بمعاناتنا، ويفرضها علينا ونحن شعب الله المختار؟.