عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Apr-2020

لتفادي إيذاء النفس.. على الآباء مساعدة الأبناء للتعبير عن أنفسهم ومخاوفهم

 

أمل الكردي*
عمان- الغد-  جميعنا، بلا استثناء، نتجنب الألم، وهذا شعور فطري طبيعي، فنحن بمجرد أن شعرنا بألم في الرأس أو في البطن، مثلا، نبادر سريعا لأخد عقاقير مسكنة للألم أو استشارة الطبيب، وربما كان حجم الخوف من الألم يتعدى خوفنا من المرض نفسه.
وكذلك الطفل حديث الولادة بمجرد أن بدأ بأخذ مطاعيم، وتكرر شعوره بالألم من وخز الإبرة، يصبح بعد تعديه سن الأربعة أشهر يخاف من هذه التجربة، لأنها ارتبطت بالألم، هو في كل مرة يذهب الى أخذ المطعوم، يبكي بمجرد أن رأى الممرضة، بسبب تولد شعور الخوف الفطري الذي ينبهه لوجود خطر، وهذا إن دل على شيء فهو أننا فعليا فطرنا على الخوف من الألم.
إن الأشخاص الذين يقومون بإيذاء أنفسهم هدفهم بالدرجة الأولى هو الشعور بألم جسدي خارجي يغطي شعورهم بالألم الداخلي، وهو اضطراب في السلوك مناف للفطرة، وبحاجة الى تدخل وعلاج بشكل فوري، مهما كان الأذى بسيطا، ومنذ بداية المشكلة.
إن إيذاء الذات لا يكون بقصد الانتحار، إنما هو فقط لأجل الهروب من موقف ما، عن طريق جلب الشعور بالألم؛ حيث يقوم الشخص بجرح نفسه أو إحداث حروق صغيرة في معصم اليد أو أماكن متفرقة في جسده أو عض نفسه، أو إحداث ثقوب في جلده أو ضربه نفسه، وأحيانا هز رأسه بطريقة عنيفة.
جميع هذه الممارسات لا تكون بوجود أحد، بل يمارسها الشخص بسرية، ويحاول إخفاء الآثار الناجمة عنها عن طريق لبس ملابس طويلة الأكمام وساترة للأماكن التي أذى نفسه بها.
 
لماذا يؤدي هذا الشخص نفسه؟
لا بد أن هذا الشخص لديه ضعف التكيف مع المحيط والأحداث المؤلمة، بالإضافة الى خلل بفهمه لهويته ومشاعره، وعدم قدرته على التعبير عنها، وعدم قدرته على تخطي المشكلات وحلها، هو ليس بالضرورة شخصية ضعيفة، لكن مفهومه عن ذاته متدن بالتأكيد، فهو لا يقدر ذاته ويحترمها.
 
متى أحكم على شخص أنه يقوم بإيذاء نفسه؟
في حال ظهرت عليه الأعراض الآتية:
 
ندوب لها طابع النمطية، بحيث تكون مفتعلة، وليست ناجمة عن تعرض الشخص لحادث ما.
صعوبة في اندماج الشخص مع المحيط وانسحابه وابتعاده عن أي لقاء، وعدم قدرته على تكوين علاقات.
يتصرف بطريقة مندفعة وغير مدروسة وغير مستقر عاطفيا وانفعاليا.
يطلق دائما على نفسه عبارات تشير الى أنه ضحية، وأنه لا شيء، فهو يرى نفسه من غير فائدة ولا قيمة.
دائم الاحتفاظ بأدوات حادة يخفيها لأجل استخدامها بعملية إيذائه لنفسه.
يحاول قدر الإمكان ارتداء ملابس تخفي الندوب، وآثار الإيذاء التي تغطي أجزاء من جسده.
إن المتتبع للغة جسده يجد أنها توحي بانعدام ثقته بذاته وشعوره بالخذلان.
متى يؤذي هذا الشخص نفسه؟
 
عند تعرضه لضغوطات بغض النظر عن نوعها، بمجرد شعوره بمشاعر مزعجة أو مؤلمة، يقوم بإحداث ألم خارجي عن طريق إيذاء نفسه، بمحاولة منه لتغطية ألمه الداخلي.
يعاقب نفسه على الأخطاء التي يرتكبها، أثناء إيذاء الشخص نفسه، ربما يحصل على نوع من الراحة، ولكن بعدها سرعان ما تتبدد مشاعر الراحة، ويحل مكانها مشاعر الذنب والحزن، وهنا تكمن خطورة الأمر.
ما العمل إذا؟
لا بد أن نعلم بأن هذه المشكلة قد تصيب المراهقين في بداية سن المراهقة، وقد تصيب الشباب، لذلك لابد من تقرب الأهل من أطفالهم وبناء علاقات قوية ومتينة بينهم لمساعدتهم على أن يعبروا عن أنفسهم، ويخرجوا جميع مخاوفهم وأفكارهم، وأي مشاعر قد تنتابهم.
للأسف، لم يثبت علميا سبل للوقاية من هذه المشكلة، ولكن بالعودة للنقطة التي ذكرت سابقا “تقرب الأهل من أطفالهم” فهي تقلل كثيرا من حدوث مثل هذه المشكلة، بالإضافة لتوعية أبنائنا بها، وشرح طبيعتها لهم، لأنه من الممكن أن يكتسب الشخص هذه العادة من أحد أصدقائه المقربين أو المعارف.
في حال وقوع المشكلة، ننصح بتهدئة الشخص وإخباره بأننا بجانبه لمساعدته، وليس لعقابه، من ثم نقوم باستشارة أخصائي نفسي بالدرجة الأولى لأجل مباشرة العلاج، وأيضا عرض الشخص على طبيب لعلاج تلك الندبات والجروح.
من الضروري جدا تحديد نوع المشكلة، ومباشرة علاجها فورا قبل أن تتفاقم وتتضاعف لا قدر الله، ولا بد هنا من أن نذكر المضاعفات المحتملة في حال عدم اكتشاف المشكلة باكرا وعلاجها، وهي على النحو الآتي:
انعدام الثقة بالنفس، وبالتالي الشعور بمشاعر الدونية والانسحاب والخجل الشديد.
حدوث انتانات والتهابات خطيرة مكان الندبات والجروح.
حدوث تشوهات يصعب إزالتها أو علاجها.
تضاعف الفرصة بحدوث الوفاة المقصودة “الانتحار”، وإن كان الهدف من إيذاء الذات ليس إنهاء الحياة.
تحول هذه المشكلة الى اضطرابات أكثر خطورة، مثل: اضطرابات الشخصية الحدية واضطرابات القلق، واضطراب الأكل والنوم، والاكتئاب.
اللجوء الى تعاطي المخدرات والكحول للهروب من هذه المشكلة، ومن كل المشاعر المرافقة لها.
إن تحسين علاقاتنا الإنسانية والاهتمام بها كفيل بأن يسهم في الحد والتخفيف من المشاكل والاضطرابات النفسية، فالأسرة والأصدقاء لهم الأثر الأكبر والأقوى في ذلك، فلنكن قريبين دائما من أفراد عائلتنا، ومن أصدقائنا وأحبائنا، فربما هم يعانون أمرا لا نعرفه، وربما يساعدهم قربنا هذا وتفهمنا على حل المشكلة قبل تفاقمها.
*أخصائية الاحتياجات الخاصة والعلاج السلوكي