عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-May-2019

شهادات النكبة.. وجع وحنين و«ذاكرة لا تصدأ»

 

الأراضي الفلسطينية –الدستور -  محمد الرنتيسي - لم يدع الاحتلال ضحيته وشأنها، بعد 71 عاماً على النكبة الفلسطينية، بل استمر بمطاردتها مسكوناً بشيء من الذنب والخوف من لعنتها التي ستلاحقه، وهذا ما يثبته واقع من هجّرتهم العصابات الصهيونية عن أراضيهم، عنوة وبقوة السلاح.
وفي الذكرى الـ71 للنكبة، توقفت «الدستور» مع عدد من «حراس الذاكرة»، لتدوين قصصهم، واستذكار لحظاتهم الأخيرة في مسقط رأسهم، خلال لقاء نظمته وزارة الإعلام الفلسطينية في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، بالتعاون مع اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، ضمن سلسلة حلقات «ذاكرة لا تصدأ» فكانت شهادات مشحونة بالشوق والحنين الجارف إلى الأوطان.
أرض وسماء
الثمانيني محمد منصور، أعاد رسم أم الزينات، بتفاصيلها الدقيقة، سهولها ومبانيها وأسواقها وحقولها وجبالها، وينابيعها، وعائلاتها، وتذكر كرملها وزيتونها ولوزها وخروبها، وباح بمعالمها كخلة الزرد، وزيتون المقشور، والرجم، والانجاصة، وجرن البارود، وكرم ظاهر، والحساسنة.
ونقش محمد صالح العرجا، تفاصيل حصار الفالوجة (قضاء غزة)، التي ولد فيها نهاية 1934، وقال: عشنا تحت الحصار والقصف الجوي ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة قريبتي فاطمة البعم، التي قالوا لها أن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد، إلا وإصابتها قذيفة، وشاهدت كيف قسمت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها.
وسرد الثمانيني عبد القادر عبد الهادي، تفاصيل مدرسة صبارين بجوار حيفا، التي كانت تضم أربعة صفوف، فيما سبقها مدرسة غير رسمية للشيخ محمود.
وبث عبد الخالق جعايصة، مقاطع من حكاياته في مدرسة الكفرين، التي ضمت أربعة صفوف، كان في كل واحد نحو 20 طالباً.
زيتون وعونة
وباح حبيب أبو سيف، أن أهالي قرية سيدنا علي  قضاء يافا، كانوا يبنون مدارسهم في بيوت الشعر، لطبيعة حياتهم البدوية، واسترد لحظات رحلته إلى القرى المجاورة في المسكة وقلنسوة وجلجوليا بحثاً عن التزود بالزيت، لكون قريتهم كانت متخصصة في زراعة البساتين والمحاصيل الحقلية.
وروى أحمد أبو سريس، الذي ولد في الكفرين قبل النكبة بعشر سنوات، طريقة عصر الزيتون اليدوية، والمحفورة بالصخور القديمة، فيما تطورت لاحقاً إلى ما يًعرف بـ»البدّ».
واستجمع التسعيني سعيد حمد، حكايات قريته صبارين قضاء حيفا مع الشجرة المباركة، التي كان أهلها يقطفون الزيتون باليد، ويضعون الثمار في (الكرادل) دون استخدام فراش تحتها.
وبث السبعيني خليل أحمد أبو زهرة، ابن صبارين، ذكرياته زيتون بلدتهم، حينما كانوا يستخدمون الزيت القديم لإنتاج الصابون، فيما يصنعون المأكولات وبخاصة الزلابية والمسخن بالمحصول الجديد.
ومما جمعه إبراهيم الشاويش، المولود في قنير عام 1945، عن والده، مشاهد العونة الجماعية، حينما كان الأهالي يساعدون بعضهم في قطف الثمار، ويتبادلون الزيت والمحاصيل الأخرى.
وقصّ محمد عبد أيوب، الذي خرج إلى الحياة عام 1927 في قرية الفالوجة، تفاصيل حراثة الأرض والمزروعات الشتوية التي كان يزرعها الأهالي. فيما رحلت ذاكرة الثمانيني تقي محمد وشاحي إلى بلدته إجزم، حين كانوا يعدون العدة لمواجهة موسم المطر والرياح، إذ يقيمون في خيامهم، ويرعون الأغنام والأبقار والجمال.
شتاء وأعراس
وتذكرت بهية صبح،  شتاء أم الزينات المجاورة لحيفا، واللهو حين ينزل الثلج، ووفاة يوسف الشيخ أبو خليل، الذي خرج لبيع الحليب، فنزلت عليه الصاعقة ومات.
وبحسب شريط ذكريات الثمانيني محمد إسماعيل نعجة عن شتاء بلدة الكفرين الملاصقة لحيفا، فإن ينابيعها العديدة كعين فارس، والبلد، والحنّانة، كانت تنتعش في الشتاء، فيما كانت أرضها تزرع بالحنطة، وتُحرث بالخيول والبقر.
وأسترد السبعيني حافظ خليل حكايات شتاء قرية البرّية المجارة لمدينة الرملة. ومشي رمضان فريج أبو فريج، الذي جاء إلى الدنيا عام 1927، بين أطلال ذكريات عرب أبو كشك، وأرضها الرملية، التي كانت تزرع بالبازيلاء والقمح وتشتهر بالترمس المر،
وتنقلت يسرى شحادة، بين ينابيع الكفرين حين كانت تنقل المياه على رأسها بالجرار، هي وبنات جيلها.
واستجمعت تمام صالح، تفاصيل منزل عائلتها المكون من 8 قناطر في أم الزينات، ولا تنسى كيف أخفت والدتها دلة القهوة والفناجين من ديوان والدها في قن الدجاج، قبل أن تغادر القرية.
واسترد حافظ البرية، الذي أبصر النور عام 1942، مواسم الأعراس وجاهات الخطوبة، والأغاني الشعبية، والزفة، والموائد التي كان أهالي قرية البرية، جنوب الرملة، يعدونها في أفراحهم.
واختزن حسين أبو مراد، الذي أبصر النور في اللجون عام 1930، مشاهد من أفراح قريته المجاورة لأم الفحم، التي كانت تتبع جنين، فيقول: كان زواج البدل منتشراً في القرية، ولم تكن المهور عالية، وبعضها لم يتجاوز 30 جنيهاً.
ورسمت حليمة أبو الروس المولودة في بئر السبع، وعزية نصار ابنة إجزم قضاء حيفا، صورة للأفراح، حين كان أهل العريس يحضرون للعروس صندوقاً خشبياً به جهازها (ملابسها واحتياجاتها).
وردّد حسين علي أبو رحيّل، المولود عام 1925 في قرية المنسي قضاء حيفا، تفاصيل أرض عائلته، فقال: كنا نزرع القمح والشعير والذرة البيضاء والكرسنة والعدس والحمص، في بلدتنا التي تقع في مرج ابن عامر، وخلال فصل الصيف نعمل في أرضنا بالسمسم والبطيخ والشمام.
ووفق سعيد تايه «أبو ناصر»، الذي ولد عام 1935 في الكفرين، وقضى طفولته في بلدة أبو شوشة، فقد كانت أراضيها سهلية وخصبة، من امتداد مرج ابن عامر الواسع، وتتدفق منها ينابيع عيون: الفخيتة، وبربارة، وبير البلد.
وسرد تقي الدين محمد وشاحي، المولود في إجزم عام 1935: كان الأهالي يتساعدون في بناء المنازل، فيحضرون الحجارة والشيد «الجير» من «الكبارات» التي نصنع من الحجارة المحروقة، وكان معلمو البناء يشيدون العقود، ويصنعون لها قبة كبيرة.
مسحراتي وقذائف
وروي أحمد دغمان، المولود في الكفرين المتاخمة لحيفا عام 1936: كان أهالي البلد يتبرعون لقراءة المولد والمدائح النبوية الرمضانية مرة كل ليلة في بيت مختلف، وكنا نخشع ونحن نستمع إليها.
وأسهبت الثمانينية يُسر هنطش، من قاقون، المجاورة لطولكرم: كنا ننتظر المسحراتي أبو محبوبة، ونساعد أمهاتنا في إعداد وجبة السحور والفطور، ونوفر معظم طعامنا من الخضرة التي يزرعها والدي.
وبنت الحاجة السبعينية آمنة صبح، تفاصيل قريتها الريحانية قضاء حيفا، فيما رسمت بهية صالح صبح لوحة لبلدتها أم الزينات. واستذكرتا لحظات الاقتلاع والتهجير القاسية.
وقصّت يُسر محمد صلاح  هجوم العصابات الصهيوينة على قنير المجاورة لحيفا.
واستجمع عبد الرحمن الخطيب، المولود عام 1941، حكاية قرية مصمص التي رحل عنها قسراً، وقال: انتقلنا إلى إجزم المجاورة، وحين بدأ قصفها بالطائرات، رحلنا مع موعد أذان المغرب، وأذكر أننا كنا في شهر رمضان، وبدأنا نمشي في عز الليل.
خيام وسمك
وقدمت آمنة أبو هنية، مقاطع الرحيل المر عن قرية شحمة، جنوب فلسطين، وقالت: كان زوجي يعمل مزارعاً، وعنده بئر ماء، وحين قررنا الرحيل بعد هجوم اليهود، عاد لإطفاء الماتور، وقال: هي يوم أو يوم ونعود.
وقصت السبعينة زهية عليان، المولودة في أم الزينات، قصة ضياع صفها الأول، عندما سكنت مع عائلتها في مخيم الجلزون، وكانت المدرسة باردة جدا دون وسائل تدفئة، فرفضت الذهاب وبقيت في الخيمة، ولم تدرس غير 15 يومًا.
وسكنت في ذاكرة الراحل جميل ضيف الله، اللحظات الجميلة التي كان يصطاد فيها السمك من النهر المار بعرب السوالمة، فيرمي ورفاقه الشباك، أو يلتقطون سمك المشط، والقرابيط أو العكليك، وينقلون صيدهم للبيع في أسواق يافا وملبس.
واحتفظ سليمان العمري، الذي درس وامتهن حرفة وعمل في حيفا، وسكن قرية بلد الشيخ، بتفاصيل المذبحة التي نفذتها العصابات الصهيونية عام 1939.
فيما روت فتحية شنابلة، المولودة في بيسان عام 1941، ما علق من مقاطع خلال طفولتها وحكايات أمها عن عادات مدينتها، فقالت: كانت تجري للعريس زفة، ويركب على الفرس، أما العروس فنحضرها بـ(فاردة) من القرى والمدن المجاورة.
حلوى ونكبة
وقصّت آمنة ورّاد، التي أبصرت النور في الريحانية عام 1940، عادات قريتها القريبة من حيفا: كان أهلنا يوزعون الملبس والحلوى، وبعد أن يسنن الولد (يمتلك الأسنان أول مرة) يجهزون السليقة (القمح المسلوق) بقدور من النحاس (طناجر كبيرة)، ويزينونه، ويوزعونه على الجيران، الذين يعيدون الطبق بهدية ( نقوط).
وقدّمت زينب جوابرة، حكاية الخروج من بعلين: كانت تجاورنا قرى تل الصافي، وبرقوسة، وصميل، والجسير، ولما وقعت النكبة، وسمعنا عن أحداث تل الصافي، فاجتمع الرجال وقرروا أن نخرج، فوضعوا الأطفال في عربات الخيول، وخرجت النساء برفقة بعض الرجال لحراستهن، وظل الباقي في البلد.
وروى عبد الرزاق قوزح: ولدت في قاقون قضاء طولكرم، وكان اليهود يهجمون على قريتنا، وفي أيار عام 1948 شنوا هجمات كثيرة علينا، وأذكر كيف أن والدي حذر الأهالي من عدم التجمهر، خشية القنابل، وفي إحدى المرات، كما أخبره والده، أطلقوا قذيفتين من جهة بيارة النافع، وقتل نحو 40 من أهل قاقون مع غروب الشمس، وأجبر الناس على الرحيل من دون دفن الجثامين.
وقالت رابعة أبو يونس: ولدت عام 1933، وسكنا حي الحليصة بحيفا، وأقام جدي مسجدًا ومنزلاً، وكان بيتنا مقابل الهادار، وراح اليهود يطلقون النار على المسجد وكل من يدخل إليه أو يخرج منه، واستشهد الإمام.
وسرد سعيد عبد القادر، سيرة آلات موسيقة صنعها بنفسه في قرية أبو شوشة المجاورة لحيفا: حين وقعت النكبة، وكنت مع القطيع، خفت على شبابتي من الضياع، فذهبت إلى مغارة «أبو جريس» ودفنتها ببابها، وقلت لنفسي: سأعود إليها غدًا، وفي الليل هاجمتنا العصابات الصهيونية، وأطلقوا النار على البشر والبهائم.