الراي
ربما يحتاج البعض داخلنا الى معرفة اكبر بطبيعة الدولة الاردنية وتعاملها مع الاحداث والازمات حتى لايذهبوا الى تسويق أمور لاعلاقة لها بمسار الدولة، خصوصاً في زمن الضخ الجائر للتحليلات السياسية والأمنية والعسكرية، وفي زمن اطلاق الألقاب من وسائل إعلام على البعض بأنهم خبراء استراتيجيون أو أمنيون أو عسكريون أو سياسيون وغيرها من الالقاب التي لم يحصل عليها كيسنجر ولا محمد حسنين هيكل، فالخبير في أي مجال تعرفه من معرفته، واسمه يدل عليه وليس ما يكتبه مخرج أي برنامج اخبار او برنامج حواري.
الاردن يتعامل غالبا مع اي ازمة اقليمية او داخلية بهدوء وقراءة متأنية بعيدا عن أي غضب أو انفعال، واذا عدنا مثلا الى الازمة السورية التي بدأت منذ عام ٢١١ وانتهت نسبيا قبل اقل من عام، فان الاردن حينها حدد اهدافه: الحفاظ على امن الاردن واستقراره من اثار الازمة أمنيا وعسكريا واقتصاديا خاصة في ظل ضعف الدولة السورية وانتشار الميليشيات المتطرفة والطائفية.
وايضا السعي للحفاظ على وحدة سوريا من اي تقسيم تحت اي عنوان والدعوة لحل سياسي للازمة، وثالثا عدم الانغماس عسكريا في هذه الازمة رغم التداخل الجغرافي، اضافة الى الجانب الانساني واستقبال الأشقاء السوريين على الارض الاردنية.
وعمل الاردن عبر كل تلك السنوات بهدوء وحزم وحقق امنه واستقراره ومنع خطر كل الميليشيات، ولم يتورط عسكريا في تلك الازمة.
وفي سنوات العدوان على غزة التي لم تنته حتى الان، كانت اهداف الدولة واضحة في قطع الطريق امام اي تنظيم او دولة لتحويل الحرب في غزة الى ازمة أمنية وسياسية اردنية ورغم بعض الصعوبات كانت النتيجة ايجابية.
وفي مسار مواز عمل الاردن على كل مسار سياسي وانساني ودبلوماسي وقانوني على مساندة اهل غزة والقضية الفلسطينية عموما ،كما تعامل الاردن مع غزة واهلها بعيدا عن اي تأثيرات لعلاقته مع من يحكم غزة .
وفي ملف التهجير وحماس الرئيس الامريكي له كان الاردن حازما في رفض المشروع وكان الملك الزعيم العربي الذي قرر الذهاب الى البيت الأبيض للدفاع عن موقفه ودعما للفلسطينيين ،ورغم التشويش المتعمد من الاخوان المسلمين في العالم ودول ترعاهم على تلك الزيارة الا ان النتيجة كانت ايجابية وحافظ الاردن على علاقاته المميزة مع الولايات المتحدة .
وحتى قصة تصريحات نتنياهو حول مايسمى اسرائيل الكبرى فان الاردن اتخذ موقفا قويا جدا تجاه هذا الجنون رغم انه يعلم اسباب التصريحات وواقع حكومة الاحتلال ،ووضعت الدولة الموضوع في سياقه السليم من قوة الموقف والتحرك لكن الدولة ليست منفعله كما يحب ان يراها البعض او كما ذهب بعض خبراء التحليل ،فالاردن وفي كل قضية مع الاحتلال واتحدث عن مسارات كبرى مثل التهجير كان قويا جدا ورسالته كانت قوية وحقيقية بان الامر يعني اعلان حرب ،لكن الاردن لايعلن الحرب مع كل تصريح، ولايذهب الى مسارات قاتلة مع كل استفزاز.
وحتى عودة خدمة العلم فانها مشروع مطروح منذ سنوات ،وهو ليس ردة فعل على تصريحات نتنياهو ،وهو قيد الدراسة للتنفيذ قبل حوالي عام وليس قبل ايام ،وليس كما قال البعض هو استعداد للحرب ،فالدولة لديها جيش محترف واجهزة ذات تاريخ ايجابي ،ومشروع خدمة العلم أهدافه داخلية وليست لاعلان الحرب .
البعض يعتقد انه كلما ذهب الى الخيال في التوقعات يثير اهتمام الجمهور ،لكن هذا المسار رأينا اثاره في تعامل اعلام عربي مع حرب غزة وفي كل مرحلة كان الاعلام والخبراء!! يفقدون مصداقيتهم.
الاردن دولة لاتترك حقوقها وتدافع عن مصالحها وأهم مصالحها الاستقرار ،وليس دولة منفعلة وانفعال بعض الاعلام والخبراء الاستراتيجيين لاعلاقة له بموقف الدولة.