"كذب الاحتلال".. حينما يتطاير أمام موجات من السخرية
الغد-تغريد السعايدة
حالة من السخرية يعيشها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومنشئي مقاطع التيك توك والريلز، تعقيباً على التصريحات الإسرائيلية بشأن الحرب على غزة، وما تبعها من صور ومقاطع "ساخرة وتهكم على ما يتم بثه من فيديوهات من السهولة بمكان تفنيدها وفبركتها وإظهار كذبها".
وعلى سبيل المثال، المقطع الذي بثته قنوات إسرائيلية رسمية بأن "جنود الاحتلال عثروا على نفق تابع للمقاومة"، وتم عرض الفيديو على الملأ، لتنشر صحيفة نيويورك تايمز بعد ذلك أنه مقطع تمت الاستعانة به من فيلم وثائقي عن أنفاق الحرب العالمية، والتي باتت الآن مكانا لرواد المغامرات.
ومن المقاطع الأخرى التي وجد فيها نشطاء التيك توك الباحثون عن الضحك والمتعة، محاولتهم لتقليد فيديو بثته كذلك إسرائيل، يظهر ممرضة، على أنها تعمل في مستشفى الشفاء وتستنجد من قوات حماس وأنها تشعر بالرعب، وتتكلم باللغة العربية الركيكة، ليظهر فيما بعد أنها "إسرائيلية"، وقام الكثير من داعمي صمود غزة، بالبحث عبر حسابات التواصل الاجتماعي، ليتعرفوا على حقيقة شخصيتها، وكشف زيف جديد للرواية الإسرائيلية.
ومن بعد ذلك، قام عدد كبير من رواد "التيك توك" بتقليد طريقة الحديث والصوت لتلك الممرضة "المزيفة"، بل وتحدث الناشط باسم يوسف في إحدى مقابلاته الصحفية في بريطانيا، عن زيف هذه الممرضة، واصفاً ذلك بأنه أمر مثير للسخرية، وإلى أي حد وصل الضعف في الإعلام الإسرائيلي حتى يلجأ لمثل هذه الأكاذيب.
مئات المقاطع التي لا يمكن حصرها من مختلف دول العالم، تناولت مدى المبالغة في الكذب والزيف الإسرائيلي خلال الحرب الدامية على غزة، في حين أنه "يقدم أرقاماً غير دقيقة لعدد قتلاه جراء المقاومة في غزة"، والتي يرى فيها ناشطون أن الكذب هو نهج الاحتلال، الذي قام على كيان دولة أخرى، واستخدم الكذب في تسلله إلى فلسطين، على حد تعبير البعض.
شاب أميركي، ينشر في حسابه الشخصي مقطعا يظهر فيه "تقويم أيام الأسبوع الذي ظهر في أحد مقاطع الفيديو التي بثها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على أنها أسماء لمقاتلي حماس"، ويظهر هذا الشاب وهو يحاول أن يقلد العسكري الإسرائيلي، في حين يرد عليه آخر أنه مجرد تقويم، ولكنه يصر على أنه أمر ما يتعلق بحماس تم العثور عليه في أسفل مستشفى الشفاء، ليكون هذا المقطع مثار ضحك للمتابعين الذين يؤيدون كذلك "كذب الرواية الإسرائيلية"، حتى من العالم الغربي، الذين تؤيد دولهم الحرب على غزة.
هذا الأمر يعتبر سلوكا ممنهجا يعتمده الاحتلال منذ عقود، ويتعاظم يوماً بعد يوم، وبدا كنوع من الدفاع النفسي، وقد يكون مطابقاً للمثل الشعبي القائل "كذب الكذبة وصدقها"، لذا، يرى مستشار أول بالطب النفسي الدكتور وليد سرحان أن العدو المحتل لم يعد يفرق بين الصدق والكذب، فقد فقد السيطرة على كل شيء، وبلا شك أصبحوا محط سخرية للعالم، ولا زالوا يتحدثون في الدفاع عن النفس وهم المحتلون المسيطرون المحاصِرون لقطاع غزة.
وأضاف سرحان أن قادة الاحتلال في هذه الحرب باتوا مرتبكين يحاول كل منهم التخلص من المسؤولية الأخلاقية والجنائية عما يتم من إبادة، مشيراً إلى أن "الاحتلال" كان دائما مصدقاً لكذبه عبر عقود، والآن تاهوا حتى في كذبهم، والعالم أصبح قادراً على أن يرى الحقيقة على ما هي عليه، وليس بإمكان آلية الحرب الصهيونية العالمية الاستمرار في الكذب وضمان تصديقه كما هي العادة، وهذا دليل على "فشل الكذب السياسي والإعلامي على كل صعيد".
كما يبين سرحان أن ما يحدث من كذب دعائي له تبعات نفسية على مدار عقود، وهذا ينبع من القلق الوجودي الذي يعاني منها الإسرائيليون منذ العام 1948، ويزداد تدريجيا مع السنوات وتفاقم يوم 7 أكتوبر بأن الذي يخشونه قد حدث، وهو انهيار نظرية القلعة، وهي الآن مكللة بالخسائر من مختلف النواحي، وحتى النفسية والاجتماعية منها، ورعبهم من التعرض للهجوم في أي وقت.
ومن جانبٍ آخر، يرى الباحث والخبير الإعلامي الدكتور تيسير أبوعرجة أن أي متتبع يعي قصة نشأة هذا الكيان المحتل في فلسطين منذ بداياته وتأسيس أولى مستعمراته بدعم من القوى الاستعمارية التي التقت مصالحها في تأسيسه مع مصالح الحركة الصهيونية، يدرك تماما حجم الأكاذيب والروايات الكاذبة التي صاحبت هذه النشأة وأهمها أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
ويقول أبو عرجة بأن الشعب الفلسطيني قد دخل في مقاومة وصراع مع هذا العدو من اليوم الأول الذي ظهرت فيه خيوط المؤامرة الصهيونية المدعومة، ولكن هذا الكيان لكي ينشأ وهو يعلم أن مقولاته وأساطيره كاذبة قام بتأسيس العصابات المسلحة الإجرامية التي قامت بالعديد من المجازر والمذابح المعروفة قبل نكبة عام 1948 وما بعدها من أجل ترويع المواطنين الآمنين ودفعهم إلى التهجير القسري.
ورغم ذلك استمر هذا الكيان ينسج الأكاذيب حتى أحداث طوفان الأقصى الذي أنهت فيه المقاومة الفلسطينية أسطورة الجيش الذي لا يقهر وقامت بالانتصار عليه ولم يكن في هجومها أي تجاوزات أو أي سلوك لا يتفق مع الأعراف الدولية والأخلاق العربية والإسلامية، وفق أبو عرجة، ولكن الاحتلال بقي مستمرا في أكاذيبه حتى وضع نفسه في موضع تندر حتى من الغربيين أنفسهم الذين انطلت عليهم هذه الأكاذيب وكل أشكال التزوير والفبركات في الأيام الأولى لمعركة السابع من أكتوبر، والغريب أنهم يكذبون ويصدقون أكاذيبهم لأنهم يعلمون أن ذلك يقع في صلب مشروعهم الصهيوني من بداياته إلى يومنا هذا.
ويتوافق أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور محمد محمود بني يونس، مع بقية الآرء حول تلك الدعاية النفسية التي بات كذبها منطليا على العالم بأسره، ويقول من خلال المشاهدات لشهداء غزة الأبرياء من المدنيين المرضى والخدج ضحايا العنف الإسرائيلي الغوغائي، تحطمت الصورة النمطية الإيجابية السائدة المخزونة في الذاكرة طويلة الأمد عن الكيان الإسرائيلي اللاإنساني لدى الداعمين له قولا وفعلا.
ويستدل على ذلك، وفق بني يونس، من خلال التصريحات الأخيرة لزعماء الغرب الداعمين لهذا الكيان، ومسيرات شعوبهم المضادة للعنف الإسرائيلي الوحشي الهمجي، مشبهاً الغرب حالياً بأنه "يعض أصابعه ندما على مواقفه اللاأخلاقية الداعمة للكيان الزائف الكاذب الخادع، وبدأ يشعر بالخجل من نفسه، ويعترف بأنه أكبر مجرم شريك إستراتيجي في أكبر جريمة لا أخلاقية ضد العزل الأبرياء.
صمود أهل غزة هو أفضل في دقته من جهاز كشف الكذب، كما يصف بني يونس، فالممارسات الإسرائيلية الوحشية أماطت اللثام عن الوجه القبيح لهذا الكيان المصطنع، والكذب ليس بالجديد عليهم، مستذكراً بعض الأقوال التاريخية حول "الصهاينة"، والتي تؤكد هذا الزيف، ومنها مقولة "حقا إن اليهود هم أسياد الكذب، وقول لقد اكتشفت مع الأيام أنه ما فعل مغاير للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود يد فيها"، وأخرى تقول "الحقيقة الكاملة هي أن كل الأكاذيب تأتي من اليهود"، فيما هناك قول آخر وهو "بمجرد أن كذبت، أصبحت يهودياً إلى الأبد". ويعتقد بني يونس أن الحرب الوحشية الحالية استطاع من خلالها أهل غزة الأبرياء إجراء عملية غسيل دماغ لأنصار إسرائيل، حيث ظهر الحق وزهق الباطل، فالشمس لا تغطى بغربال، فمهما تغطرس وتجبر هذا العدو، فقد أصبح "كسيقان القمح الفارغة في مهب الريح".
ولكن لماذا وجد الاحتلال من يصدقه خصوصا في الدول الغربية الكبرى وفي الولايات المتحدة الأميركية؟ وهنا يجيب أبو عرجة بأن الإجابة يمكن تفسيرها بخضوع الغرب تاريخيًا لسطوة اللوبيات الصهيونية ولعقدة الذنب لدى الغربيين بتأثير الهولوكوست اليهودي في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ولوجود عقدة معاداة السامية، ناهيك عن تشويه الصورة العربية والإسلامية في الإعلام الغربي منذ عقود طويلة تحت دعاوى الإرهاب.
بيد أن الغرب هو من كان راعيًا لأشكال الإرهاب قديما وحديثا، وهي المقولات التي قامت الصهيونية بترويجها وتأجيجها، بحسب أبو عرجة، الأمر الذي جعل هناك استعدادا لدى الدول والشعوب الغربية لتقبل كل ما يسيء للعرب والمسلمين، والآن وبعد أن تكشفت هذه الأكاذيب من خلال إعلامهم الموثق، حول أحداث طوفان الأقصى فإن العالم مدعو لأن يردع هذا الكيان المحتل ويوقف إجرامه ومجازره ضد المدنيين الأبرياء في غزة وأن يوقف قادة هذا الكيان من مجرمي الحرب عند حدهم وأن يقول لهم كفى كذبًا وتزويرًا وإدعاءات مبنية كلها على الأطماع والأساطير الجوفاء.